Sunday 3rd October, 1999 G No. 9866جريدة الجزيرة الأحد 23 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9866


بدون ضجيج
جار الله الحميد
مشروع - 3

سألني صديقي (لا أدري حتى الآن كيف اصنفه, مع أنني لست مضطرا لذلك) سليمان نفسه الذي اخترع حكاية انني تركت شقته على البلاط, سألني : هل انني استطيع ان اكتب رواية؟!, قلت له منفعلا: أنت بذاتك رواية , كل ما ينقص المشهد الآن اوراق بيضاء غير مسطرة وقلم اسود, ابدأ من اي زمن, من اي مكان, كلنا روايات , ولكن بعضنا روايات لاتستحق ان يطلع عليها الناس بينما آخرون يجب ان يقرأهم الجميع!
- كيف ابدأ؟ اعني: كيف اصنع؟!
تضايقت من السؤال جدا.
- انت سليمان تطرح هذا السؤال؟
- نعم, الرواية فن, له اصوله وقواعده.
- هذا عند حبيبك (نجيب محفوظ)! الرواية هي انت!
- لم افهم!
- يستحيل الا تفهم ياسليمان!
- مشكلتك انك متعصب لرأيك ومتشنج, واتسعت عيناه الحمراوان من قلة ما تتعرضان للشمس (هكذا يبدو لي انا), واكمل:
- انا اريد نصيحتك , انت لست عاديا, انت مؤسس.
قاطعته:
- واللي يخليك تدري انني لا احب هذا الكلام, امتدحني كيف تشاء ولكن بعد ان أنقلع عنك, ثم تعال: من قال لك انني مؤسس, انني اكره هذه الكلمة!!
كأنك بدأت تحفر قبري ! مازلت اتعلم من العصافير والشجر والضعفاء والمجانين,, قاطعني:
- كلامك كله خرطي انت نرجسي بكل مافي الكلمة من معنى.
ضحك ليلطف الجو الذي بدا انه يتوتر, جاء الصباح, ذهب الطلبة الى مدارسهم , والعمال بدأوا يحفرون حفرهم التي لا احد يدري متى تنتهي.
وسليمان اتته حالة الصباح, وهي حالة التمس له بعض العذر فيها, ان تكون وحيدا بلا زوجة ولا اولاد, ولاعمل, او عمل مشابه للبطالة, ان تقبض راتبا تدري ان الآخرين يشتمونك بمجرد ان تستلمه, كأنهم دفعوه من جيوبهم, هنا يئن سليمان (مثلما أزفر الآن), ساعة المضيق هذه , تبين لي وانا اضع يدي على الدركسون المهترىء ان كل ما قلناه في الليلة الماضية كان سخيفا, لماذا كنا متحمسين بكل ذلك الشكل؟!, اطلقت زفرات عديدة, مع ان الشاعر الشعبي تداعى الى ذهني
(لو كل من قال آه برين شكاياه
اكثرت من قول آه وابريت روحي !)
آويلاه كم أنا بحاجة الى بكاء شديد , علني اغتسل.
في غرفتي كان الضوء شحيحا , كانت المجلة التي اقرا فيها منذ يومين تقريرا موسعا عن (افغانستان), موضوعة على الفراش كما تركتها, لم يكن في ذهني اية مشاريع, تذكرت (غالب هلسا) الذي مات في المنفى كما يليق برجال لم يعرفوا في حياتهم وجعا وهوية كالسفر !, آه, قلت يجب ان انام , اكمل هذه التداعيات قريبا, لن تكون هذه رواية ! اشدد على ذلك, كل الاحداث يمكن ان انهيها في صفحة, لا احب السرد, وابطالي ماتوا, ابطالي الذين كنت اؤمل عليهم ان يكونوا زادي ماتوا ميتات تبدو عندما تروى وكأنها موظفة ضمن سياق المشهد الذي اغرق فيه الآن, مشهد هذا البؤس الداخلي, هذه الرمال من العطش التي تجلل سريري, وما هنالك من كتب ولوحات (اغلبها نسخ من زهور فان جوخ) انما هي ديكور, وضعه المخرج لانه لم يكن في متناول يده غيره, هل صعوبة النوم قاسم مشترك بين الذين لا استطيع وصفهم سوى بكلمة (مثلي) ؟!, هل لابد من قرص اللارجكتيل 100 مجم البرتغالي الذي يوضع ضمن اكثر الأشياء اهمية؟, الا يمكن ان تنام هكذا , كما يفعل الاطفال والنساء والطيور, تسند رأسك , تطلق آخر توجعات مفاصلك, وربما تدهن انفك وشدقيك بكريم , تغمض عينيك , تنام!؟!, منذ متى والآخرون كم هو بغيض وصف الناس ب (الآخرين) ! يسألونك في المناسبات العامة: كيف انت والنوم؟ الا زلت تستعمل علاجات ؟؟ فتكذب: لا , صار طبيعيا ! مع انك لاتعرف ماهي حدود الطبيعي,.
يتبع
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved