** الاصوات الجميلة هبة من الله ولكنها لا تقترن بالاختيار الجيد غالباً للنصوص والالحان من قبل اصحابها، فملكة الانتقائية دقة لا ينكر احد استثئار بعض الفنانين بها دون الآخرين منهم، وهذه الدقة فن بحد ذاته تحرج البعض إذا غابت عنهم في اعمالهم خصوصاً من عودونا ان يكون ديدن تعاملهم التأني في اختيار اللحن والكلمة وهنا اسلط الضوء على بعض الاسماء الكبيرة في الساحة الفنية التي يفترض ان تكون كبيرة في كل تفاصيل اعمالها الفنية التي تطرحها للجمهور:
1 - محمد عبده: - لست بصدد تنظير هذا الصوت المتفرد، فقد مللنا التطبيل المقترن بمانشتات فنان العرب أبو نورة وغيره ونحن لإيمان ذوقنا بفنه نواجهه بحب وبموضوعية لا تغضب اي منصف، فهو بين الفينة والاخرى يقول ان الفنان الكبير طلال مداح يقتل النصوص الجميلة واستشهد بنص جمرة غضى الذي اداه طلال مداح ومحمد عبده في نفس الوقت كل من جانبه، وبعيداً عن تقليدية المقارنة بين محمد عبده وطلال اتساءل لماذا قام محمد بتسريب الأغنية بصوته علماً بأن التنازل كان من نصيب طلال اساساً قبل ان يتحرك محمد في دهاليز تبريراته كعادته في الوقت الضائع ثم لماذا لم يغن محمد الاغنية على نفس مقام لحن طلال,,, الاجابة الواقعية هي ان طلال يستطيع ان يغني على طبقة صوت عالية في الاداء لا يستطيعها محمد، وبما ان الموضوع كما اختار مسماه محمد عبده قتل نصوص كيف يقنعنا محمد عبده بأن نص (نوى القلب نية ما نواها لاحد غيرك) لم ينجح بالصورة المتوقعة علماً بأنه كنص من أعذب النصوص سواء من حيث تداعيات او اتقان الشاعر للصور فحسب بل يكفي ان الذي كتبه امير الحرف خالد الفيصل, هنا اصل الى ان محمد عبده حاول ان ينجح نصوصا (ميتة) للشاعر الناصر مثلاً ويقتل نصوصا (حية) من حيث لا يدري,, كل هذا يفضح ما مفاده ان الصوت شيء والدقة والاخلاص في انجاح العمل وايصاله للجمهور شيء آخر مع احترامي لتاريخ محمد الفني الذي لم يحرص عليه كثيراً في الآونة الاخيرة باستثناء اغانيه الوطنية الرائعة.
2 - الفنان عبدالمجيد عبدالله: في احد لقاءات الأمير بدر بن عبدالمحسن الاذاعية وتحديداً في ال ام بي سي سأله المذيع عن عدم نجاح نص (بعيني تغيب الشمس وتشرق بعيني) التي اداها عبدالمجيد عبدالله من الحان صالح الشهري وكلمات الأمير بدر في الوقت الذي نجحت فيه اغنية (رهيب) رغم ان رهيب ككلمة تعبير دموي ابعد ما يكون عن الشعر فأجاب الأمير (إن الثوب حين يكون فضفاضاً جداً يحرج صاحبه).
استخلص مما سبق ان النص جميل ولكن الاحتفاء بهذا النص من قبل عبدالمجيد لم يكن كذلك وهذه ادانة لذوق عبد المجيد فما المانع من ان يكون تقويم دقيق على الاقل من قبل نخبة من اهل الفن في الشركات المنتجة للألبومات تنصف الفنان والشاعر والجمهور قبل ان يخذل أحد الاطراف الثلاثة الآخر، فالأغنية السعودية تمثل جزءا من تاريخ فن هذا الوطن وهي معرضة لا محالة للتنظير حتى على الصعيد العربي في المهرجانات والمنافسات العربية بين الاغاني، ولن يقف حدود الاهتمام بها عند الانطباع الشخصي,,, فهي شئنا أم أبينا مسئولية جماعية لا تقبل المجاملات التي هي على حسابنا كجمهور إن قبلنا بها.
3 - عبادي الجوهر: هذا الفنان صاحب العزف المنفرد على العود، قد اخلق له العذر على بعض التقصير مقارنة بمحمد وطلال وغيرهما لمحدودية طبقة صوته الذي لا يساعده أن يغني على كل المقامات في السلم الموسيقي لهذا نجد أن ألحانه محدودة وهذا ادراك منه لامكانياته الصوتية وتكيف جيد، ولكن اصراره على فكرة وتيرة واحدة من النصوص جعله يبتعد عن المنافسة لانه لن يستطيع بأي حال ان يجعل من الجمهور حزينا ومحبطا ويتفاعل - فقط - مع الحزن والفراق والغدر وغيره، وهناك من الجمهور من هو متفائل وعصري وديناميكي حتى في اصغر تفاصيل عواطفه لهذا فإن نهج عبادي كرره اكثر من فنان سواء قبله او بعده واصبحوا في النهاية فناني مرحلة فقط وأرى ان عبادي ألبس فنه هذا الوشاح الذي ذكرته من حيث يدري او لا يدري.
4 - راشد الماجد: فنان حظي بقبول كبير في السنوات الأخيرة ولم يتسن له كل ذلك من فراغ بل بذل من الجهد الكثير ليصل الى ما وصل اليه، ودخل اخيراً لعبة المنافسة بين عبدالمجيد ومحمد عبده واصبح محمد يناصره في لقاءاته الصحفية والتلفزيونية ومن حق راشد ان يلعب اي لعبة يرى في النهاية انها تجير لصالحه، ولكن بما ان حديثنا عن الدقة راشد يبالغ كثيراً في اختيار الالحان السريعة وقد أثر ذلك حتى على نوعية النصوص فهو في الآونة الاخيرة تعاون مع شعراء شباب لديهم نصوص جميلة وحضور قوي مثل خالد المريخي وعبدالعزيز المتعب وغيرهما ولكنه في المقابل اختار نصوصا عادية لهما رغم جودة قصائدهما الأخرى، فهو اختار يا راشد للمريخي وفيها من النرجسية الساذجة ما يحسب على شخص راشد حتى لو تكررت ككلاكيت في القنوات الفضائية,, وكذلك سرى الليل لعبدالعزيز المتعب التي حولها الشاعر متعمداً من قصيدة الى - حديث مبسط لعيون الاغنية - مع احترامي لشاعريته وحضوره ولأنني لا ابخس المريخي او المتعب شاعريتهما فإنني ادعو راشد الى تكرار التعاون معهما ولكن بنصوص تعلو الى حجم انتظارنا لجديد راشد.
خصوصاً ان اكثر الجمهور في استفتاءاتهم هنا وهناك يعلقون الآمال الكبيرة على راشد لان فنه لكل الاذواق فقط شيء من التركيز ليتجاوز اشكالية المفارقات في الآراء حول فنه .
سعد البداح
الرياض