عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الجاحظ: لولا الكتب المدونة، والاخبار المفننة لبطل اكثر العلم، ولغلب سلطان النسيان سلطان الفهم .
الكتابة هي التي ساهمت في تطور المعرفة والعلم حتى وصلت الانسانية الى عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا الاعلامية من انتشار القنوات الفضائية والبث الرقمي,, والانترنت، وفي ظل التطورات التقنية الاعلامية بدأ البعض يقدم التعازي على قتل الثقافة المقروءة وتهميش دور الكاتب الا ان الثقافة المقروءة من صحف ومجلات وكتب مازالت اكثر الوسائل الاعلامية انتشاراً وذلك لرخص ثمنها، وسهولة حملها ونقلها وعدم الحاجة الى التقيد بمواعيد محددة كالتلفزيون ولا تحتاج لجهاز لتشغيلها كما نحتاج الى جهاز لتشغيل اشرطة المسجل او اقراص الكمبيوتر, ومازال قول المتنبي صائباً مردداً على لسان الكثير:
أعزّ مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
فالكتاب كما يقول الجاحظ: وعاء ملء علماً، وظرف حشي ظرفاً، واناء شحن مزاحاً وجداً,, , اما من يهمش دور الكاتب والكتابة فليعلم ان كل اساليب الدعاية وفنون الاعلام والاعلان ووسائلها واجهزتها تعتمد على الكلمة قبل كل شيء.
ان ما ينشر سنوياً في العالم على الورق من صحف ومجلات وكتب يكفي ليغلف سطح الكرة الارضية سبع مرات كاملة, وينشر حالياً مليون كتاب جديد في العالم سنوياً، وانتاج الوطن العربي كاملاً من الكتب يشكل اقل من 1% من الانتاج العالمي، بالرغم من ان عدد سكان الوطن العربي يشكل 7% من سكان العالم, واللغات التي يتم التأليف بها من حيث اكبر نسبة بالترتيب هي اللغة الانجليزية بنسبة 60% ثم تأتي بعدها اللغة الفرنسية، فاللغة الالمانية، فاللغة الاسبانية، فاللغة الروسية وهذه اللغات الخمس ينشر بها اكثر من 95% من الكتب في العالم, ويبقى اكثر من 4000 لغة في العالم، ومن بينها اللغة العربية، وتنشر مجتمعة 5% مما يصدر في العالم من الكتب.
لقد بات على الامة العربية ان تعي القيمة الحقيقية لان تشحذ طاقاتها لصنع ادباء ومؤلفين ومبدعين، فنحن في عصر لا مكان فيه لمن لا يملك كلمة، وللكلمة فتك اشد من فتك الجيوش، يقول الشاعر:
اذا افتخر الابطال يوما بسيفهم وعدوه مما يكسب المجد والكرم كفى قلم الكتّاب فخراً ورفعة مدى الدهر ان الله اقسم بالقلم |
يقوم الكاتب بدور رئيسي في صنع ثقافة الامة وارساء اسس معرفتها، وآثار هذا الدور الخطير تنعكس في النهاية على حضارة الشعب وعلومه وآدابه وقيمه، فالكتابة في الصحافة مثلا تعكس الوجه الحضاري للمجتمع وتسهم في ازدهاره، واذا اخذت صحيفة ما ونظرت الى ما بداخلها وجدت انها تعكس اهتمام المجتمع بقطاعاته المختلفة العامة منها والخاصة، مثل الادارة، والرياضة، والاقتصاد، والسياسة، والاسرة، والتعليم واصبحت العناية بالصحف والدوريات الادبية والثقافية والاجتماعية والتأليف والنشر لا تقل اهمية من العناية بالعمليات التربوية، وتستطيع وزارة الاعلام ان تسهم بدرجة اكبر في طباعة ونشر الكتب الجديدة على نفقتها ومنح مؤلفيها مكافآت تشجيعية مناسبة,وفي وطننا السعودي مواهب ادبية ناشئة تحاول تثبيت اسمائها بين فرسان الكلمة، مواهب كتابية تتلمس طريقها كي تدلف الى عالم الادب والتأليف وتسعى جاهدة الى تبوء مكانة لامعة في دنيا الصحافة والنشر,, ولكنها ربما تجد الطريق امامها محفوفة بالمصاعب مليئة بالعقبات ودعوتي فتح المجال امام الكتّاب الناشئين الذين آلوا على انفسهم ان ينذروا نبضات قلوبهم لفن الكتابة، وان تتاح لكل المواهب والامكانات الكتابية المغمورة فرصة الظهور واثبات الذات والنمو,
ان على من يملك الموهبة الادبية ويرغب ان يكون كاتباً ناجحاً ان يقيم صداقة ابدية مع القلم فلا يفارق انامله او جيبه، وبالعزيمة والارادة والثقة بالنفس والطموح والكتابة المتواصلة والجهد الدؤوب سيحقق النجاح، البعض يستخدم مذكرات يدونون فيها ما يدور بخلدهم من افكار وما يمر بهم من احداث يومية ووجهات نظرهم في الحياة، انهم يقومون بذلك بقياس نموهم في الابداع وفي بعد النظر، وفي القدرة على الاستبصار,ولتحقيق الطموح والدافعية للكتابة يجب القراءة للكبار من الكتاب والمؤلفين، واخذ الفائدة من كتبهم والعبرة من سيرتهم، فالكاتب لا يولد كاتباً، وسأقدم لك عينة من نوابغ لنا دروس كبيرة في سيرتهم، من هؤلاء فارس القلم والكتابة الذي اخذ يجول بقلمه في ميادين الادب والمعرفة، وكيف اوصله القلم الى ان اصبح من ابرز المفكرين في هذا العصر حتى لقب ب اديب الفلاسفة وفيلسوف الادب انه الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، فقد ولد في الثامن والعشرين من يونيو عام 1889م جاء الى القاهرة وهو في الخامسة عشرة لا يحمل من الشهادات غير الابتدائية وبدلاً من ان يبحث عن وظيفة او عمل او يكمل دراسته تفرغ للقراءة والكتابة بالصحف,, وانتهى الى اصدار 85 كتاباً في الادب والفن والعلم والمعارف الانسانية والاسلامية,, ومن الكتّاب الكبار الذين لمع اسمهم واصبح على كل لسان دايل كارنيجي مؤسس معهد العلاقات الانسانية في العالم,, والمؤلف الشهير,, ولد في بيت متواضع لأبوين قرويين فقيرين لايجدان غموساً لخبزهما اغلب الاوقات, وقديما في العصر العباسي، حيث لم تكن وسائل الكتابة متطورة كما في عصرنا ولم تكن الكتب متوفرة في كل مكان ولا القراءة متيسرة لكل من يريد الاطلاع، فلم تكن هناك مكتبات عامة كما في وطننا او مكتبات مدارس او جامعات ولم يكن القلم في ذلك العصر في البقالات يباع بنصف ريال,,! في ذلك العصر كتب الجاحظ الاديب والمؤرخ العربي المعروف ما يزيد على ثلاثمائة وستين مؤلفاً في شتى حقول المعرفة وستبقى كتبه باقية ما بقي الدهر.
فؤاد أحمد البراهيم
كلية التربية- جامعة الملك فيصل