كما أن الألم لا يمكن تصنيفه، إذ لا يمكن التفريق بين ألم قاس، وآخر هين، فإن المأساة أيضا لا يمكن تجزئتها، والألم الذي نشعر به تجاه فقد طفل أو انسان يموت بسبب نقص الغذاء وعدم توفر الدواء هو نفس الألم الذي تشعر به أم فقدت ابنها بعد أن تم أسره من قبل قوات غازية، والعائلة التي تعيش مأساة وفاة ابنها تعيش اخرى وفي مكان آخر نتيجة فقدان عائلها المأسور في سجن بلد آخر، لا يعرف عنه هل لايزال حياً ام قضى نحبه نتيجة تعذيب او قهر في سجون الاعتقال.
وهكذا فالالم واحد، والمأساة تتكرر وان اختلفت الضحايا، كما هو حاصل الآن في العراق، والكويت والمملكة وبعض البلدان التي لايزال النظام العراقي يحتجز العديد من ابنائها أسرى في سجونه، معطلا اتخاذ اجراء دولي برفع الحظر الاقتصادي المفروض على العراق منذ تسع سنوات والذي ادى إلى نقص المخزون الغذائي والطبي وترك أثراً سيئاً على صحة الاطفال والمرضى والحالة الصحية السيئة للعراقيين العاديين وليس رجال النظام الذين نتابع رحلاتهم العلاجية خارج العراق، تسبب بها النظام العراقي نفسه، فالحظر الاقتصادي المفروض على العراق منذ تسع سنوات اتخذ لاجبار النظام على التعاون والانصياع لقرارات الامم المتحدة التي يعد تنفيذها لمصلحة العراقيين انفسهم، فالتخلص من اسلحة الدمار الشامل ووقف تصنيع الاسلحة يخففان عبئا كبيرا عن الموازنة العراقية وبدلا من صرف الاموال الطائلة لتصنيع اسلحة الدمار الشامل لتهديد وغزو الجيران وشن العدوان عليهم، يفترض ان توجه للتنمية ولرفاهية الانسان العراقي وليس الضغط عليه واشغاله في حروب متواصلة لا طائل منها طوال اكثر من عشرين عاما.
كما ان الابقاء على أسرى اختطفوا من منازلهم اثناء غزو القوات العراقية لدولة الكويت، وانكار وجودهم رغم ان دولهم وبالذات دولتا الكويت والمملكة تعرفان اعدادهم وحتى اماكن وجود البعض منهم، لا يجعل من محاولات رفع الحصار الاقتصادي عن العراق محاولات ذات جدوى لان الدول التي يحتفظ النظام العراقي بأبنائها اسرى في سجونه لا يمكن ان تسكن عن مأساة ابنائها الذين لا ذنب لهم سوى انهم كانوا هدفا لاحقاد وأعمال شريرة لنظام غادر,ولهذا فإن الذين يدعون إلى رفع الحصار الاقتصادي عن الشعب العراقي الذي نتعاطف معه لانه وحده الذي يدفع الثمن، فرجال نظام بغداد لا يشكون من قلة غذاء او نقص دواء هؤلاء الذين يدعون الى رفع الحصار الاقتصادي عن العراق عليهم ان يضغطوا على نظام بغداد لينفذ قرارات الامم المتحدة الشرعية حتى ترفع المعاناة عن الشعب العراقي الذي يعاني من تسلط النظام الذي يحكمه اكثر من معاناته من قلة غذاء ونقص دواء صنعها النظام نفسه لاحراج المجتمع الدولي.
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser * Al-jazirah.com