Wednesday 29th September, 1999 G No. 9862جريدة الجزيرة الاربعاء 19 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9862


وهمٌ في غياب الذاكرة!
إبراهيم عبدالرحمن التركي

(1)
** غابَ وجهُ القمرِ
عن أَنين السّهرِ
** قال:
من غادر في العتمة
عافَ الضوء
ملَّ طعمَ السفرِ,,؟
** لم يجد مَن يستطيعُ العزفَ
في وقت انطفاءِ القمرِ,.
** ليس من عاشَ كمن مات
ومن مات كمن عايش
لون الأثرِ
** لاتُجب إن لم تُسل
لا تسل إلا إذا
عزَّ أدراءُ الخطرِ,.
فاروِ ذِكر البشرِ
في غروبِ الوترِ
* * *
(2)
** الذاكرة مسافة تربط الموقف الشعوري بالموقف الحركي ، فتتم الصورة شكلاً، والحكم إحساساً، والسلوك نتيجة,,,!
** والذاكرة الواعية فقط هي التي تستطيع ترجمة ذلك في واقع الحياة العملية ممارسةً إدراكيةً تقول ما تعي، وتعي ما تفعل، وتفعل مايمليه عليها تراكم معلوماتي /، ووعيٌ/ شعوري/، وإيمان/ مبدئي.
** أما الذاكرة الأخرى فهي انتقائية تحتفظ بما تود، وتنسى ما تكره، وتجامل حين تتطلب المصلحة ، أو يدفع الهوى ، أو يؤثر الخوف والمجاملة والجهل ، وربما التجهيل ,,!
* * *
(3)
** من مزايا الشخصيات العامة أنها تخضع - شاءت ام لم تشأ - لرؤى فاحصة متجددة وفي الوقت نفسه متغيّرة ,,!
** ومن مزاياها اختلاف الناس حولها فمادح وقادح ، ،باحث عن المذام ، ومسرف في تعداد المناقب ,,!
** ومن مزاياها أنها تظل في ذاكرة التاريخ شفهيّة ومكتوبة ، فلا تحجب بغياب أو انتهاء,,! ونحن لانزال نعايشُ هذه الشخصيات من لدن آدم - عليه السلام - وسيعايشها من يخلفنا حتى قيام الساعة ,,!
** وبين يدي هذه الأربعاوية شيء من محاولة اختراق الحصار الرثائي الذي نكبَّل به هذه الشخصيات حين لانخلص لوجه الحقيقة!
* * *
(4)
** الموت لاينفي المحاكمة !
** والحكم لايسقط بالتقادم ,,!
** وهنا يفترق منطق البشر العاطفي عن لغة التاريخ العقلية ,,!
** كلنا نتأثر لفقدان رمزٍ أو قريب ، أو حبيب , وربما آثرنا فداءهم على الإحساس بفقدهم,, غير ان ذلك لايؤثر في معادلة المداولة ، ثم القرار ,,!
* * *
(5)
** الذاكرة العربية مثقوبة دون جدل,,!
**تعي ما أمامها بمسافة قريبة لحظة ضئيلة، ثم ننسى ماوراءها، وماهو عن يمينها وعن شمالها ,,!
* مامضى فات ,,!
** لابأس في مثل هذا المنطق عند المؤمنين بالقطيعة الأبستمثولوجية ، وهم - إن ملأوا البر - لم يتجاوزوا صوتية عمرو بن كلثوم,,,!
* والمؤمل غيبٌ
** حقيقة لامراء فيها، وان احتاجت إلى التفكير فيها، والسعي من أجلها,,,!
* ثم تأتي ثالثة الأثافي ,.
* ولك الساعة التي انت فيها
** وهنا تكتمل دائرة الإغلاق والإنغلاق
** وهو الشعار - اليعربيّ - منذ الأزل ، فهكذا كنا وهكذا لم نزل,,!
** ومن يعتقد أننا نبالغ في نقد الذات فربما فاته أننا - بخلاف ذلك - نبالغ في تدليلها ,,!
** وهنا تبتدىء الحكاية !
* * *
(6)
** لايحتاج الواحد فينا للعودة الى التاريخ القديم ليدرك كم يتوارى الحسُّ خجلاً من مواقف لم تستطع الثبات امام تبدلات الزمن,,!
** لنقف عند المشاهد في الحقبة القريبة حين انهزمت الأمة في داخلها كما خارجها ، وخسرت رهانات التفوق الحضاري، والتقني، والعسكري، وسعت لتعويض ذلك برفض الواقع تطلعاً لمستقبل مختلف فما حازت هذا، ولاتجاوزت ذاك,,!
** شاء العرب ان يرموا اسرائيل في البحر عام 1948م ثم تنازلوا ليكتفوا باللاءات الثلاث في مؤتمر الخرطوم عام 1967م، ثم قبلوا بمعاهدة روجرز عقب ذلك مباشرة، وتحولت حرب اكتوبر 1973م الى هزيمة سياسية بعد الانتصار العسكري، ونسوا كل شيء لتبدأ سلسلة السلام ثم الاستسلام ,,!
** مراحل متعاقبة بصورة سريعة انتقلنا فيها من الضِّد الى الضد، ومن يقرأ الخطاب السياسي لن يعوزه فك رموزه المتناقضة !
** وإذن فنحن دون ذاكرة ، نثور اليوم، ونهدأ غداً، ونشتعل بعد غد لننطفىء فيما يليه، وهكذا ، فما كان يقيناً تحول الى شك ، ومارأيناه ثابتاً اضحى متغيراً ومانحسبه مبدءاً اصبح سلعة .
لا لون يميزنا، ولا شعار يجمعنا ولا حرب أو سلام نستطيع الجزم بتعايشنا فيها او معه، وهكذا نتبدل لنبدو دون هوية,,!
* * *
(7)
** تلك هي المقدمة ومن قصد البحر استقل السواقي فلندع مايخص الشأن العام الى مايهم المثقف الذي فقد ذاكرته دون ان يكسب ذكره ,,!
** ولدينا نموذج بل نماذج حاضرة تثبت هذه الرؤية ، وادناها الى دنيانا مايحدث عند وفاة رمز ثقافي، حيث يصبح - بقدرة النسيان او التناسي - الأعظم والأقوم والأفهم,,!!
** لنأخذ البيّاتي مثلاً فقد رحل لترحل معه كل مشاهد الجمال والجلال ، ولتذرف الصفحات الثقافية دموعاً مدرارة لم يعهدها الرجل في حياته وقد عانى الغربة وقاسى من المنفى ,,!
** نحن بلا ذاكرة لأننا مسحنا كل شيء واثبتنا أي شيء فتحولت بكائياتنا إلى وهم تمثله سحابة صيف !
** ولأن البياتي إنسانٌ عام فلا بأس إن حاولنا تنشيط الذاكرة التائهة بما فرّ عن دائرتها,,!
** والحديث لكي يطمئن القلقون لن ينال إبداعه أو فكره أو توجهاته فتلك مسألة قابلة للأخذ والرد، ولكنه سيطال موقفه من المثقفين المجايلين له حين لم يُبق منهم أحداً لم يتناوله بتقليل وانتقاص ,.
** أثار البياتي - غفر الله له - الغبار في وجه كل المبدعين العرب ومنهم الجواهري ونازك الملائكة ، ونزار قباني وعمر ابوريشة وصلاح عبدالصبور وغيرهم، وفي مفرداته ما قاله بنفسه عنهم:
** فالجواهريّ بدأت لغته تذبل وتنفكك كما تتفسخ الجثة!
** ونازك الملائكة : ماتت بعد ديوانها الأول وهي حاقدة وفاشلة,.
** وعمر أبو ريشة يشبه شاعراً مات في شبابه ولكنه ظل حياً,,,
** ونزار ابن مدلل لضابط تركي في العهد العثماني تعلم ودرس وعاش في بلادنا، أو ابن شيخ قبيلة درس في أوروبا وعاد ليكتب شعراً، وغزله سطحي وتافه وسقيم، وقصائده كاذبة من مخلفات الترف البرجوازي الذي آن لنا ان نكنسه,.
** وطموح صلاح عبد الصبور في الشعر أقل من طموحه الاجتماعي وهو من أنجح الموظفين في استغلال علاقاته الاجتماعية,.
رجاء النقاش/ مجلة الوطن العربي/ العدد 1175
** وغير هذا فقد كان هو المتحدث في اي مجتمع ثقافي خاص ويظل غيره منصتاً يهز رأسه بالموافقة، وكان هجومه - كما يرى يوسف القعيد - ضارياً ولايترك أحداً دون حكايات يشيب لها شعر الرأس حول جميع المثقفين العرب، وتحول في أخريات عمره الى انسان جارح ليس مع الطغاة والبغاة وانما مع زملاء دربه ورفاق رحلته، ولم ينج أحد من لسانه,,,!
الرأي العام/ 11769
8
** هذا عرضٌ سريع لجانب واحد لم يتوقف عنده معظم من أبّنوا الشاعر الراحل - عفا الله عنه -، لنقرأ فقط التمجيد والتفخيم والمبالغة في الحديث عن إنسانٍ مختلف متجاوز,,!
** والمشكلة - ان شئتم - ثقوب في ذاكرة انتقائية تفهم ذكر محاسن الموتى بغير مايراد لها، فالشخصية العامة تبقى كذلك في حياتها وبعد مماتها، إذ نسأل لهم الرحمة في الوقت الذي نحاكمهم فيه على نتاجهم وعطائهم,,,!
** وإذا كان هذا هو الأمر مع نقطة واحدة فما قولكم لو تخطيناها إلى نقاط أكثر إثارة للجدل,, فما الذي يعنيه الصمت او الصوت إذ يزيغ به باحث عن الحقيقة!
* * *
(9)
** الذاكرة المتداعية مشكلة عربية حقيقية، وما يقال عن البياتي يقال مثله عن سواه من الرموز الثقافية والاجتماعية والسياسية الذين طرحوا أنفسهم في الواجهة وكان لنا منهم موقف مؤيد او معارض ، ثم تجاهلنا كل شيء وأضفينا عليهم ما ليس لهم حين تفيض العاطفة ، ساعة حلول الأجل,,!
** التاريخ لايتوقف بالمجاملة - ولا يقبل الزيف ولا يرضى بأنصاف الحقائق ، ولايجوز لنا - حين نتحدث عن راحل أو مقيم - أن نهضمه ما له او نخلع عليه ما ليس له، أما ان يتحول جميع شعرائنا متنبين ، وجميع ناثرينا جاحظين ، وجميع كبارنا عمريين ، فأمر يحتاج إلى تأمل,,,!
* * *
(10)
** جاء البيّاتي - في هذه الأربعاوية - استشهادا عابراً لحداثة العهد برحيله، دون ان ينقص ذلك من صموده أمام محنة المنافي ، وتألقه في تحليقه رغم بلقع الفيافي حين عزّ الشعراء بامتهان الشعر !.
** غيره كثيرون ممن صُنِّموا في حياتهم وبعد وفاتهم ولم يكونوا يحملون طهر الأصنام - كما صرخ أبوريشة ذات غضب,,,!
** والحكاية لاتحتاج الى مزيد من النماذج، فلعلنا نربع قليلاً في إفاضاتنا الحميمة، إذ التظاهرة الاحتفالية الجنائزية لا تدفعُ عدالة الحساب والجزاء ,,!
** بإمكانكم ان تضيفوا ما لديكم من نماذج، وبإمكان صاحبكم ان ينهي حديثه ويستغفر الله له ولكم ولهم,,!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved