هكذا انطباعات حول بعض نصوص (اتجاهات),. فهد العتيق |
* خزامى علي بافقيه أغنية لنجد التي يتجاور طينها مع رمالها الوردية، يسرق الشاعر غيمة نادرة فيدفعها باتجاه الصحراء لكي يلحق بها ويتوحد بها وهو يتأمل صحراء تنام حوله بشغف، رمال مثل اطفال تنام على صدر الصحراء في مساء يشرئب على غير العادة وقد خرج من أعماق الرمل خزامى تراب، وهكذا تتواصل علاقة علي بالصحراء مُكرسا صداقة كبيرة بينه وبين شعراء الصحراء الجاهليين، ومعطيا صوتا آخر للرمل بعد ان يدفع الغيم فوقه فيمطران سويا شعرا وماء, لكننا نأمل من (علي) أن يقترب من حياتنا في المدينة والحارة والبيت، لكي يقدم رؤيا جديدة متعددة المستويات والأصوات بواقعية محسوسة تربط الخاص بالعام وتوحد الداخل بالخارج، وتفتح النص على الاحتمالات.
* بينما يرسم الشاعر محمد الرطيان في قصائده صورا (كاريكاتورية) تتراوح بين الضعف والقوة، وربما أفضلها (نأي):
لا تصدق أن العازف الساذج، اصابته سلطنة، ياسيدي: هذا القصب يبكي حنينا لموطنه , وهي صورة حالمة، اما صورة او لقطة (تبرير) عن الضاد، فهي تحاول التعبير عن ميلها نحو اللهجة المحلية مقابل اللغة الفصحى، لكن لا ننسى ان الكثير من القصائد العربية ما زالت تسكن وجدان وذاكرة المواطن العربي بكل قوة.
* وتأتي القصيدة العامية لعثمان المجراد بصورة أخرى معبرة: ارسم اللوحة الحزينة، طفل بائس، وسط اسوار المدينة، فوق رأسه مطرقة جدا قديمة، وعند عينيه (لا) تختصر كل المعاني لكن ما مؤخذ على محاولتي الرطيان والمجراد انهما تعبران بشكل تقريري مباشر في أغلب الصور، وهذا ما يقلل انفتاح النص على الدلالات والأسئلة بالتالي تضعف القيمة الفنية للعمل.
(رائحة الطفولة) لعبدالرحمن الدرعان تدخل إلينا هكذا: وعبر إمعاء المدينة المسقوفة بعتمة آخر النهار والتي يتفق الآخرون اعتباطا على تسميتها طرقات , تُدخلنا من بابها الواسع نحو موضوع سام وعزيز، عندما يأخذ والده المريض وأمه وأخاه وأخته الى هذا النص بينما أنا القارىء ادخل متاهات إمعاء جديدة، هي هذه الأسطر التي لا تعرف من اين أتت ولا الى أين هي ذاهبة، وربما أن (المخرج) افسد عليّ متعة القراءة لهذا النص المتماسك والقوي لعبدالرحمن، نلاحظ حس الموت يلاحق الراوي ويلاحق والده كما يلاحق والدته وأخته، كما انه يغلف كل شيء في القصة، وافكارها ومفرداتها، كما نلاحظ انتقال النص بين عدة (متكلمين) على نحو يدفع الى نهاية سريعة، فنلاحظ صوت الراوي وصوت المتكلم وصوت المخاطب مع انتقال النص السردي من الصيغ الشاعرية الشفافة والموحية نحو صيغ حادة ومباشرة أحيانا، ربما في محاولة لإيصال رسالة سريعة، لكن ذاكرة النص تظل في القرية مهما كانت تفاصيلها الحزينة.
ومرت القرية كطيف أزرق بأهلها ودوابها واسوار بيوتها الأليفة، وأزقتها المتربة، ووجوه فلاحيها، وبناتها اللاتي عقدن ضفائرهن من سكك الضوء في الليالي القمرية .
نص قصصي يحمل روحا عالية وقيما إنسانية وخوف وأسئلة واناشيد من رائحة الطفولة لها طعم الشعر الحقيقي: ,, واتاني إحساس بأن لي سريرة لا تشببها إلا بئر مهجورة طفحت على مياهها جثث الحيوانات غريبة ورخويات وطحالب شتى,, وان أحدا لحد الآن لم يتمكن ان يطلع على انقاضها .
* (الصحو في يوم غائم) قصص قصيرة جدا لفهد السلمان، تبدو قصصا غير مكتملة، او ان الكاتب اراد قطع كل نص صغير عند حدود بداية الحياة له، لكن قصة (انهيار آخر السدود) تمثل جميع النصوص، حيث يبدأ النص بسأم الراوي من النظارة الطبية والعدسات وعبوات القطرة, سئمت كل هذا الزيف الذي يجعلني أرى الاشياء بغير حجمها الطبيعي, اريد ان أنام فقط, أعيدي العناكب المهاجرة الى مكانها في هذه النافدة,, إنها ثم ينتقل النص الى عالم آخر تداخلت فيه افكار مقتضبة عن القراءة والذاكرة و,,, ونام متكورا كجرذ.
وإذن هي نصوص قصصية بحاجة الى مراجعة متأنية، ليس من أجل ان تكون واضحة ولكن من أجل أن تقدم رؤية ذات قيمة على مستوى الطرح الموضوعي او الفكري مع الاحترام لهذه التجربة.
* فاصلة شعر من (سوزان عليوان):
* أحمل غربتي،
في حقيبتي،
وفي عيوني الحزينة،
وأسافر، كالطيور المهاجرة،
من مدينة لمدينة، فلا أنا،
ولا ذاكرتي،
نريد أن نعرف أي شيء، عن ماضينا.
|
|
|