Wednesday 29th September, 1999 G No. 9862جريدة الجزيرة الاربعاء 19 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9862


المستودع الخيري ببريدة

ساعة من نهار أدركت فيها اننا لا نهدر الماء وحده ولا الكهرباء وحده ولا المال وحده، وإنما نهدر الوقت وهو الأثمن والأرخص في آن, لقد سمعت كثيراً عن مشاريع انسانية نهض بها مواطنون، وفروا لها الجهد والوقت والمال، وكانت من الرهانات التي قد لا يحالفها الحظ، ووقف الناس ينظرون جميعا كيف تؤول النتائج فإذا تلك الرهانات تثبت انتصارها، وإذا هذه المشاريع الخيرية تمسح دمعة يتيم وتأسو جرح مكلوم، وتملأ بطن جائع وتكسو جسم عريان، وتفك اسر مدين، وإذا التكافل الاجتماعي يبدو كأحسن ما يكون التكافل في زمن الماديات والمصالح والتكاثر، وإذا الناس كآل داود يعملون شكراً ولا يقولون وحسب، كانت كل هذه التداعيات حين زرت (المستودع الخيري) بدعوة من اخي الاستاذ الدكتور صالح بن محمد الونيان الذي نذر نفسه وجهده ووقته لفعل الخير اضافة إلى عمله بوصفه استاذاً جامعياً وخطيب (جامع الونيان) الذي يكتظ بالمصلين لما يتمتع به فضيلته من فصاحة لسان وعمق ثقافة وحسن انتقاء للموضوعات المهمة وجمال عرض ومراعاة للاحوال، وتلك خصال قلّ ان تتوفر عند بعض خطبائنا وإن كان فيهم خيرٌ كثير وفقهم الله إلى المزيد من الخير.
وزيارة المستودع تثلج الصدر وتبعث على الاطمئنان لأن المسلم يشعر اننا مازلنا بخير وان شبابنا الذين ننال منهم يمتلئون حماسا للفعل الانساني، لقد رأيت كوكبة من الشباب يحتلون مواقع مهمة ويديرون عملهم وفق احدث الاجهزة وأدق المعلومات يؤدون مهمات انسانية وينشؤون مجالات ليست معروفة من قبل، الجميل في المستودع الخيري انه ينهض بمهمات لا يتوقع أحد أهميتها.
يأخذ فائض المواد الآيلة للتلف والتعفن قبل فسادها، يأخذها من البيوت والمتاجر وقصور الافراح، ويستقبل اسمال الثياب التي استغنى عنها اصحابها وفيها بقية للاستعمال عند من دونهم، وينتقي رجيع الاواني وبقية الاشياء، ثم يصونها ويقدمها إلى المحتاجين, يستغني احدنا لأي سبب عن ثلاجة او غسالة او جهاز كهربائي او حقيبة او ثوب او نعل او ما شئت من المستعملات، فبدل ان يلقيه في الشارع يحمله إلى المستودع الخيري ليرى المستقبل الحفي وعامل الصيانة ورفاء الثياب وغسال الملابس ومهندسي الاجهزة ومصهرة الشحوم، ومستودع الاطعمة ومصنع التمور وثلاجة اللحوم ومغسلة الأموات ومجلد المصاحف, خلية نحل ترى فيها وجه المواطن السعودي بكل ما يتمتع به من انسانية وعطاء وحمالة، إنها مفخرة ان تكون المملكة في الطليعة، في الاغاثة والاعانات والمواساة, جسور جوية لآفاق العالم الاسلامي المنكوب وجمعيات خيرية وهيئات للاغاثة منتشرة في انحاء المملكة ومؤسسات انشأتها بلادنا تطوعا من الامراء أو رسميا من الدولة او احسانا من المواطنين، وكلها تعج بالعمل الخيري الذي نرجو ان يدرأ الله به عن البلاد والعباد ما حل بالامم الاخرى من نكبات وزلازل وحروب وجفاف وثورات همجية وقتل مجاني.
إننا بحاجة ماسة إلى ان نواصل العمل الخيري رجاء ان يجعلنا الله دائما مناط حاجات المسلمين وأملهم بعد الله, إنني أسعد وأطمئن كلما نشر في الصحف أو اذيع في التلفاز ما تقوم به المملكة من اسهامات انسانية وما يقوم به المواطنون من تبرعات سخية، والعمل الخيري مهمة كل انسان وكل سلامى من الناس عليه صدقة ويجب ان نعوِّد أنفسنا على فعل الخير وان قل والكلمة الطيبة صدقة، وان نتقي النار ولو بشق تمرة، نقدم ما نقدر عليه، الكاتب يكتب كما علمه الله والخطيب يخطب كما انطقه الله والوجيه يوظف وجاهته لخدمة المعوزين وأن تلق اخاك بوجه طلق، المهم ان تكون حاضر الاهتمام بالعمل الانساني وبلادنا بحاجة إلى فعل الخير داخليا وخارجيا، فهي قبلة المسلمين ومصدر الاشعاع، وابناؤها يجب ان يكونوا سباقين إلى العمل الانساني وان يكونوا قدوة صالحة لغيرهم والاعمال الخيرية والجمعيات الخيرية وجماعات تحفيظ القرآن والمؤسسات المتعددة مؤشر على ان بلادنا ماتزال بخير وان اهلها ما يزالون بخير.
لقد رأيت ما أثلج صدري واطمأنت إليه نفسي، رأيت المقر الجديد الذي تبرع بأرضه محسن لم يشأ الاعلان عن اسمه وتبرع بانشائه محسن آخر بتكلفة تزيد علىالمليوني ريال قيمة ارض وبناء وعلى مساحة تقدر بعشرة آلاف متر, هذا التبرع السخي لا يعرف عنه إلا القلة من الناس، وكان يجب ان نبدي الصدقة او نخفيها, نبديها للاسوة ونخفيها لعظمة الاجر ليعرف الناس ان بلادنا واثرياء بلادنا ورجال دولتنا في مستوى مسؤوليتهم وعلى قدر رسالتهم, رأيت (الورشة الكهربائية) و(مصهرة الشحوم) و(مصنع التمور) و(ثلاجات اللحوم) و(مستودعات الاطعمة) و(الاثاث المستعمل) و(مصنع التجليد) و(المغسلة) و(المحرقة),, تعدد وتنوع ودقة, الشيء الملفت للنظر ان هناك مصنعا لتلقي المصاحف المستعملة لترتيب الورق وتعويض المفقود واعادة تجليدها وتنظيمها وشحنها الى المسلمين في انحاء العالم، وما على المواطن او إمام المسجد إلا ان يجمع المصاحف الممزقة ويقدمها لعاملين فنيين في المستودع لتكون يوما من الايام في حوزة مسلم في افريقيا يحافظ عليها ويرثها من بعده ابناؤه يقرؤون القرآن وللمتبرع الذي لم يخسر شيئا أكثر من حمل المصاحف الى المستودع اجر ولو بعد حين وتلك من الصدقات الجارية, إنها مبادرات إسلامية وإنسانية ما كنت اتوقع ان تكون بمثل هذا المستوى.
لا أكتب للدعاية ولا لطلب المزيد من التبرعات فقط، وإنما ادعو الشباب ومحبي الخير إلى ان ينشئوا في مدننا وقرانا مستودعات ولو صغيرة ليستقبلوا فيها فائض الاطعمة ومستعمل الملابس والاواني والاجهزة ويقدموها إلى المحتاجين, فما اكثر الاغنياء وما اكثر الفقراء، وما اجمل الاحسان والتكافل، ومن الممكن الاستفادة من خبرة الاخوان في المستودع الخيري ببريدة، والشكر لأولئك الذين اشتغلوا ونحن نائمون واجتهدوا ونحن مهملون واحسنوا ونحن مترددون, والأجر إن شاء الله لمن ذكر وشكر ونشر وفضل الله واسع، والنية الحسنة تبارك صغار الصدقات حتى تكون كالجبال ولكن اين المقرضون لله؟ ومن أوفى من الله.
د, حسن بن فهد الهويمل

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved