جملة ما ينقله المؤلف في عبقرياته الفذة ومن جملتها وان لم يكن على غرارها: (مطلع النور) جملة ما ينقله أخذه من ثلاثة مصادر:
الأول: كتب التاريخ الموثوقة بالنظر الى حسن اعتقاد المؤلف كالسيرة لابن هشام، والمغازي لابن إسحاق وهو شيخه والسيرة الحلبية.
وخليفة ابن خياط
واسامة بن منقذ.
الثاني: كتب التاريخ المشبوهة التي ظهر فيها التحامل والسوء (كمروج الذهب) للمسعودي -رحمه الله تعالى -وقس عليه مثله.
ويلحق بهذا كتب الكذب والخبث (كالأغاني)، و(مقاتل الطالبيين)و(القينات) (ونهج البلاغة)، (خاص الخاص).
الثالث: ما كتبه ذوو النحل التي تشبعت ببقايا معتقدات الهند واليونان وفارس، ومثله ما طرحه المستشرقون ما بين سنة 1150ه حتى سنة 1420ه التي لم يبرح كثير من الكتاب والعلماء والمؤرخين والأدباء يراعون ما يكتبون فيأخذون به ويشيرون وقليل ممن ذكرتُ ينتقد أو يناقش ما ينقل وهذا وان دل على عمى البال والتقليد فإنه دال أيضا على سوء التوجيه والتربية إبان الطفولة المبكرة.
وجاء في ص 153 قال تجاوز الله تعالى عني وعنه: (والخلاف كثير في إسلام أبي طالب).
قلت هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وأقربهم اليه واحبهم بعد العباس وحمزه لكن لا خلاف في ضعف ما ورد عن إسلام أبي طالب,فقد مات على غير الاسلام، ولم ينهض نص صحيح على إسلامه فيما بين يدي من مطولات الآثار والاجتهاد لا مكان له هنا، وقوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) بينت الدلالة ولا يحسن توليد الآثار والإضافة اليها والاجتهاد فيما لا مكان له فيه في مثل هذا ,,ولقد لمست العاطفة كثيرا فيمن كتب عن (إسلامه) وهذا امر لا يستقيم مع النص وسبب نزوله, ومع عدم وجود دليل صحيح على إسلامه.
وورد في ص 154 قال: (وقال ابن اسحاق (وذكروا انه قال لعلي: أي بني ما هذا الدين الذي انت عليه (فقال :يا أبت آمنت بالله وبرسول الله، وصدقت بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته فزعموا أنه قال له: أما أنه لم يدعك إلى خير فالزمه).
لعله صحة القول: (لم يدعك الا الى خير).
قلت: ابن اسحاق إمام جليل من قرناء الامام: مالك بن أنس والليث بن سعد لكن روايته هذه لم اقف على سند لها صحيح فيما رواه في السيرة.
وما جاء في ص 152 - 153 - 154 - 155 - 156 قد نقله من: السيرة لابن اسحاق وكذا من السيرة لابن هشام ولعله عول على: البداية والنهاية لابن كثير مع اختصار غير مخل لكنه لم يشأ تحقيق ما نقله والتثبت منه من خلال كتب صحيح الرواية ودراسة حال الرواة، فليته فعل او ليته إذ لم يفعل سأل ،إذاً لأبان.
وما جاء في ص 157 مما حكاه عن: هشام بن السائب الكلبي عن أبيه (أن أبا طالب لما احس بالموت جمع اليه وجوه قريش فأوصاهم، فقال: يا معشر قريش! إني أوصيكم بمحمد خيراً فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب وهو الجامع لكل ما أوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وايم الله كأني انظر الى صعاليك العرب وأهل الوبر والأطراف المستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا امره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها آذناباً ودورها خراباً، وضعفاؤها ارباباً واذا اعظمهم عليه احوجهم اليه وابعدهم منه واحظاهم عنده وقد محضته العرب ودادها وأضفت له فؤادها واعطته قيادها.
يا معشر قريش! كونوا له ولاة ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله الا رشد، ولا يأخذ بهديه الا سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي).
قلت لم اقف على سند لها، وقال المصنف بعد ذلك (وهذه الوصية لا يثبتها القاري هذا الأسلوب الا ان تكون لسان حال لا لسان مقال والا ان يكون ما قيل بعض الفاظها وبعض معناها، ولم يكن كل ما جاء فيها).
وهو هنا يخضع النص للذوق ويقيس ويوازن ولعله قبلها على انها لسان حال لا لسان مقال.
ومثل هذا يمكن نظره في حال انقطاع الرواية لكن هنا الاسناد هو: فصل الخطاب ويُغني عند التذوق وتلمس القرب والبعد مما قيل ويقال، ولو جزم المؤلف أو قال لعله بين ضعيف وموضوع لكان هو الصواب، لكنه جرى على عرف الشعراء والادباء والكتاب الذين يتذوقون فيحكمون وهذا من ذاك ليس بشيء عند نقد المتون ونظر حال الرواة ودراسة الاسناد.
وجاء في ص 158 قال: (وحمزة فارس في خلائق الفروسية كلها من شجاعة وصدق وايمان ودراية بالسيف والخيل، قال ابن اسحاق في قصة إسلامه: (فلم يلبث حمزة بن عبدالمطلب -رضي الله عنه -ان اقبل متوشحا قوسه راجعاً من قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل الى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان اذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش الا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش واشد شكيمة, فلما مر بالمولاه - مولاة عبدالله بن جدعان - قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً من ابي الحكم بن هشام! وجده ها هنا جالسا فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم، فاحتمل حمزة الغضب لما نال من كرامته فخرج يسعى ولم يقف على احد معداً لأبي جهل اذا لقيه ان يوقع به, فلما دخل المسجد نظر اليه جالساً في القوم فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة، ثم قال اتشتمه؟ فأنا على دينه أقول مايقول فرد ذلك عليّ إن استطعت فقام رجال من بني مخزوم لينصروا أبا جهل فقال أبوجهل دعو ابا عمارة فإني والله قد سببت محمد (صلى الله عليه وسلم) ابن أخيه سباً قبيحاً.
قال القوم: ما نراك يا حمزة الا قد صبأت فقال حمزه: وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك.
(أنا أشهد انه رسول الله).
قلت أصله: صحيح، ولمثله لغير حمزه رضي الله عنه اشباه، وقال المصنف كذلك في ص 159، (ومن اعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم) غير حمزة والعباس رجلان لم يسلما وهما الزبير وعبدالعزى ابو لهب وكلاهما كان بمحمد (صلى الله عليه وسلم) حال صغر سنه (هذا مني بتصرف) ويدلله ويواليه بالسؤال عنه إلخ).
قلت أما ابو لهب فأمره معروف وأما الزبير فكما قال المصنف لا يعرف شيئا ينبي عن صفاته وكناياته وفي ص 159 - 160 اورد جملاً مما دونه ابن اسحاق وابن هشام في السيرة مع تصرف لم اره مخلاً فيما يدعو الى التحليل والنقد، الا ان الجملة فيما نقله يدور بين: الصحيح والضعيف، وكنت قد بينت شيئا عما ذكره اهل الحيدث من كبار علماء هذه الأم:
أصحاب الكتب الستة.
وأحمد.
وابن أبي شيبة.
وعبدالرزاق.
والطبراني.
وذكرت الا ان ما ذكروه هو المعول عليه ما في ذلك شك عند كل ذي دين وأمانة وعقل سليم.
وكم قد طمعت كما قد طمع غير من سلف هذه الأمة البررة ان تعي الأمة كلها اصل المأخذ لدينها ودنياها فتسير على اصل صابت صحيح يؤخذ من ينابيعه ولا يؤخذ من اشباه الينابيع ولا ينابع الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى اذا ورد اليه وجده خداعاً فيأخذه وقد ظن صيد الغالي الثمين فإذا هو سم ومكر وخديعة، وناهيك بما في (الأغاني) لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد، وحسبك بمن عاش من أجل دس الروايات وتلفيق الأخبار حسبك من (مروج الذهب) بما انت عاقله منه ومدركه فيه ويكفي انه نقل الكذب الصريح عن عبدالرحمن بن عوف.
والزبير بن العوام.
ومعاوية بن ابي سفيان.
وعمرو بن العاص.
والمغيرة بن شعبة.
حتى اذا درست اصول ما اورد والأسانيد والرواة وجدت كل هذا فيه من الكذب يقرر ما فيه من ظلم كبار أسياد هذه الامة عبر العهود.
وكما تقدم القول كثيرا فإن الهدف ليس هو الصحابي لكنه هدف السيء الطوية غير الناقل بعدل وسوية.
وما يسوء هو حال: الامعات وجهال النقلة الذين يذكرون:
معاوية.
وابن العاص.
وابن شعبة.
كلما عن لهم كنز وكثرة المال،
والجواري،
والدهاء،
والمكر،
والحيلة، من اجل الذات وحب الحياة ولو قلت لواحد منهم ممن ينقل دون وازع من دين او خوف من الله.
لو قلت: اين السند الصحيح؟
لفغر فاه، اذ لا يدري ما السند وما حقيقة الرواة وما هي الاسانيد أليس مثله عفوا أليس مثلهم يرثى لهم، ويبكي على: علم الاسناد الصحيح والاسناد من الدين ولولاه لقال من شاء ماشاء,.
لكن المشتكى إلى (الله).
|