يتأصل الوطن عميقاً في ذواتنا حباً,, ووفاء,, وولاء,, احتفاء به وبذكراه، ذكرى مرور مائة عام على قيام هذا الكيان الحبيب,,، وذكرى فتح الرياض، تلك الإنطلاقة المباركة التي كانت النواة الأولى لقيام هذه المملكة الغالية على قلوبنا جميعاً, لقد رسخ هذا اليوم في وجداننا وظل يوماً من أيام التاريخ المجيد، وكان إيذانا ببداية إنطلاقة كبرى في مجالات الحياة المختلفة، سطعت رخاء، وازدهاراً، ومدنية، واستقراراً, إن الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية وذكرى يومنا الوطني تؤكد فينا:
أولاً: ضرورة التوقف عند هذا الحدث التاريخي بتأمل وتفكر، فهي ذكرى لإنجاز عظيم حافل بملاحم البطولة والشجاعة والمواقف الخالدة لمؤسس هذا الكيان الشامخ، ومن هنا تكتسب هذه الذكرى أبعاداً دلالية تنمو في حقولها كل معاني الفخر بالبطل المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
إن معاني هذه الذكرى يجب ان تسطر بحروف من نور حتى يقتبس الأجيال من نورها كل معاني التضحية والفداء حباً ووفاءً لهذا الوطن ولرموزه الأوفياء.
لكي يظل هذا الوطن عالياً شامخاً، ولكي تظل صورته السامية ناصعة في كل أرجاء الكون.
وتؤكد هذه الذكرى ثانياً: ضرورة قيام المراكز الأكاديمية ومراكز الدراسات والبحوث بإعادة قراءة هذه الصفحات التاريخية الناصعة قراءة جديدة تبرهن على فرادة هذا الكيان وإبراز الثوابت التي اسهمت في مطوعه وشمرخة,, وعن أهم عناصر الاستقرار والأمن اللذين نتفياً ظلهما وسط الفتن والقلاقل التي تعصف بالعالم من حولنا, وتدعونا ثالثاً: الى أن نسجل بكل فخر واعتزاز شهادات أولئك الذين عاصروا مراحل تطور هذا الكيان والذي اتخذ من عقيدة التوحيد وتطبيق الشريعة الأسلامية أساساً للتقدم والنجاح في كافة نواحي الحياة,, فمن ينظر اليوم نظرة منصفة إلى المملكة سيطل على آفاق من الحضارة والمدنية والاستقرار والعلم والرخاء والتطور والنهضة,,, مما يعد مثالاً يحتذى به في النهضة والتقدم، فما تحقق في هذه البلاد في مائة عام حققته دول سبقتنا في قرون عدة، بل إن بعض تلك الدول لن تصل إلى ما وصلت إليه بلادنا في مجالات شتى، فجدير بأبناء هذا الوطن أن يفخروا بالمؤسس البطل وأبنائه البرره الذين خططوا وتابعوا هذه النهضة المباركة التي تعيشها بلادنا الحبيبة.
إن من أبرز مقومات الحضارة والتطور في الأمم التعليم بكافة فروعه,, فالمؤسس -طيب الله ثراه- منح هذا الجانب جل تفكيره ووقته لعلمه بأنه البداية الحقيقية التي يتسنم منها الفرد ذروة المجد في أي مجال يرغبه، ولئن كان التعليم في بدايته قد بدأ في الكتاتيب وعلى نطاق ضيق إلا أنه أخد في التوسع شيئاً فشيئاً حتى عم المدينة والهجرة والقرية وحسبنا أن المؤسس قد ارسى قواعد وزارة التعليم وغيرها من الوزارات هذا الرجل العظيم الذي لم يتخرج في جامعة ولم تمنحه الحياة فرصة للتعليم، ولكنها عبقرية القائد وحكمته ورؤيته الثاقبة,,.
وإذا كان المؤسس قد عني بالتعليم بوجه عام فإنه لم يفته الاهتمام بإيجاد مهنيين مهرة في جميع المجالات إيماناً بحاجة البلاد إلى مثل هؤلاء، ليسهموا في تنمية البلاد وتقدمها,, ولعلني بحكم ارتباطي العملي بالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أن أقدم بعض اللمحات الموجزة عن ذلك الاهتمام منذ عهد المؤسس -رحمه الله- إلى وقتنا الحاضر الحافل بمنجزات الخير والعطاء في ظل قيادتنا الحكيمة, لقد تمثلت البداية بإنشاء المدارس الصناعية بداية بالمدرسة الصناعية في جدة عام 1369ه وكانت مدة الدراسة فيها ثلاث سنوات بعد الشهادة الإبتدائية، ثم طورت مناهج الدراسة فيها حتى اصبحت تعادل الشهادة الثانوية, لقد كان الهدف إعداد قوى وطنية ماهرة، لتلبية احتياجات الصناعات المتطورة وتحويل العمال العاديين إلى عمال فنيين ويتقنون مهنتهم على أسس علمية سليمة، نتيجة للتعليم والتدريب المتخصصين، وتهيئة فرص العمل للمواطنين الذين لم يتلقوا مقداراً من التعليم النظامي، وغرس القيم الإسلامية في نفوسهم، وبث روح احترام العمل اليدوي والمهني في المجتمع بأسره، وقد استقدمت الحكومة في بداية الأمر خبراء ألمان وفرنسيين وإيطاليين وزعوا على مراكز التدريب في المناطق الشرقية والغربية والوسطى من المملكة، عقب ذلك توالى إفتتاح المدارس الصناعية والزراعية والتجارية,, ونتيجة للتوسع الكبير الذي حققته وزارة المعارف في مجال التعليم الفني والذي حققته وزارة العمل والشئون الإجتماعية في مجال التدريب المهني تقرر جمع كل هذه المنشآت ضمن إطار مؤسسة متخصصة لتركيز الجهد وتنسيق النشاطات ضمن خطط متكاملة.
وهكذا أنشئت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني عام 1400هُ 1980م، منذ ذلك الحين أعيد تنظيم كافة المنشآت التدريبية والتعليمية وطورت مناهجها ووضعت لها الضوابط في استراتيجية التعليم الفني والتدريب المهني، وخرجت جملة ضخمة من الإنجازات المتحققة في مجال التعليم الفني,,, فقد وجد التعليم الصناعي الثانوي، والتعليم الفني التجاري، والتعليم الفني الزراعي، لسد حاجة البلاد في هذه التخصصات بدلاً من الاعتماد على المهنيين الأجانب.
أما في مجال التدريب المهني، فأنشئت مراكز التدريب المهني ومراكز الإعداد المهني في جميع مناطق المملكة، ولم تكتف الدولة أيدها الله بذلك بل وضعت الحوافز لحث المتدربين على مواصلة تدريبهم بنجاح عن طريق صرف المكافآت المادية والعينية وتوفير السكن والعلاج أثناء الدراسة بالمجان وكذلك تقديم القروض الميسرة بعد التخرج، لكي يسهم المتخرج مع إخوانه من أبناء الوطن في دفع عجلة التنمية لتقدم البلاد,,.
إن الحديث عن الوطن وإنجازاته حديث شائق للنفس ولا سيما في هذه الذكرى المئوية وبالأخص عندما يصدر من أي مواطن عاش على أديم هذا الوطن وتحت سمائه ونعم بخيراته التي أفاء الله بها على بلادنا المباركة, ومهما تحدثت عنك ياوطني ومهما تحدث غيري فلن نوفيك ولن نوفي ذلك المؤسس الفذ حقه في هذه العجالة، ولكنها بعض خلجات النفس لهذه الذكرى العطرة التي فاح أريحها في كل مكان فأدخلت النشوة على أبناء الوطن جميعاً رجالاً ونساءً، شيبة وشباباً واطفالاً، فسارعوا بالحديث عن صقر الجزيرة وإنجازاته وإنجازات ابنائه من بعده طيلة مائة عام خلت، كل بطريقته ووسيلة تعبيره، ولكن الغاية واحدة وهي محبة الوطن وتمجيد ذكراه، وتجديد الولاء لهذه الحكومة الرشيدة التي لم تأل جهداً في سبيل إسعاد المواطن والسهر على راحته وتوفير سبل الامن والعيش الرغيد له ولأفراد أسرته, وهاهو العقد يكتمل جماله باللؤلؤة المائة زيناً وجمالاً وبهجة لقلوبنا كما يزين العقد بلآلئه الجميلة جيد الفتاة الحسناء,, ولعمري إن ما تحقق في هذه الذكرى المئوية من تضحية وإنجازات لهو تاج أزدانت به تلك الأعوام المائة، وفاخرت به الأعوام التي قبلها، وهي تنظر بعين التفاؤل إلى أعوام أخرى من العزة والمتعة.
وفي الختام أسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يحفظ لنا قائد مسيرتنا وراعي نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل، وأن يعيد على بلادنا الحبيبة مناسبات الخير والعطاء,, إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.