* موسكو - جون بويل - أ ف ب
يطبق الروس الذين انتقدوا بشدة تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفا، على مايبدو، الأسلوب نفسه ضد إسلاميي الشيشان، حتى في طريقة تقديم عملياتهم إلى الصحافيين.
إلا أن الخبراء لا يثقون كثيرا بفعالية مثل هذا التكتيك، نظراً لأن أهداف الحرب والظروف السياسية لا تشبه في شيء أهداف وظروف التدخل الأطلسي في كوسوفا.
وكما في كوسوفا، تستهدف الضربات الجوية الروسية البنى التحتية الأساسية في المنطقة: مراكز الاتصالات والمطارات والطرق الرئيسية والجسور والمنشآت النفطية والمصافي.
لكن الهدف في كوسوفا كان اجبار الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش على وقف القمع ضد الانفصاليين, أما في الشيشان فيسعى الطيران الروسي إلى تدمير قواعد الثوار الإسلاميين وقطع طرق ووسائل امدادهم واتصالاتهم وخصوصا تدمير محطات البث اللاسلكي والهاتفي.
ويرى المحللون أن الهدف الاستراتيجي هو جعل المتمردين عاجزين عن شن هجوم بري جديد ضد روسيا مثلما فعلوا مرتين في آب/ أغسطس وأيلول / سبتمبر في جمهورية داغستان، قبل شن هجوم بري محتمل ضدهم.
وتشكل الضربات الجوية التي تجنب القوات الروسية أي خسائر بشرية وسيلة للمحافظة على دعم الرأي العام، الذي لايزال يعاني من صدمة الهزيمة الدامية في حرب الشيشان (من 1994 إلى 1996).
وقد أعلن قائد سلاح الطيران الروسي الجنرال أناتولي كورنوكوف في نهاية الأسبوع الفائت أنه تم تدمير 30 جسرا و250 كلم من الطرق في 1700 غارة جوية بين الثالث من آب/أغسطس والرابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر.
وبدا مؤتمره الصحافي الذي بثه التلفزيون أشبه بالمؤتمرات الصحافية اليومية التي كان المتحدث باسم حلف شمال الأطلسي جايمي شي يعقدها خلال حرب كوسوفا.
وعرض الجنرال كورنوكوف صورا جوية تظهر أهدافا دمرتها القاذفات من طراز سوخوي-25 وأفلاما التقطتها كاميرات الطائرات.
وأكد المحلل السياسي ايفان سافرانتشكو من مركز دراسات بي اي ار في موسكو لصحيفة فريميا أن روسيا انتقدت بشدة الحلف الأطلسي على ماقام به في كوسوفا، لكن هذا لم يمنعها من القيام بالشيء نفسه في الشيشان .
وقال زميله فلاديمير بارانوفسكي من معهد العلوم في موسكو أن المنطق العسكري في الشيشان يقوم على تقليل الخسائر، تماماً مثل كوسوفا .
والهدف السياسي للعملية الجوية هو أيضا اثارة خلاف بين القادة الشيشانيين وتأليب السكان على الإسلاميين على أمل ايصال سلطة موالية لموسكو إلى غروزني في النهاية.
ويرى المحلل بارانوفسكي أن اللعبة خطرة، نظراً لأن روسيا لا تمتلك من طائرات وأنظمة تسلح متطورة مثل الحلف الأطلسي، ولا يمكنها بالتالي أن تضرب بدقة أهدافا محددة مسبقا.
كما يخشى أن تؤدي الخسائر المدنية في صفوف السكان، التي بلغت المئات حتى الآن حسب غروزني، إلى توحيد الشيشانيين مرة أخرى ضد روسيا.
وتعد مدينة موزدوك الواقعة في شمال أوسيتيا (القوقاز الروسي) القاعدة الرئيسية للقوات الروسية التي تتأهب على مايبدو لشن هجوم على الشيشان وتتلقى بشكل متواصل تعزيزات من القوات والعتاد.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، أكد مسؤول عسكري رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه أنه حتى هذه اللحظة فاننا نعتزم التدخل في الشيشان في العاشر من تشرين أول/ اكتوبر المقبل، غير أن هذا التاريخ قابل للتغير وفقاً لتطورات الأوضاع ، دون أن يحدد موعداً لهذا التدخل.
ونقلا عن مصادر عسكرية ومحلية وشهود عيان، فإن نحو عشر قوافل عسكرية تقل الجنود والعتاد، تتوافد يوميا إلى قاعدة موزدوك التي تقع على بعد 20 كلم من الحدود الشمالية.
ويتواجد الآن بالفعل في هذه القاعدة الجزء الأكبر من الجيش الروسي الثامن والخمسين الذي شارك في المعارك ضد الثوار الإسلاميين في جمهورية داغستان المجاورة للشيشان، في شهري آب/ أغسطس الماضي وايلول/ سبتمبر الجاري.
وكانت موزدوك ومطارها العسكري يشكلان القاعدة الرئيسية للروس خلال الحرب في الشيشان التي جرت بين كانون الثاني/ ديسمبر 1994 وآب/أغسطس 1996م، وانتهت بهزيمة نكراء للروس وأدت عمليا إلى استقلال غروزني.
وتتزايد الدلائل على الاعداد لهجوم بري روسي ضد الشيشان، إذ تتمركز أعداد كبيرة من الدبابات ومن قطع المدفعية في منطقة موزدوك، على مقربة مباشرة من الحدود الشيشانية بالاضافة إلى وحدات متخصصة في العمليات الهجومية, كما أن القوات الروسية شرعت في اقامة مستشفى عسكري كبير في نفس المنطقة.
في المقابل، لايوجد أي دليل ملموس في المنطقة نفسها يؤكد أن موسكو تستعد لعزل الشيشان، فلم تشاهد على طول الحدود أي خنادق أو أسلاك شائكة.
وأكد قائد وحدة في وزارة الداخلية الروسية اننا بحاجة للكثير من الجنود، سواء هؤلاء الذين مضى على تجنيدهم ستة أشهر أو حتى اولئك الذين لم يمض على ادائهم للخدمة العسكرية أكثر من ثلاثة اشهر غير أنه شدد على أن العسكريين الذين لا يتمتعون بالخبرة الضرورية لن يرسلوا إلى الجبهة.
وكانت عائلات الشباب الروس الذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية نظموا تظاهرات احتجاج عديدة على ارسال ابنائهم الذين يفتقرون للخبرة إلى الصفوف الأمامية في داغستان لمقاتلة الإسلاميين.
وعلى اثر هذه الاحتجاجات، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن الجنود الذين لم يمض على الأقل ستة أشهر على تجنيدهم، لن يتم ارسالهم إلى خطوط القتال.
وبدأت روسيا قصف الشيشان منذ الخامس من ايلول/ سبتمبر الجاري وامتد هذا القصف ليشمل العاصمة غروزني بدءاً من يوم الخميس الماضي.
وتتهم موسكو غروزني بايواء إسلاميين على أراضيها قاموا بحركتي تمرد مسلح في داغستان, وتؤكد موسكو أن هؤلاء الإسلاميين يقفون وراء سلسلة الاعتداءات التي شهدتها روسيا منذ 31 آب/ أغسطس الماضي مما أسفر عن مقتل 293 شخصاً.
|