بحث الشباب اليوم عن الوظيفة ظاهرة لا تحتاج إلى أدلة ومع ذلك فقد تخفى هذه الظاهرة على كثير من الناس، أما الذين يعرفونها حق المعرفة فهم المسؤولون عن قنوات التوظيف، أو المسؤولون عن دراسات توصل إلى الوظيفة، فالذين يقفون على تلك القنوات يحسون بمرارة لا يحس بها غيرهم من الموظفين، فهم يشاهدون أعدادا كبيرة من الشباب السعودي يبحث عن الوظيفة ولا يجدها، والمسؤول ليس بيده حيلة فيتألم لمعاناة أولئك الشباب.
لقد اعتاد شبابنا على البحث عن الوظيفة في المصالح الحكومية فهي المفضلة في نظرهم، وقد اشتغل فيها والد الشاب أو أخوه أو قريبه، ومن هنا يرى أن له حقا في البحث عن الوظيفة في تلك المصالح، وإن العادة والإلف يفرضان أمرا واقعا في نظر طالب الوظيفة، فالشاب السعودي يرى أن له حقا مفروضا في العمل في الحكومة، فتلك الوظيفة وإن قل دخلها لها من المكانة في نظره الدرجة السامية والمكانة العالية، فهو يطلبها في دأب لا يعرف الملل، وجد لا يعرف التخاذل، فإذا حصل عليها بعد ذلك الجهد، واعتلى الكرسي، هانت في نظره، وتحولت النظرة إليها إلى درجة دونية، وانتابه الكسل تجاه وظيفته من تأخر أو خروج أثناء ساعات العمل، أو انشغال بالتنقل بين المكاتب، وامضاء الساعات في الحديث عن الكرة، أو ما يماثلها من الحديث عن السيارات أو أمور المجتمع المتنوعة, وإذا كان العدد الأكبر من الشباب يطلب الوظيفة الحكومية فإن وظائف الشركات تأتي في الدرجة الثانية، لأن الشركات مجال عمل للوافدين، والذين يشرفون على التوظيف في تلك الشركات هم الوافدون، سواء برز أولئك في المقدمة أو تواروا في الصفوف الخفية، والشباب السعودي يعرف هذا الأمر، ومع ذلك فهو يكرر محاولاته لعله يجد مكانا له بين الوافدين، فمن الشباب من يوفق ويجد الوظيفة التي يطلبها في الشركة الفلانية، وفئة منه تتقاذفها الأمواج فلا تحصل على مطلبها وهو العمل في الشركة, إن إغراء الوظيفة أمل لا يقاوم، فالشاب يرى أن زميله قد اشتغل في الحكومة، وزميله الأخر قد اشتغل في الشركة فذهنه منصب على ما يعمل فيه زملاؤه (فإن القرين بالمقارن يقتدي) فنحن لا نلوم الشباب على الاقتداء ببعضهم، ولكننا نلوم أنفسنا في عدم تهيئة الشباب للعمل لا الوظيفة, إن فرص العمل في المملكة العربية السعودية كثيرة ومتعددة، ومجالات طلب الرزق متوافرة، وأضرب أمثلة على ذلك بأن جل العاملين في الشركات من الوافدين، وجل العاملين في المدارس الأهلية من غير السعوديين، والوافدون اليوم يشتغلون في التجارة، والنقل والزراعة ومحطات الوقود، والصيدليات والخياطة وصناعة الأثاث وغيرها فهذه المجالات جديرة بالعمل فيها من قبل السعوديين, إن المتسربين من مراحل التعليم المختلفة من ابتدائية ومتوسطة وثانوية لا يحملون المؤهلات التي تؤهلهم للمزاحمة في الوظائف الحكومية أو وظائف الشركات، وهم كثيرون بدليل أن نسبة طلبة التعليم الجامعي إلى التعليم العام قد لا تصل إلى واحد من ستة ، ومعنى ذلك أن المتسربين والذين لا تقبلهم الجامعات والمعاهد يجب أن يؤهلوا للأعمال المختلفة بالإضافة إلى التوعية الإعلامية بأن المطلوب للشباب هو العمل لا الوظيفة، فإذا استمرت التوعية في وسائل الإعلام المختلفة تكونت القناعات لدى الشباب واستقرت في أذهانهم، وبدءوا يقبلون على أعمال الكهرباء والسباكة والنجارة في البناء والأبواب والأعمال التجارية الصغيرة ومحلات الخياطة وصناعة الأثاث اليدوية والعمل في تجارة الفاكهة والتمور والخضروات.
إن العمل مطلب للشاب أما الوظيفة فهي ترف مع قلة دخلها فهل يعي شبابنا أمر الوظيفة ومعها السكون، وأمر العمل ومعه النشاط والتطور.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل