عزيزتي الجزيرة
إن الإلمام بآداب الحوار والاختلاف أمر مهم ينفع صاحبه في حياته كلها، وبخاصة الداعية إلى الله عز وجل، وذلك لأن الإلمام يساعد في تقارب القلوب وتفهم الافكار مما يكون له الأثر في تضييق هوة الخلاف والتماس العذر للعاملين في الدعوة الإسلامية وهذا يؤدي الى الوحدة المنشودة.
قال الله تعالى: (قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا مابصاحبكم من جنة إن هو الانذير لكم بين يدي عذاب شديد) سبأ - 46.
وهذه الاية تعتبر منهجاً قويماً لمن اراد الوصول إلى الحق لأن المقصود من الحوار الوصول إلى الحق، وهذه الآية الكريمة ترسم لنا بمقوماتها الثلاثة أصول الحوار الصادق وذلك فيما يلي:-
الاصل الاول/الاخلاص لله عز وجل، والتجرد الكامل قبل الحوار وأثناءه وبعده (أن تقوموا لله).
الاصل الثاني/ العلم بحقيقة واقع القضية المطروحة من الناحية الشرعية والواقعية(ثم تتفكروا).
الاصل الثالث/ اعتبار ومراعاة ظروف الحوار والمحاورة (مثنى وفرادى).
ولعل من أهم هذه الاصول الاخلاص لله عز وجل والقيام له وحده، وتحت هذا الاصل يدخل عدة متعلقات:-
1- تصحيح النية قبل الدخول في الحوار، وذلك بمساءلة النفس عن الغرض من الحوار أهو إرادة الحق فحسب أو أن هناك أغراضاً أخرى كحب الظهور وإقحام الخصم,,,
فإذا كانت هذه الأغراض موجودة فليحجم المحاور عن الحوار حتى تتجرد نيته تماماً لله عز وجل وأنه يريد الحق، ولو ظهر على لسان الطرف الآخر.
2- حسن الاستماع والاهتمام بكلام الطرف الآخر.
فالمتحدث البارع مستمع بارع، فلابد من حسن الاستماع والانتباه لما يقوله الطرف المقابل وعدم مقاطعته وتركه حتى ينتهي، وهذا من التواضع.
وعليه كذلك ان يراعي الوقت اثناء حديثه فلا يستأثر بالكلام كله بل يعطي الفرصة للطرف الآخر وهذا هو المحاور المخلص.
وكما يقال: إذا أردت ان ينفض الناس من حولك ويسخرو منك فتكلم بغير انقطاع ولا تعط لأحد الفرصة في الحديث .
3- مراقبة النفس أثناء الحوار - لاشك ان الإخلاص في الحوار يجعل الإنسان ينتبه لنفسه وعيوبه أكثر من غيره - وضعف الإخلاص يحدث في النفس عجباً وشعوراً بأنها فوق الملاحظات.
4- التسليم بالخطأ - فالاخلاص يقرض عليه التسليم بالخطأ عندما يتبين له وجه الصواب بل يشكر لصاحبه فضله في تبصيره له بالخطأ.
5- الحذر من الكذب والغموض والمراوغة - ولذلك فإن الحوار المبارك هو الحوار الصادق الذي يطمئن كل طرف فيه إلى الآخر.
6- الإنصاف - فمن الإنصاف ان يبدي المحاور إعجابه وثناءه علىالافكار الصحيحة والأدلة الجيدة وحسن الاستدلال,.
7- الامانة - فلابد من الامانة في العرض والنقل واحترام الحقيقة,.
8- وضع الخطأ في حجمه الطبيعي وتجنب الشماتة عند وضوح الخطأ من الطرف الآخر فيجب ان يشعر بأن الخطأ ميسور التصحيح حتى لايداخله الشيطان.
9- على كل طرف في الحوار تجنب الهزء والسخرية - ويدخل في ذلك كل مايشعر باحتقار أحدهما للآخر أو ازدرائه لفكرته او وصمه بالجهل او قلة الفهم او التبسمات والضحكات التي تدل على السخرية, وأخيراً تجنب ضمائر المتكلم أثناء الحديث - حتى لايدخل الشيطان إلى النفس فيقع فيها العجب والغرور مثل قوله نحن، أنا، عندنا,,,
لما فيها من المضايقة للطرف الآخر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد العصيمي
وزارة الشئون الإسلامية - الرياض
* المرجع لمن اراد الاستزادة: وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم - الجزء الأول عبدالعزيز بن ناصر الجليل.