تجرى حاليا الاستعدادات لتطبيق نظام حزام الأمان بعد إقراره رسمياً وقد سبق التطبيق فترة توعية بأهميته القصوى بالنسبة الى سائق المركبة ومن معه في حالة وقوع حوادث تصادم أو انقلاب أو ارتطام للمركبة وقد شملت التعليمات أن يكون للأطفال مقاعد محزومة تؤمن لهم الحماية أيضا عند تعرض المركبة لأمثال هذه الحوادث.
وحسب ما أعلن فإن التطبيق سيبدأ بعد ثلاثة شهور من الآن وربما مع غرة شهر رمضان القادم,!
ولا شك أن التجارب والدراسات تؤكد أن لحزام الأمان دورا - بإذن الله - في توفير بعض الحماية المقدرة لمن يستخدمه سواء كان السائق نفسه أو الراكب المجاور له أو غيرهم من الركاب في المقاعد الخلفية وإن كان ركاب الصف الأول هم أشد حاجة لحزام الأمان لوجودهم في مقدمة المركبة مما يجعلهم أكثر تعرضا للخطر.
ولأهمية حزام الأمان وفوائده الوقائية فإن من مصلحة قائدي المركبات التجاوب مع هذه التعليمات وقاية لأنفسهم ولمن معهم وأن يعوّدوا أنفسهم على ربط حزام الأمان سواء داخل المدن أو خارجها كما أن على رجال الأمن والمرور متابعة الأمر والحرص على تطبيق ما لديهم من أنظمة وتعليمات حول حزام الأمان ولكن ما نود أن نراه محققا ومتزامنا مع خطوة حزام الأمان ، بل وقبل تطبيقه على جميع المركبات، هو أن ينجح رجال الأمن والمرور في ضبط الانفلات المروري الحاصل في الشارع الذي أصبح مصدر شكوى عامة وهي شكوى تؤكدها الشواهد والاحصاءات المرورية ولعل لدى المسؤولين في الجهات المختصة علما بها، فالناس تشكو من نزق وطيش في استخدام المركبات وضرب للأنظمة بعرض الحائط وسيادة التجاوز والاستثناءات في التطبيق، ولذلك فإن المتوقع في حالة عدم ضبط الشارع مروريا أن تكون آثار تطبيق حزام الأمان محدودة جداً لأن قطع الاشارات والسرعة والتهور وعكس السير والقيادة بلا رخصة وغيرها من الأخطاء المرورية القاتلة لا يحد من وجودها الحزام ، بل الحزم وقد يشجع ربط الحزام إن لم يوجد الحزم قائد المركبة على زيادة السرعة والتهور بعد أن يفهم أن الحزام سيحميه هو فلابأس إذن من الطيران في الشوارع وقطع الإشارات وعندما تقع الحوادث فلا أكثر الشفعاء الطيبين ,؟!
وأخيراً فإن تطبيق أي نظام لا يمكن أن يؤتي أكله إلا إذا علم الجميع أنه نظام عام التطبيق وأي ثغرة في تطبيقه لا تلبث أن تتسع حتى تصبح خرقا ليس بمقدور الراقع رتقه والسلام,,!
الخوذة الواقية
وبمناسبة الحديث عن حزام الأمان فقد لاحظ أحد الاخوة المواطنين وقد عاش ردحاً من الزمن خارج المملكة لظروف ترتبط بعمله، ثم عاد إلى البلاد بعد غيبة دامت سنوات، لاحظ أمامه في الشوارع العديد من الشباب وهم يقودون الدراجات النارية ويمرقون بها من تحت مقدمات السيارات بطريقة بهلوانية دون أن يكونوا قد لبسوا الخوذات الواقية للرأس التي تحمي رؤوسهم من الارتطام بالأرض الصلبة عند السقوط!
ويقول أخونا إن أنظمة المرور في الدول التي عمل بها تعاقب وبشدة كل من يقود دراجة نارية أو حتى عادية دون أن يلبس الخوذة الواقية، بل إن عقوبة عدم لبس الخوذة تفوق في صرامتها عقوبة من لا يلتزم بربط حزام الأمان، وفي حالة حصول حادث لراكب دراجة لم يستخدم الخوذة فإن هذا الراكب يتحمل ما جرى له من أذى حتى لو كان سقوطه نتيجة احتكاكه بسيارة مجاورة له في السير وإن كان النظام لا يعفي صاحب السيارة من الجزاء إن كان سبب الحادث خطأ من قائد السيارة.
ويرى هذا المواطن أنه يجب أن يواكب حملة تطبيق حزام الأمان حملة على قائدي الدراجات بجميع أنواعها تلزمهم بلبس الخوذات الواقية لأنه ليس من المعقول أن يقود هؤلاء دراجاتهم بلا خوذات واقية ثم يتحمل وزر عملهم أصحاب السيارات من وفاة أو ارتجاج في المخ أو نحوه,, فإذا كان الأمر كما ذكر فإن رجال الأمن والمرور مطالبون بملاحظة ذلك!.
وقفة مع عبث الوليد
قبل نحو شهر أهداني الأخ الأديب أو بالأصح العاشق للأدب والأدباء محمود محمد عبدالله المدني، نسخة من مؤلف عبث الوليد وهو كتاب نقدي شهير ألفه الشاعر العربي العباسي الكبير أبو العلاء المعري في شرح ديوان البحتري ، وقد أطلق عليه هذا الاسم عبث الوليد نسبة إلى الشاعر العباسي الوليد بن عبيد البحتري الطائي، وذلك ضمن أعمال نقدية أخرى لشعراء عاشوا في العهد العباسي ومنها معجز أحمد في نقد أعمال الشاعر المتنبي وذكرى حبيب في نقد أعمال الشاعر أبي تمام، وقد حقق الكتاب وعلق عليه، الأديب المدني محمد عبدالله المدني رحمه الله وهو والد الصديق محمود مدني، وهذه النسخة المهداة هي من الطبعة الثالثة لكتاب عبث الوليد ويعتبر الأديب محمد المدني اول من أخرج الكتاب محققا ومعلقا عليه لعامة القراء بعد أن كان مخطوطا ومحفوظا في إحدى مكتبات المدينة المنورة، وذلك عام 1936م أي قبل 53 عاماً وكان الناشر للطبعة الأولى السيد أسعد طرايزوني الحسيني الوجيه المدني المعروف، وأصدرت الطبعة الثالثة دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع عام 1405ه 1985م.
وقد لاحظت أن الكتاب المحقق حظي في طبعته الأولى بتقديم وتقريظ من علمين من أعلام الفكر والأدب هما الأمير شكيب ارسلان والدكتور محمد حسنين هيكل، ولكن المقدمين المقرظين يرحمهما الله اكتفيا بتوجيه الشكر والتقدير على ما بذل من جهد علمي للناشر واغفلا تماما اسم المحقق الأديب محمد عبدالله المدني مع أنه صاحب الجهد الفكري الأساسي وما كان لمثلهما أن يغمطا المحقق المعلق جهده ولعل لهما عذرا ونحن نلوم! ولكن الأديب الرائد الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله الذي أخرج الطبعة الثالثة من الكتاب قد أكمل هذا النقص، عندما ذكر للمدني فضله وجهده في معرض حديثه النقدي للكتاب حسب ما ورد في كتاب كناشة الرفاعي الصادر عام 1416ه تحت باب من حديث الكتب، ولم يكتف بذكر فضل الناشر كما فعل كل من أرسلان وهيكل وهذا هو الحق والعدل!
ولقد كان في مكتبتي قبل نحو عشرين عاما نسخة من الطبعة الأولى من عبث الوليد شريتها من مكتبة في باب العمرة قبل هدم ما كان يسمى بالسوق الصغير في مكة المكرمة، وإضافة مساحته للمسجد الحرام، ولكن هذه النسخة فقدت مني إثر انتقالي من منزل لآخر قبل استقراري أخيرا في داري العامرة! .
ويعتبر عبث الوليد أحد الإنجازات النقدية لشاعر المعرة رهين المحبسين، وقد أملاه إملاء لأنه بصير ولكن المطالع للكتاب يلمس ما يتمتع به أبو العلاء المعري من حس نقدي قد يكون سابقا به لعصره، وهو نفسه من أهم فلاسفة وشعراء العالم عبر العصور ولم يزل حتى يومنا هذا يحظى بالاعجاب من قبل نقاد الشرق والغرب، حيث ترجمت بعض أعماله إلى لغات عديدة ومن تلك الأعمال رسالة الغفران واللزوميات.
وفي عبث الوليد نرى الناقد المعري يطوف بين أبيات ديوان البحتري مخرجا اللآلئ والأصداف فاقدا المعاني واللغة والتراكيب اللفظية مثل الجواهري الحاذق الذي يملك أنامل من حرير!
أما تعليقات وتحقيق الأديب المدني فإنها هي الأخرى تعليقات لطيفة تدل على علم وفهم ودراية بفنون التعليق والنقد وحسبه فخرا أنه أول من أماط اللثام تحقيقا وتعليقا عن هذا الكنز الأدبي الماتع ولا نريد أن نغمض الناشر السيد الطرابزرني حقه في تمويل نشر هذه التحفة الفكرية ولكن حق المعلق المحقق أجل واكبر لأنه صاحب الجهد الفكري المبذول حتى لو أغفل اسمه وجهده صاحبا المقدمتين أرسلان وهيكل!
ولعل من المناسب ونحن نتحدث عن عبث الوليد الإشارة إلى بعض النماذج الفكرية النقدية الواردة فيه إمتاعا للقارىء فعند قول البحتري:
أزرى به من غدره بصديقه وعقوقه لأخيه ما أزرى به |
يتوقف المعري قائلا: ردد به مرتين ولو ترك ذلك كان أحسن .
ويقول البحتري:
كدن ينهبنه العيون سراعا فيه لو أمكن العيون انتهابه |
فيعلق المعري: في النسخة كدن وهو جائز ولكنه روى والصواب أن يقال رأته النساء فيؤنث الفعل بالتاء أو رآه النساء، فأما المجيء بالنون في الفعل المتقدم فهو قليل وذلك على مذهب من قال أكلوني البراغيث !
ويقول البحتري:
ليس ينفك هاجيا مضروبا ألف حد أو مادحا مصفوعا |
ويعلق رهين المحبسين: قوله مضروبا فيه زحاف لم تجر عادة المحدثين باستعماله وهو قليل في أشعار المحدثين وإنما يجيء في آخر البيت !
وكمثال بسيط على علم ودراية المحقق المعلق الأديب المدني الذي استغرق تعليقه وتحقيقه قرابة نصف الكتاب نورد قول أبي العلاء على صدر البيت التالي للبحتري من ينأ كبراً به غاد أبهة
حيث أعتبر أن كبراً نصب على التمييز ولكن المدني علق قائلاً: الظاهر أن نصبه على أنه مفعول لأجله .
وأورد أبو العلاء قول الراجز:
أعوذ بالله من آل العقراب المصغيات الثائلات الأذناب |
أي العقرب فيقول المدني أنه يحفظ الرجز هكذا أعوذ بالله من العقراب إلخ ورواية المدني أصح وزناً من رواية أبي العلاء والله أعلم!
شاكراً لأخي محمود المدني أو أبي الشمقمق كما يحب أن يسمى، هديته القيمة.