البردوني,, قصيدة الموت الأخيرة عبد الحفيظ الشمري |
لم يجف حبر الكلمات في رثاء شاعر المنافي عبدالوهاب البياتي الا ويفاجئنا الموت برحيل شاعر العرب عبدالله البردوني والذي فجر في القصيدة العربية جزالة المعنى، وصدق التجربة,رحل الشاعر البردوني، وبموته تفقد الساحة الشعرية في الوطن العربي واحداً من ابرز المحافظين على عمود الشعر العربي الاصيل,, فلم ينتم الشاعر البردوني الى اي مدرسة او حركة تسعى للتجديد وانما اكتفى بصياغة الفكر الحديث من منظور كلاسيكي يعيد للاذهان اصالة الاشياء محافظاً في السياق ذاته على بناء البيت الشعري التقليدي لتكتمل هنا مشهدية الاصالة التي كان يحافظ عليها انصار الانضباط الشعري والذين تمسكوا بحججهم ضد مدارس شعرية تنادي بالتمرد على الجملة الكلاسيكية، منهم البياتي، وعبدالصبور، وحجازي وآخرون.
مات الشاعر عبدالله البردوني وهو يقول الشعر، ويغرد بالمعاني التي تتوالد من فيض خصبها, فالقصيدة التي كان يقولها البردوني هي في الاساس وثيقة او شهادة على العصر,, قصيدته محملة دائماً بالوعد,, لحنا طروباً كان يصدح في حب صنعاء الشمال,, وعدن الجنوب، اذ كان الراحل يوزع نتاجه الشعري عبر صحيفتين فقط ولا يلبث الا ان تطير قصائده نحو بغداد ومربدها الشعري الشهير والذي داوم البردوني حضوره ولا يخفى على الناشرين في دمشق والقاهرة ما لدى الشاعر من قصائد اذ طبعت اعماله الشعرية في بيروت، ودمشق، والقاهرة، وعمان وترجمت ايضا جل دواوينه الى لغات ثلاث الانجليزية والروسية، والاسبانية، وحظيت بالمتابعة والاهتمام,وتنقل الشاعر البردوني في اكثر من بلد، وعاش في عواصم عربية وغربية الا انه لا يلبث الا ان يعود الى اليمن، حبه الابدي ومنفاه الاختياري الذي يفضله دائماً على كثير من المنافي,حاز الشاعر البردوني العديد من الجوائز، والاوسمة من دول ومنظمات شهدت لتجربته الشعر بالقوة والحكمة والجزالة والمعاني السامية,, كان البردوني رحمه الله آخر سلالة شعر التقليدية في العصر الحديث فكان هو المحافظ عليه والمجدد فيه بما تسمح به ظروف القصيدة العربية التي يرى انها مازالت تواظب على حضورها بقوة، وجزالة رغم ما يطرد من نظم شعري لا يهم به صاحبه,, فهناك بالفعل من اساءوا الى القصيدة العربية الاصيلة بنظمه المتردي والهالك الا ان شعراً كشعر البردوني لا يمكن ان يتجاوزه القارىء او يضعه في خانة الجهد اللغوي الفضفاض, مدرسة الشاعر البردوني متميزة في طرحها الفكري، والفلسفي وتجافي كثيراً من طروحات تقليدية تمارس باسم تأصيل القصيدة العربية والعودة بها الى الجذور,, الا أن هذه التجارب الشعرية التقليدية اصابت القصيدة العمودية بشيء من الجمود والتحجر مما حدا بالبردوني ان يشير وبأكثر من مناسبة الى ان الشعر افسده اهله ويعني بذلك - لحظة ان سأل - ان تعلم العروض والقافية لا يكفي لان يقول طالب في كلية اللغة العربية قصيدة مؤثرة وبليغة حتى وان حافظت فعلاً على بنائها العروضي بشكل محكم الا ان هناك فيضا وجدانيا يجب ان يتوفر بالقصيدة يكسبها الصدق والاصالة معاً لتكون بالفعل ابداعاً لائقاً، ومؤثراً في النفس,, ومثيراً للذات، ومحققاً للشاعر ايضاً تميزه، وتفرده, رحم الله شاعرنا البردوني الذي فارق الحياة قبل ايام ونحن في دوامة صدمة الشاعر البياتي، نحن الذين عرفناه انساناً، وشاعراً، ومثقفاً أسهم وعلى مدى عقود سبعة في خدمة المسيرة الشعرية في العالم العربي.
|
|
|