* واحتفل الفرنسيون في الاسابيع المنصرمة بميلاد الروائي الكبير بلزاك المائة، وربما في وفاته الخمسين، اقاموا له البرامج الاذاعية والتلفازية ووزعوا رواياته وما كتب عنها وعنه من كتب، وجمعوا الاصدارات التي تناولته سابقا ولاحقا الى جانب اللوحات التي تناولت شخصه ك بورتريه واخرى عن حياته لأعماله، كل المجلات والصحف افردت عنه المقالات والآراء والمواضيع التي تناولت شخصه واعماله، اما في الغد فسيحتفلون ب اميل زولا وب فيكتو زخوجو وبعد غد سيرفعون زنبقة كبيرة بلون الكسوف في اشهر الميادين الباريسية لذكرى جان جاك روسو وبعدها سيقيمون الندوات عن الشاعرين ميلر ورامبو ، في تشيلي يقيمون تمثالا بحجم جبل لسيف اللهب نيرودا وشجرة تقف بذراعين حيين لكافكا واخرى بحجم لوحة جانبية عظيمة ل بيكاسو وشكلا عجيبا يحاكي اجمل منحوتات سيلفادور دالي الى جانب وجه يشبه القناع الغجري على شرفة تطل على سهل عريض من حقل السنابل للشاعر لوركا بإسبانيا.
اما في امريكا فلم يمض وقت على احتفالهم بالكاتب الكبير ارنست همنجو اي على جرس كبير يتوسط عددا من مصارعي الثيران المصورين على غلافات رواياته وقصصه بحجم يفوق حجمها الطبيعي عشرات المرات كما يراه الامريكان في ذاكرتهم.
في كل بلدان العالم يضعون تمثالا للجندي المجهول ، ويرقصون مع الموسيقى الشعبية عند كل مناسبة بأعلامهم من الكتاب والمبدعين والسياسيين المحررين والموسيقيين والمسرحيين والمفكرين والتشكيليين، وكل الذين برزوا كبثور على اديم اوطانم من المشاهير لكننا لم نر مناسبة واحدة في الوطن العربي تقام من اجل المتنبي مثلا اوالبحتري او حتى اشعب او جحا اوابوزيد في عصر لا ندري فيه بأي وجه سندخل الالفين ، او العولمة او تكنولوجيا المعلومة والمعرفة والمكتبة والشريط والكتاب وحتى علم تربية القطط ان اردت, في هذه المرحلة التي يتنافس فيها العرب لبث الفضائيات المتنافسة على الفيديو كلب ، في اغاني ومسرحيات ومسلسلات الهبوط دون مستوى خط الفقر الذهني والانساني وكلها وياللصدف التي توافقت جميعها للضحك والتسلية وهدم الذائقة لدى المشاهد.
***
ومع وجود النسبة والتناسب بين الاقطار العربية في هذه المسائل الا انها جميعها تعود الى مشترك واحد قد رأسه في ناحية المشرق وذيله في ناحية المغرب، او العكس او ما يقاربهما ليس مهما الكل يجعل الثقافة من الامور الكمالية اوالديكورية المدهونة بالفوسفور كي يتضح في ظلال الحقيقة عندما توجه اليه عيون القطط الضالة فلو بحثت عن آخر دعائية تسويقية لمنتجات الصابون والكولا في الوطن العربي لوجدت انها تعم المستودعات والثلاجات والبقالات والمكتبات,, بينما تجد الكتاب الذي يصدر في شمال الوطن,, لا يصل الى شرقه او جنوبه وانما يتعطل عند الحدود ويعامل مثلما يعامل اخطر المخدرات,, ينزع جناحاه ويمثل به,, ثم يشحن مع آلاف غيره الى المحرقة ولا من منطق في اللامنطق فالفضائيات العالمية لم تبق او تذر في كشف كل ما هو في الدنيا، ومع ذلك فالكتاب الذي يحمل الفكر والمعرفة والمعلومة والذي يمثل ذرة من ملايين الكتب والمعلومات الإنترنيتية المفتوحة على ابوابها ونوافذها,, ترحب بكل باحث او متصل في المعمورة من جليدها الى صحرائها, واذا بحثت عن التراث الذي نعتمد عليه كسند تاريخي في امجاد كان جدي وجدناه مبعثرا في خزائن العالم الاسلامي منه العربي، وغير العربي، والاجنبي وجار الاجنبي ولصعقت لو علمت ان في بلد اسلامي غير عربي من المخطوطات العربية ما يشغل المطابع العربية - حسبما وصف - لمدة لا تقل عن قرن من السنين ، وصاحب هذه الشهادة احد اعلام التراث العربي الاسلامي!
***
اظنك تعلم علمك بالفرق بين النهار والليل,, ان الفن في كل بقاع الارض اليوم لايمكن محاكمته او توظيف الجلاد لادانته والاخذ بما يقوله او الاخذ عليه ، وتعلم انه لولا الابداع منذ ستة آلاف او يزيد من السنين، ان الناقل الوحيد للمعلومة ومستوى الحياة والفكر للشعوب القديمة جدا,, لكننا لا نستخدم المقصات والاقلام العريضة للقطع والطمس واللمس الا في المطبوعة والمخطوطة فهل كان الابداع المكتوب او المرسوم او الممثل او,, يخضع للقوانين السكسونية في الدنيا اليوم، الا في القانون العربي، المقص والاقلام المحبرة,, لا تستخدم في رقابة الاسعار او الجودة والنوعية او الادوية، او حتى الاحذية,, لكن مكانها فقط في مكانها المعلوم! في بلد كفرنسا يصدر في العام الواحد ما يزيد على اثنين وعشرين الفا من الكتب الجديدة وفي الوطن العربي لايصدر عشرون كتابا حقيقيا في العام الواحد دون ان يركل ويضرب ويعذب في المعتقلات المظلمة وتعرض اخيرا للمقصات والاحبار الطامسة.
***
ألا ترى انني قد دخلت في زمرة المغفلين حين تصورت ان يكون ثمة احتفال - مثلا - بمناسبة ماقدمه واحد ك عميد الادب العربي او شاعر الامة الممجدة الذي نحفظ ابياته في الحكمة والانسانية القهرية ، امام قوم يحتفلون ب ابن رشد وابن حزم وابن خلدون وهم عنا في غنى بامجاد فنانيهم ومفكريهم فالحمد لله الذي جعل زرياب العربي في غير ديار الغرب والحمد لله الذي جعل فنوننا وعمارتنا وحضارتنا واعلامنا او بعضها في غير عصرنا اليوم وفي غير ديارنا وأوكل به قوما يحترمون الفنون والانسانية.
لا تدخل معي في احتفالات العالم الشرقي - مع ان اخواننا المغاربة وكذلك الاوروبيين يقولون عنا اننا شرقيو الثقافة والنقد الشرقي لكننا لا نذكر اعلاما في الشرق الكروي، اما الشرق المعسكري عفوا لست - كغيري وانما تطغى عليّ اخبار ووكالات الغرب ولست الآن في موقف سياسي انما اتحدث بواقع الثقافة والفنون فمتى سنستيقظ ونحن نضع اقدامنا على حافة الجرس العالمي القادم قريبا جدا؟!.
|