* من الأمور المقلقة,, في مسيرتنا الثقافية - الأدبية,, والتي لا تبدو لنا بذات أهمية؛ أننا لا نقرأ لبعضنا، وإذا حدث أن قرأنا فإننا نكتفي بالمسح العام، أو بقراءة جزء قد يكون أول العمل المطبوع في العادة.
ويبدو أنه لم يبلغ مبلغاً مهماً أن يعتمد أحدنا على قراءته الفردية بحيث يكوّن بمفهومه ونظرته وتوظيفه وذائقته رأيه الخاص به وليس الرأي الجاهز أو الجاهز عن رأي الآخرين، أو الجاهز - أولاً - القائم على المسح التصفحي ومطالعة الإهداء، أو يكون مبنيا على المعلوم سابقا، ولعمل سابق مرحلة وزمنا وظروفا ووعياً.
ومن الأمور المقلقة المؤلمة أن عددا من مثقفينا المحترمين,, دعوا إلى مناقشة واحد من إصدارات الكاتب بأحد الأندية ذات يوم، وقد بلغني النقاش تسجيلا صوتياً - ففوجىء الحضور بأن الأغلبية لم يقرؤوا العمل,, بل إن أعذارا كانت أقبح مما لو أنهم سكتوا,, مثل عدم وجود الوقت الكافي، أو عدم إحاطة النادي له، أو لعدم إرسال المؤلف له بإهداء وهكذا.
وقد أصبحت لدي قناعة بحكم الواقع؛ بألا أسأل أحدا عن عمل ما صدر حديثا أو قديما,, تجنبا لإحراج المسؤول، فقد أقع في أحد الأمرين الجاهزين الآنفين.
***
إن من الأنقى والأجمل - وهو من التراث بالمناسبة - أن تقول لا اعلم، إذا كنت لم تقرأ لأعمال وتطورات ساحتك الثقافية والأدبية تحديداً، ولست - هنا معترضا لأخلاق وسلوكيات التعامل القرائي، ولا أرغب في إقامة نظرية نمطية، لأن المقصود خارج عن قصد به تجنب الاحراج وقت المساءلة أو المواجهة,, غير أن الذي ألبني وبهيئة موجعة؛ ما قابلته رواية عبده خال الموت يمر من هنا - ، والتي مضى على صدورها أعوام تدخل في الخمس، ولم تنل بعض حقها في التناول أو الرأي، أو القراءة، أو النقد وهذا اسمى ما يعتبر، فقد مرت كما يمر الموت كما جاء في اسم عنوانها، وقد أجابني ذات مرة الأستاذ خال حين سألته باختصار,, أنه يعتقد أن السبب يكمن في حجم الرواية الذي لا يتجاوز مئات أربع وبأن حجم البنط الطباعي كان صغيراً, وسكت، فخجلت واتخذت موقع الصامت لحظتها، فالسائل موبوء مع اختلاف بعض الصفات التي ذكرها الموت ، غير أن الوباء بصورة أو بأخرى لابد أن يعم إلا من رحم ربي.
ولست منهم في هذه الحال,, فقد كنت وقتها لم اطلع بعد على تلك الرواية التي بلغني إياها وقت صدورها مشكورا، لم أقرأ رواية الموت يمر من هنا لكي أتخلص من أحد بمن فيهم صاحبها,, بل من نفسي أولاً وأخيرا ودائماً، فليس من الحق أو من بعضه ألا اقرأ كل إصدار في ساحتنا المحلية، وإن كنت في قراءة الشعر متذوقا فقط، على أثر أن قراءة العمل القصصي والروائي يأخذ دور الكاتب مهما حاولت أن أتغير في موقعي، أو اتحايد فيه، مع اعترافي المعلن بأنني لم أسأل أحداً في هذه التفصيلة - غير الجميلة كما أرى -.
***
مع إيمان صاحبكم الشديد بأنه لم يدخل أحدنا الجن كمانع يحول بينه وبين قراءة المحليات,, لكنني أبحث وببالغ المحاسبة عن أعمال كثيرة لزملاء وزميلات في هذه الساحة الطيبة، وأجاهد في البحث عنها عن طريق المكتبات ومراكز التسويق فلا تجيبني للأسف، مع امتناني الحقيقي لمن وافاني ببعض الإصدارات من غير مصادرها كطريق الحرير ورجاء عالم والفردوس اليباب لليلى الجهني والدكتور سلطان القحطاني - شخصياً - وغيرهم القليل.
فبالإضافة إلى أننا قوم محرومون في سوق الكتاب المحلي ونعاني ما فوق الأمرين في هذا الامر,, لكننا نبحث عن منافذ التوصيل الخاصة - لأننا لا نهتم بقراءة المحليات - ولا نحرص عليها، وقد اسعفتني مكتبتي الخاصة المؤلفة منذ ثلاثين عاما على بعض المؤلفات في القصة والرواية كرواية بنت الوادي والقصاص للاستاذ الزهراني والبراءة المفقودة لهند باغفار وألحان منتحرة شعراً لثريا قابل وغيرها,, حيث كان زمانا أو مرحلة اسمها اجمع .
لا شك أن لديكم بصورة أو بأخرى كهذا,, أو ما شابهه.
جئت مرة إلى قلمي لأكتب باندفاع إنساني ولظرف حقيقي مخلص عن الأستاذ الروائي والقصصي ابراهيم الناصر الحميدان الذي تغذينا زمانا على عمله أرض بلا مطر،فهاتفني مشكورا وبطريق الصدفة يسأل عن بعض أعمالي,, وصلتني أغلب أعماله مع التقدير أخيرا,, لكنني وقتها لم أعثر إلا على القليل,, لماذا؟!
أتساءل بكامل الأسى والحرقة:
* ألا نحتاج لوزارة ثقافة في بلدنا,, ومؤسسات ذات حماية، ودور للطبع والنشر والتوزيع؟!
* هل نحن خارج العالم ثقافياً.
* ألسنا في أرض طيبة تقدس الكلمة والرسالة وتحترم اللغة والأدب والتعبير، وتنظر إلى الكون والعالم بعين التطور والإبداع والفن والتاريخ والثقافة.
ألسنا نحتاج اليوم في غياب وصول هذه التعبيرات الإنسانية، إلى مجمع اكبر وفعّال وحقيقي,, يربطنا بإنسان وطننا وعالمنا وثقافتنا وأدبنا وابداعنا,, قل مجلساً,, قل رابطة,, قل أسرة,, قل أي جامع؟!
إننا نحن,.
أبناء الجزيرة العربية أساس الانطلاقات الثقافية,, أساس اللغة العربية,, أساس العربية جمعاء,.
نحن أبناء المملكة العربية السعودية نحتاج إلى من يجمع أصالتنا ومجتمعنا الحقيقي بخصوصياته وزمانه وتقدمه وانسانيته الأدبية والثقافية والإبداعية,, فكل الشعوب في كل التاريخ ليس لها من أساس غير الثقافة والإبداع والفن,,؟!
لقد تغيرت الوسائل والاتصالات والأساليب والطرق,, إننا,.
نحتاج فورا إلى النظر من قبل مسؤولي الثقافة والفنون المحترمين,,, إلى التطلع إلى غد مشرق وحقيقي، فلم نأت من فراغ ولا يمكن أن نتجه إلى فراغ، فالأدب والثقافة وسائر الإبداع هو عنوان الأمم والشعوب.
* الكتاب مظلوم، والمسرحية قائمة على قدم واحدة اسمها الرجل، والفنون في دهاليز، ومعارض الكتاب تحت المجهر، والرقابة الطباعية تنظر للانظر، والموسيقى في أوكارها، والسينما بلا ذكر، ونحن بلا نحن، ,, فأين الفن والإبداع والثقافة؟!
|