نشرت جريدة الجزيرة في عدد من اعدادها تصريحا (لمسؤول) يفيدنا فيه بأن نسبة التحضر في بلادنا العزيزة ارتفعت من 48 في المائة عام 1397ه الى 85 في المائة في وقتنا الحاضر,, والتحضر - لمن لا يعرف من القراء الكرام - مفهوم علمي يعني ببساطة العيش في اماكن حضرية متطورة ومكتظة سكانيا - بل وكما وصفه لي ذات مرة استاذ امريكي تتلمذت على يديه ب(المدينة المريضة!) - ويقابله مفهوم (الحضرية) والذي هو السلوك الناجم من العيش في اماكن حضرية,,, وحسب هذا التصريح فإنه قد تم اندثار ما يقارب ال 85 في المائة من القرى والهجر او بتعبير (معاكس!) لم يتبق على قيد الحياة سوى 15 في المائة من قرانا وهجرنا التي صنعت تاريخ هذه البلاد وانطلقت من ضرابها وأكمتها حملة التوحيد الخالدة بقيادة مؤسس هذا الكيان العظيم المغفور له الملك عبدالعزيز - اغدق الله عليه شآبيب رحمته ورضوانه -.
يفيدنا هذا التصريح كذلك عن مشكلة مزمنة - لابد من ايجاد حل ناجع لها - تتمثل بالهجرة من القرى الى المدن ولسبب بسيط يكمن في توفر وسائل الطرد (قرويا) في نفس الوقت الذي تتوافر فيه عوامل الجذب (حضريا!) مما يعني مزيدا من (الترييف) للمدن - اي نقل الريف الى المدينة وخصوصا في أطرافها - والازدحام المرير، والتلوث، والتكدس، والظواهر الاخلاقية السلبية، واختناق الخدمات، والحوادث المرورية، (وشين النفس!) وضعف الروابط الأسرية، وعزوف المدرسين والمدرسات والموظفين والموظفات عن العمل في الأماكن القروية واضطرارنا بالتالي الى جلب مزيد من العمالة الأجنبية!!.
وعليه ، ومن وحي هذا التصريح، ألا يحق لنا التساؤل عن أبعاد تجربة توطين أبناء باديتنا الكرام الأعزاء على يد المغفور له مؤسس تلك البلاد، وكيف نجحت ولماذا نجحت وكيف روعيت عوامل الجذب والطرد المناسبة آنذاك؟!!.
ختاما، القرية هي رئة التراث العبق والتي من خلالها نتنفس الكثير مما ورثناه,, فعدم الاهتمام بها موت لحرفة تاريخية,, موت لمجد سام,, بل بموتها انفصال (نفسي) للأجيال اللاحقة عن كفاح أسلافها، انفصال عن حقب شظف العيش، انفصال عن أزمات تاريخية واقتصادية وسياسية واجتماعية (اشتدت) زمنا لتنفرج وتنبلج بوطن معطاء مستقر غني بقيمته وقيمه.
د, فارس الغزي