Sunday 19th September, 1999 G No. 9852جريدة الجزيرة الأحد 9 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9852


أيّ شيء سكتَّ عنه يا نزار؟
ما ظننته نقداً ليس إلا مهاترات

عزيزتي الجزيرة:
تحية طيبة ، وبعد:
فقد عودتنا صحيفتنا الغراء على طرح النقد البناء الذي يهدف الى الاخذ بيد المبدع إلى الطريق الافضل مع مراعاة ادب النقد والتزام سلوكيات الناقد الواعي ليتحقق هدف النقد المنشود فيستفيد المبدع والمطلع معا.
وما طالعناه في صحيفتنا العزيزة في عددها 9848 وتاريخ 5 جمادى الاخرى 1420ه تحت عنوان (قصيدة تحت مجهر ناقد) لنزار رفيق بشير حول قصيدة الاستاذ فواز بن عبدالعزيز اللعبون التي نشرت سابقا في الصفحة الثقافية عدد 9844 بعنوان: (أنا والحرمان) إلا نموذج يعكس - تماما - الصورة التي ينبغي ان يكون عليها النقد والناقد على حد سواء.
وإليكم اعزائي القراء شيئا من تأملات ذلك الناقد الذي سأحاول ان اتعامل معه كما ارتضى لنفسه التعامل مع ذلك النص وصاحبه.
لقد اندفع الناقد بشدة وسخرية ليعري قصيدة بأكملها من جميع جمالياتها بيتا بيتا وكأنه لم يدرك ان النقد ذو كفتين، والنقاد المنصفون لا يتعاملون مع كفة واحدة ما دامت النوايا سليمة والصدور غير واغرة، والعجيب ان ناقدنا المغوار كان قد ألزم نفسه بقول لم يتجاوز حروفه: وبالمناسبة انا لا احب ان امدح شيئا، فإذا سكت عن شيء فهو مقبول عندي وتأملوا قوله: مقبول عندي - لا حرمه الله القبول-.
والذي أريد معرفته كما يريد الآخرون هو: أي شيء سكت عنه ذلك الناقد فاصبح مقبولا عنده فالقصيدة عدتها ثمانية عشر بيتا تناولها بيتا بيتا بالهدم والتشذيب والسخرية، حتى اسم الشاعر عندما انتمى الى كلية اللغة العربية - قسم الادب لم يسلم من تعريضه، إذ قال: وما أدري اهو استاذ ام طالب - وكلاهما طالب علم - وهذا من التمويه والتعمية ولا أدري اي تمويه في ذلك، إذ من المعلوم ان الانتماء إلى قسم الادب لا يكون إلا في التخصص، والتخصص لاساتذة الكلية، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان ناقدنا بعيد تمام البعد عن الجو الجامعي وربما الثانوي ايضا، ثم ما شأن النقد بالمنقود سواء اكان طالبا او استاذا ولو كان ذلك يغير شيئا في مقاييس ناقدنا فلماذا لم يكتب هو نفسه تعريفا باسمه وعمله.
عفواً نسيت,, بقي شيء واحد لم يتعرض له ذلك الناقد - والشهادة لله - حيث لم يتعرض لعنوان القصيدة من قريب ولا بعيد,بعد ذلك يمضي - حفظه الله - ممتشقا قلمه السيال إلى القصيدة مبتدئا بيتها الاول الذي نقله خطأ فقال:
لهيب الاماني شب في اضلعي جمرا
وأنطقني حينا وأخرسني أخرى
والصواب كما هو منشور في العدد السابق: ,, وأخرسني دهرا ولعل قلم الناقد الثائر سبق طرفه فوضع أخرى لاهداف اخرى وجهل - أقول وجهل - انها في هذا الموضع لا تصح لفظا ولا معنى.
ثم يتعجب الناقد من كون اماني الشاعر ملتهبة بحجة ان الجمر والنار فوق الاحتمال - لله دره ودر اكتشافه - ويبدو ان الناقد تمادى به جوعه إلى معرفة اصول النقد ليمتد إلى جوع حقيقي هيج بلابل امعائه ليكتشف - وبأسبقية - ان تعامل الشاعر مع الجمر والنار في غير محله لان الجمر والنار الآن للكباب والكفتة والشاورما والفراريج، وانا اجزم انه اراد ذكر الحمص والمتبل بشكل او آخر لتكتمل مائدته ولكنه لم يجد لهما مكانا على النار.
ويستوقفه البيت الثاني من القصيدة
وعلمني ما الشعر والدمع والأسى
فزدتُ بها علما وكنت بها أدرى
وحق له ان يقف عنده والا يبرحه إلى قيام الساعة ما دام افقه النقدي لم يبرح الكباب والكفتة!!
ويمضي بعد ذلك مسترسلا بقلمه مرة واعظا ومرة متفلسفا ومرة متحذلقا بثقافته الفنية، ولا أعني الفنية النقدية أو الادبية، إنما أعني ما تعرضه شاشات الفن من افلام وأغان كان لها أكبر اثر في ثقافته التي عرضها علينا خلال مقاله النقدي وظنها في يوم غائم انها ثقافة ادبية ونقدية.
ويستمر حتى يصل إلى البيت العاشر:
زمانك يا شيخي زمان عجائب
إذا زُرعت أشواكه أنبتت زهرا
فيقول: - لا فض فوه-: المشهور قولهم: من يزرع الشوك لم يحصد به العنبا، وليس الزهر وكان قد انتقد على الشاعر بيته الاول عندما استوحى بعبقرية نادرة ان صورة النيران في الضلوع قديمة جدا، ثم أيد اكتشافه ببيتين لديك الجن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الناقد يريد الشاعر مقلداً أم مبتكراً؟! لاسيما وانه قد انتقده في المرة الاولى لانه لم يأت بجديد ثم انتقده ثانية عندما جدد في صورة كانت مألوفة ومعروفة وطالبه بمحاذاتها!!
ولا أدري كيف تجاهل الناقد وضع الشاعر الذي سما بمشاعره عن الحسيات القريبة ليقدم للقارئ الواعي صورا تعبر عن عمق اساه بعيدا عن العنب والخوخ!
وحول البيت الثالث عشر من القصيدة:
وأيُّ سراب أقطع البيد دونه
وما قطعت رجلي إلى مورد شبرا
يقول : ولماذا هذا التعب والجري وراء السراب وأنت تعرف انه سراب,, .
عند هذا الحد وقف به فهمه - لا حرمه الله الفهم - وكأنما الامر حسي بحت لا تحيطه اي خلفيات، ولو رزق ناقدنا معرفة شيء عن الخلفيات التي استسلم لجهله بها لعلم ان الشاعر يبدي عجزه وضعفه عن قطع شبر واحد ليبلغ مورداً حقيقيا فكيف يقطع البيد ليحاول الوصول إلى مجرد سراب؟؟!
وفي البيت الرابع عشر:
وأيُّ زمان ذكرياتي تضُمُّه
وكرُّ ليالي البؤس أنستني الذكرى
راح الناقد يتحذلق ببيتين للبحتري وشوقي بعيدين عن مراد الشاعر ويستعظم حالته التي لم يستوعبها ساخراً بقوله: مازلت صغيراً يا بني على الزمان والذكريات وكر الليالي,,, وما أقول له إلا ويل للشجي من الخلي فدع الشجي في حاله ايها الخلي وتابع افلام فيروز المصرية وأغاني وردة الجزائرية وعد لتخبرنا بمدى استمتاعك بفنهما الذي اسست عليه جل ثقافتك.
للأسف الشديد,, هذا الناقد وغيره من الذين سخروا أقلامهم للنيل والسخرية غاضين اطرافهم عن جماليات النص المنقود وأبعاده هم الذين يشوهون الساحات النقدية ويدعون المبدعين الى العزوف عن النشر، وهم المسؤولون بالدرجة الاولى عن التدهور المحسوس للمستوى النقدي في صحفنا العربية، وان كنت اكاد أجزم ان الذين على شاكلة ناقدنا قلة.
ان ما ظنه الكاتب نقداً ما هو إلا مهاترات احب من خلالها لفت الانظار والظهور بأي طريقة مهما كلف الثمن، وليس ادل على ذلك من جهله بأهم مقومات النقد، فلم يشر في نقده إلى اي ملمح فني يُذكر يمكن ان يحاسب الشاعر عليه، وهذا هو اساس النقد الاول، وما طنطنته بأبيات لشعراء آخرين إلا مظهر من مظاهر الاستعراض العقيمة التي لا تقدم اكثر مما تؤخر، ونسي او تناسى ان لكل شاعر نظرته فيما حوله.
أحمد بن صالح الفايز
ثانوية أشبيلية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ملحق رواد الاستثمـار
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved