والشعراء يجدون في لوم الدهر ملجأ إن لم يكن وسيلة للبوح بما يعانونه من قسوة الحياة التي تتمثل فيما يحصل لهم من فراق يتذوقون منه مرارة البعد عمن أحبوا,, ولهذا نجد بعضهم يتهم الدهر بعدم الانصاف بينه وبين من قد ألفه واستأنس بالبقاء الى جانبه.
ومع علمهم بأن الدهر لا يملك نفعا للانسان ولا ضرا إلا أنهم يعزون اليه ذلك من باب التجاوز لا الاعتقاد به خاصة الشعراء غير الجاهليين من المسلمين.
ومن أولئك الذين اتهموا الدهر بعدم الانصاف في فعله وتصرفه الشاعر الفارس أبو فراس الحمداني حيث يقول في قصيدة له:
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي |
والشكوى من تكرار جور الدهر تأخذ عمقا تأثيريا في نفوس بعض الشعراء فيحصل منهم تذمر مما يعانونه من مشكلات اجتماعية يعزون وجودها الى قسوة دهرهم عليهم وممن شكا عدم مساعفة دهره له الشاعر الجاهلي عدي بن زيد حيث يقول:
فوّق الدهر إلينا نبله عللا يقصدنا بعد نهل فهو يرمينا فلا نبصره فِعل رام رام صيدا فختل رُزق الصيد ولاقى غرة فرمى مستمكنا ثم قتل |
وقوله ايضا متهما الدهر بأنه يثني المؤمل عن آماله بل يحول بينه وبين ما يهدف اليه من تطلعات أو يسلبه ما كان قد بلغه من أمنيات
ربّ مأمول وراج أملا قد ثناه الدهر عن ذاك الأمل وفتى من دولة معجبة سُلبت عنه وللدهر دول |
ولأبي العلاء المعري فلسفة في تفسير مفهوم الدهر وطبيعته, فالدهر في نظره ما هو إلا وسيلة بناء من ناحية وأداة هدم من ناحيةأخرى, وأنه عبارة عن مجموعة متراكمة يخلفها تتابع الليل والنهار, وهو بواقعه يفني ولا يفنى ويبلي ولا يبلى وأنه يأتي حينا بالرخا وحينا يكون مصدر ويل وبلاء, يقول:
والدهر -إعدام- ويسر و-إبرام ونقض و-نهار- وليل يفني ولا يفنى ويُبلي ولا يبلى ويأتي برخاء وويل |