Saturday 25th September, 1999 G No. 9858جريدة الجزيرة السبت 15 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9858


طليطلة وفضائح بني ذي النون
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

كل تاريخ ملوك الطوائف فضائح، ولكن بني ذي النون شرهم، وقد اسلفت الحديث عن هلاك المأمون بن ذي النون، فتولى بعده حفيده يحيى بن هشام بن المأمون,, واول التعاسة ان يتلقب بالقادر!,, وهو غر حدث بريء من الخبرة تربية غانيات وخصيان، ويُسيّره المماليك، وورث مملكة قسمها جده بين وزيرين من وزرائه، وكان الوزير الثاني الفقيه ابوبكر ابن الحديدي صاحب مسجد المردوم، وكان مسئولا عن الشئون المالية وأمور الرعية المدنية، وكان صاحب الرأي والمشورة، وكان ذا دهاء ونصح وكان الجد اخذ العهود والمواثيق على ابن الحديدي ان يكون على نصحه لخلفه يحيى، كما اوصى حفيده ان يكون ابن الحديدي محل ثقته.
قال ابو عبدالرحمن: وأبى الله ان يكون لهذا البيت البربري نفع للمسلمين، فركن الحفيد الحدث الى خاصة لم يحسن اصطفاءها، واقنعوه بأن ابن الحديدي شريكه في الحكم، فأخرج من السجن خصوما لجده من اعيان طليطلة سجنهم الجد، فاستظهر بهم الحفيد الغر على ابن الحديدي المخلص الذي وقعت محنته على ايديهم سنة 468ه (1076م)، فأضعف اعداء الجد سلطان الحفيد بشغبهم عليه حتى اخذ ابن هود مع أعوانه من النصارى مدينة شنتبرية من مملكة يحيى، واستقلت عنه ايضا بلنسية، وافتدى بمال كثير جداً مدينة قونقة التي اوشك على الاستيلاء عليها سانشو راميرز ملك اراجون!!
وسقط يحيى المخذول - إحياءً لسنة سلفه في الخيانة - في أحضان ألفونسو السادس ملك قشتالة، لينال عونه وحمايته!!,, ولكن ألفونسو كان أبصر بكيفية التعامل مع الحكام العبيد الذين فرقوا دولة المسلمين ووحدتهم، فطلب اكثر مما طلبه من عبد النصارى الجد,, لقد ضاعف طلب المال، وقصّر أحيان صرفه، وان يكون ذلك باسم الجزية، وأن يسلم بعض الحصون القريبة من حدود ألفونسو!!,, فسلم حصن سرية، وحصن فتورية، وحصن قنالش!!,, وكانت النتيجة ان أفلست خزينته، ولم يغنه ألفونسو في رد عادية خصومه في الداخل، وفر بأهله من جحيم ثورة طليطلة إلى حصن وبذة سنة 472ه، فأسند الطليطليون أمرهم الى المتوكل ابن الأفطس أمير بطليوس.
قال أبو عبدالرحمن: ومد هذا اليحيى حبل الذل والخيانة الى ابعد مدى، فسار من حصن وبذة الى مدينة قونقة، وأخذ يراسل ألفونسو ويقدم له فروض الولاء ويستجديه، فجاء ألفونسو بجنده، وسار مع يحيى الى طليطلة,, وأما ابن الأفطس فلا هم له إلا الاستلاب الكامل لأثاث يحيى، فلما تم له ذلك، وعلم بمجيء ألفونسو ترك طليطلة في أكباد أهلها، وفر الى بلده,, هذا هو شأن ملوك الطوائف قبحهم الله، فعارهم على المسلمين ورقعتهم أعظم وصمة في التاريخ,, على ان ابن الخزرجي في كتابه الاكتفاء في أخبار الخلفاء - كما نقل ذلك محمد عنان: عن دوزي - ذكر أن ابن الافطس بقي الى ان حاصره ألفونسو,, وعلى اي حال فلم يصبر للحصار، ولم يستصرخ اهل مملكته، وأظهر فراره ان همه اسلاب يحيى وكفى!
وفي سنة 474ه - كما ذكر ابن بسام في ذخيرته - دخل النصارى طليطلة، فنكلوا بأهلها، ومزقوهم، وأجلسوا يحيى في الحكم صنيعة لهم!
وهذا الذل، وهذه الخيانة سهلت للمؤرخ الاسباني النصراني التسمّح والتزيّد في الرواية,, قال الاستاذ عنان: (وتقول لنا الروايات القشتالية: إن القادر كان حينما طلب من ألفونسو معاونته على استرداد المدينة قد تعهد له بأن يحكمها باسمه، وأن يسلمها اليه متى شاء,, على ان يعاونه على استرداد بلنسية، لتكون مقر إمارته), ثم استبعد الاستاذ عنان ذلك، ولعله يأتي لتحقيق ذلك مجال.
وفي أول صفر سنة 478ه (6 مايو 1085م), سقطت طليطلة، وعهد بحكمها الى ولده سنندو، وتتابعت كتابات مؤرخي الاندلس ترجم ابن ذي النون باللعنات، وقد غادر طليطلة بأهله وأمواله ووجهاء قومه، فاتجه الى بلنسية، فرأى ان كل الحصون ضده سوى حصن قونقة، فنزل به، وتُسمى كونكَّة، وقد رحب به صاحب الحصن ابن الفرج، وجرت منه محاولات لتكون بلنسية مملكة له، وكان ألفونسو مناه ذلك,, الا ان اهل بلنسية انقسموا، فمنهم من رأى انضواءها الى المستعين ابن هود، ورأى آخرون تمليك يحيى ابن ذي النون، فسار يحيى المخذول بموالاة أعداء الله في جند من النصارى امده به ألفونسو بقيادة ألبارهانيس المسمى عند العرب ألبرهانس,, وبعد مراسلات ومفاوضات أجمع البلنسيون على ابن ذي النون، فدخلها في شوال سنة 478ه (فبراير 1086م)، ونزل النصارى في ضاحية الرصافة.
والمهم من كل هذا السياق ان طليطلة اول وأمنع معقل سقط في يد النصارى.
وفي هذه الفاجعة قال المقري في نفح الطيب: (ومن اول ما استرد الإفرنج من مدن الأندلس العظيمة مدينة طليطلة من يد ابن ذي النون سنة 475ه، وفي ذلك يقول عبدالله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال:
يا أهل أندلس حُثوا مطيكمُ
فما المُقامُ بها إلا من الغلط
الثوبُ يُنسلُ من أطرافه وارى
ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط
ونحن بين عدو لا يفارقنا
كيف الحياة مع الحيات في سفط
ويروي صدر البيت الثالث هكذا:
من جاور الشر لا يأمن بوائقه
وتروي الأبيات هكذا:
حثوا رواحلكم يا أهل أندلس
فما المقام بها إلا من الغلط
السلك يُنثر من أطرافه وأرى
سلك الجزيرة منثوراً من الوسط
من جاور الشر,, الخ.
وقال بعض المؤرخين: اخذ الأذفونش طليطلة من صاحبها القادر بالله بن المأمون (يحيى بن ذي النون) بعد ان حاصرها سبع سنين,, وكان اخذه لها في منتصف محرم سنة 478ه,, وفيه بعض مخالفة لما قبله في وقت أخذها.
وقال ابن خلكان: ان طليطلة اخذت يوم الثلاثاء مستهل صفر سنة 478ه بعد حصار شديد.
وقال ابن علقمة: ان طليطلة اخذت يوم الاربعاء لعشر خلون من المحرم سنة 478ه، وكانت وقعة الزلاقة في السنة بعدها).
قال ابوعبدالرحمن: وممن فصل سقوط طليطلة ابن الكردبوس، وابن بسام، وابن الخطيب، والذهبي,, وكنت اسلفت إيواء ابن ذي النون لألفونسو السادس، وقد قال ابن الخطيب في أعمال الاعلام: (وسكناه بطليطلة، واطلاعه على عوراتها: هو الذي اوجب تملك النصارى بها),, بل قال ابن الكردبوس: (ان الفونسو استمع ذات يوم - وهو متظاهر بالنوم - الى حديث المأمون بن ذي النون مع وزرائه في كيفية الدفاع عن طليطلة، واحتمال مهاجمة النصارى لها استيلائهم عليها، وكيف يمكن ذلك، وبأي وسيلة,, وقد اجاب بعضهم: ان النصارى لا يستطيعون الاستيلاء على مدينة بمثل هذه الحصانة الا اذا أنفقوا سبعة اعوام على الاقل في تخريب احوازها وانتساف مؤنها).
قال أبوعبدالرحمن: وقد بالغ المؤرخون في الثناء على ابن الأفطس في الدفاع عن طليطلة، والأمر دون ذلك، ولعل لتحقيق ذلك مناسبة تأتي.
وأورد المقري مرثية طويلة في طليطلة منها:
لقد خضعت رقاب كنّ غُلبا
وزال عتوها ومضى النفور
وهان على عزيز القوم ذل
وسامح في الحريم فتى غيور
طليطلة أباح الكفر منها
حماها إن ذا نبأ كبير
فليس مثلها إيوان كسرى
ولا منها الخورنق والسدير
محصنة محسنة بعيد
تناولها ومطلبها عسير
ألم تك معقلاً للدين صعباً
فذللهُ كما شاء القدير
وأُخرج أهلها منها جميعاً
فصاروا حيث شاء بهم مصير
وكانت دار إيمان وعلم
معالمها التي طمست تنير
فعادت دار كفر مصطفاة
قد اضطربت بأهليها الأمور
مساجدها كنائس,, أي قلب
على هذا يقر ولا يطير
قال أبو عبدالرحمن: ليس الخبر كالعيان، ولقد غمرتني في سجودي بمسجد المردوم مشاعر غامضة أظهرها وآلمها الحزن من المعادلة بين ماض نير، وحاضر منتن.
ويقول في مرثيته:
فإن قلنا العقوبة أدركتهم
وجاءهم من الله النكير
فإنا مثلهم وأشد منهم
نجور وكيف يسلم من يجور
أنأمن أن يحل بنا انتقام
وفينا الفسق أجمع والفجور
وأكل للحرام ولا اضطرار
إليه فيسهل الأمر العسير
قال أبوعبدالرحمن: ممهدات الميوعة والمعاصي قديمة، ولكنها نضجت على ايدي ملوك الطوائف الأرذلين.
وبعد ان حث الشاعر على الصمود لإعادة بلاد المسلمين ذكر حال المدجنين وأشباههم، فقال:
فباقٍ في الديانة تحت خزي
تثبطه الشويهة والبعير
وآخر مارق هانت عليه
مصائب دينه فله السعير
والله المستعان، وإلى لقاء.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
اليوم الوطني
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved