عندما رفع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه راية التوحيد مهللا ومعلنا توحيد المملكة عام 1351ه وان الملك في ارض الجزيرة العربية لن يكون الا لله سبحانه وتعالى ثم لعبدالعزيز، لم يكن اكثر الناس تفاؤلا يظن بالقدرة على تحقيق الانجازات التنموية المتلاحقة التي حققتها المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى وقتنا الحاضر, وذلك ليس من قبيل التشاؤم ولكن كافة المعطيات التي صاحبت توحيد المملكة في بداياتها كانت توحي بذلك، فالجزيرة العربية في ذلك الوقت كانت تفتقد لكافة المقومات الاساسية التي تحتاجها عملية بناء التنمية اضافة الى ان اعلان توحيد المملكة قد جاء في اعقاب حربين عالميتين مما جعل مرحلة التوحيد تنطلق في اجواء عالمية غير آمنة ولا مستقرة وعلى الرغم من كافة تلك المعطيات الصعبة فقد استطاع موحد هذه الجزيرة ان يضع مختلف الاساسات اللازمة للشروع في تنمية حضارية سعودية.
اليوم الوطني في نظري هو مناسبة مواتية لان نحاسب انفسنا عن ماذا قدمنا لهذا الوطن خلال الفترة الماضية، وعما اذا كان بالامكان تقديم افضل مما تم تقديمه، واذا كانت المملكة قد قطعت شوطا طيبا في شتى المجالات، فانه لا يزال امامنا شوط طويل يتطلب منا تكثيف كافة الجهود المبذولة ولذا فإن كل مواطن مطالب بان يقف وقفة صادقة مع وطنه, وبالتالي فان المصارحة بين المواطن والمسئول مطلوبة في هذا الوقت بالذات اكثر من اي وقت مضى، خاصة وان المسئولين قد عودونا على عدم التردد في التجاوب مع كل ما يرد من المواطنين من ملاحظات ونصح طالما ان ذلك يصب في مصلحة هذا الوطن.
وبهذه المناسبة الغالية علينا جميعا، فانني اتوجه بالنداء لكافة المواطنين بتفعيل الاسهام في بناء الوطن وذلك من خلال سلك السبل الادخارية السليمة، حيث ان الانعكاسات الايجابية في ذلك لن تقتصر فقط على المواطن وانما تتعدى ذلك الى الاسهام في تفعيل حجم الادخار العام على مستوى الدولة ومن ثم الاسهام في تجاوز الموازنة السعودية مما تعانيه من عجز، ولذا فإن الادخار الشخصي للمواطن يلعب دورا هاما في رسم السياسات المالية العامة للدولة.
وبهذه المناسبة ايضا، احب ان اؤكد اننا اذا كنا خلال السنوات الماضية نحتفل بها من خلال اقامة المهرجانات الوطنية فانه من الاهمية الا يقتصر احتفالنا هذا العام على تلك المهرجانات، وانما يجب ان ينطلق احتفالنا بهذه المناسبة من خلال مضاعفة وتكريس الجهود خاصة واننا على مشارف القرن الجديد مما يعني بان ما يتم سنه ووضعه من سياسات اقتصادية يجب الا يقتصر على تحقيق المكاسب الوقتية وانما يجب ان تنطلق تلك السياسات لتحقيق المكاسب ذات المنظور الابعد.
واخيرا اعتقد بان مناسبة اليوم الوطني هي فرصة مواتية لنسأل انفسنا عن ماذا انجزنا خلال الفترة الماضية في سبيل بناء التنمية السعودية, فماذا تم حيال تطوير بعض الانظمة الاقتصادية كنظام الشركات ونظام العمل والعمال ونظام استثمار رأس المال الاجنبي، وماذا اعددنا لنجعل البيئة الاستثمارية في المملكة اكثر ملاءمة لجذب المزيد من الاموال الاجنبية، ماذا عملنا لكي نحد من الاضرار التي قد تلحق ببعض قطاعاتنا التنموية في حال الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وهل حققنا ولو النسب الدنيا في عملية احلال الايدي العاملة الوطنية بدلا من الاجنبية، وماذا بقي حيال الارتقاء بآليات اداء الشركات المساهمة التي انهكت بخسائرها شريحة كبيرة من المواطنين ناهيك عن الاثار السلبية المترتبة على ذلك لاقتصادنا الوطني، وماذا تم بخصوص تطوير المناهج التعليمية لتكون اكثر توافقا مع متطلبات واحتياجات سوق العمل، وماذا وماذا وماذا,, الخ استفسارات كثيرة تحتاج الى وقفة ومراجعة مع النفس من الجميع, اعود واكرر بان ما يتوجب وضعه في الاعتبار هو اهمية عدم توقف عجلة التنمية او تباطئها وان ما تم تحقيقه من انجازات تنموية في وقتنا الحاضر قد لا يكون ملائما للمراحل المستقبلية القادمة خاصة واننا على اعتاب الدخول في الالفية الثالثة مما يعني اهمية تفعيل الجهود من اجل دفع عجلة التنمية السعودية الى الامام، هذا اذا ما اردنا ان يكون لنا المكانة التي نتطلع ان نتبوأها مع دخول العالم قرنا جديدا, واخيرا لا نملك سوى الدعاء بالرحمة والغفران لجلالة المغفور له باذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، واشد على يد كل مواطن بان يتخذ من التجارب التي مر بها موحد هذه الجزيرة والتي استطاع من خلالها ان يؤسس بنيان هذه الدولة عبرة له وكما قال عبدالله بن معاوية رضي الله عنه:
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا |