فضاء الكتابة احتفالية الجسد,, أم ذاكرة للوطن,,!! 2-2 أحمد الدويحي |
ان اقتصاد احلام مستغانمي, والبراعة في قتل ابطال روايتها,, انما هو قتل عمد فهي تتكىء على لسان الراوي في لوحات وتفاصيل دقيقة واسترجاع وتاريخ, تفرض حبكتها فقد ذكرت اسماء الشخوص في ادوار ومنها العائلية .
وابقت اسم البطل العلم الراوي مهمشاً,, وغير مهم في جزء كبير من الرواية عن عمد,.
وتنحصر لعبة الكاتبة في جسد الرواية على الشخوص الاخرى بذات اللمسات الابداعية بتضادها ومفارقاتها وغرابتها,.
البطل مناضل بترت يده, لم يجد غير الرسم في لوحات يرسم جسور قسطينة ليتواصل مع عمره الضائع ربع قرن وما قبله من حرمان الام,, والكاتبة الروائية تصلب بطلها المناضل والفنان.
تقتل على الورق سيرة نضال وسلوك وحرمانها من والدها,, كل منهما مرآة تعكس الآخر.
في باريس وبعد فارق التوقيت ربع قرن من الزمان,, وقد سبقها بحكم السن ورسم لوحة من وحي باريس وحيدة, ووحيدة في طبعتها الفتية لفنان يرسم الجسور الموصلة الى قسطينة مدينته التي لا يعود الناس اليها الا في الاعراس والمآتم,, في باريس رسم لوحة كاترين الفريدة لوحة باهتة لوجه بارد,, وادعى انها لطلبة في كلية الفنون الجميلة موديل,.
وتصعد التناقضات في لقاء الجبلين اللذين تحدث بينهما الهزة وتنفجر البراكين ثم يتحول الجبلان الى تراب واحد تذوب في كل الاشياء مع فارق التوقيت الذي سيظل مرايا واعية,.
وتمعن الكاتبة احلام مستغانمي العزف على وتر هذه التناقضات والذوبان في عدة اسئلة بعد تلاقي الجبلين, تأتي على لسان البطل الراوي , كونه يمثل الابوة والحنان والنضال والتاريخ ايضاً الذي اقتصر على لوحتين الاولى حنين اللوحة التي ارتبطت بموعد بتر ذراعه وموعد تسمية وولادة حياة .
والثانية كل ماهو خارج هذه اللوحة بما فيها من مشاعر جاءت متناقضة صارخة فاجعة على لسان بطل الرواية حينما اراد ان يرسم قسطينة وقد طبع قبلة على جبينها طينة جبين امه ووجنات كل نساء قسطينة ليرسم هذه الاحلام التي بين يديه فعجز,, وتسأل هل ارسم يوم ضحكت,, ام يوم بكت,, عندما تحدثت,, ام عندما صمتت,, عندما اصبحت ابنه,, ام عندما توهم انه امه!! انها المفارقات والتناقضات ما بين حياة ماض لن يعود,, واحلام ليست على الواقع انها مدينة كاملة من النساء انها قسطينة بكاملها انها ذاكرته التي تصبح رواية ورواية.
ومن يقرأ ادب احلام مستغانمي يجد صورا كثيرة مكررة ومكثفة بايحاء عامد,, ويجد صور النضال والكفاح التي نعرفها في ادبيات بلد المليون شهيد,, ومليون حكاية وحكاية عشق عربية الروح والانتماء والجسد واللغة,, وهي بكل جرأة تفكر بصوت عال وبكل جرأة حول خياراتها الادبية وانحيازها الى كل ماهو عربي.
وقد اختارت شكل وقالب جنسها الفني .
فانها تترك للبطل الراوي حقه في الاسترجاع والاستدلال بأسماء المثقفين وبالذات الفرنسيين وهو في لحظة استرجاعه لفترة الصراعات على المناصب والسلطة يأتي بشكل مباشر على اسماء بعض المثقفين الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية وخصوصاً كاتب ياسين ووحيدته نجمة وكم كانت مفاجأة لي متأخرة حينما ورد اسمه في سطور الرواية لانني قد استشهدت بالروح بالنسبة للادب الجزائري بغض النظر عن اللغة,, لان اللغة في وليمة لاعشاب البحر لحيدر حيدر وهو غير جزائري لغة راقية وشاعرة وابداع مشوق لهم جزائري وهذا المهم,.
ولكم ان تتخيلوا هذه الصور في ذاكرة الجسد والحبكة التي ارادت احلام مستغانمي ان تضعها في اطارها في حبكة فنية سردية يروي لنا بطلها الفنان والمناضل والمسؤول السابق عن نظام النشر والمطبوعات في بلده قبل ان يتمرد وينفى,, تجربته مع زياد شاعر فلسطيني طلب منه حذف كلمة هنا واخرى من هناك من مسودة ديوان ينوي زياد اصداره في الجزائر,, ويظن هو ان هناك كلمات تمس اوضاعا عربية فيجب حذفها ويرد الشاعر بكلمات ظلت جسوراً جديدة بينهما وقسطينة حتى النهاية توقفت عيناه عند ذراعي المبتورة لحظة ثم رفع عينية نحوي في نظرة مهينة وقال: لا تبتر قصائدي سيدي,, رد لي ديواني سأنشره في بيروت شعرت ان الدم الجزائري يستيقظ في عروقي وانني على وشك ان انهض من مكاني لاصفعه, ثم هدأت من روعي,, وحاولت ان اتجاهل نظرته وكلماته الاستفزازية,.
ما الذي شفع له عندي في تلك اللحظة؟
ويجسد هذا الحوار الواعي والوصال الثقافي بين البطلين حول اللغة ليكشف كل منهما للآخر ذاكرته,, فاذا هما معاً يتكلمان الفرنسية طلب منها الحديث بالعربية والمحكية,, وحددت الملامح بدقة وادارت دفة خيارتها,, انها تبني من اللامعلوم حقيقتها,, انها تضفر الوعي السياسي والثقافي والوطني في واقع بذاكرة ربع قرن من الزمان,, لا بخبطة لونية لريشه فنان يردم المسافة بحالات توتر وقلق واغتراب وعشق باهت وبارد,, انهما معاً الآن لوحة حديثة ومرايا لمدينة لها جسورها وطقوسها وتصارعها ومآذنها واولياؤها,, في امتداد مكاني بمعنى انها تأخذنا في تهويمات لغوية مكثفة,, وحالات استرجاع نفسية لشخصياتها لتضعهم في الضوء متى اقتضت طبيعة السرد,.
وقد نتساءل عن طبيعة الاقتصاد في ادوار الشخوص ونضيف هنا قصور تنامي الحدث وكأن الصفحات بيضاء,.
ويخطىء من تنطلي عليه هذه اللعبة او مدعى تنبؤ نهاية ما لشخوص الرواية الذين ينتظر ان يصبح وجودهم عبئا على الحياة فالاشارات الاول,, هي حرق مراحل تقضي نزع مئات الصفحات لفنان نسي من عمره نصف قرن انها نوع من التجريب الكتابي المباح لعناصر ثلاثة غير مباح تناولهم في الادب العربي والتجريب الواعي متى كان صادقاً وايجابياً وقادراً على بث الوعي والتطهر,, كان مطلوباً.
والكاتبة احلام مستغانمي ترجىء تسمية بطل الرواية الراوي الذي سنعرف من التشابك العائلي ان اسمه خالد لذات اللعبة,, لنؤمن انها قتلته كما قتلت الابطال الآخرين ومنهم الشاعر الفلسطيني زياد فما هذا الا امعان ايضاً بذات اللعبة,, لانها لا تستطيع ان تخفي اسمه الى آخر الرواية دون هدف ودون ان يكون هناك مبرر يضيف ويرفد للرواية اذاً فاستحضار شخوص الرواية هو استحضار لوجهها الآخر بعد ان كرمت بطلها الراوي لسرد الرواية حتى السطر الاخير,, لتكون لوحة طبق الاصل ,, وقد رفضت في البدء بسبب خوفها وغيرتها المقارنة مع اللوحات الاخرى حنين تاريخ ميلادها و كاترين الباهتة لانها تريد لوحتها,, اللوحة التي سيكون فيها تأسيس لغوي مكثف, وعالم فسيسفائي واسع وثقافة انسانية تندمج مع تخوم الراهن العربي مع تجارب الحكي الاخرى,, ورسم شخصياتها في استطراد بلسان الراوي ذي اليد الواحدة.
يد لها فاعليتها وايجابياتها على الحدث اكثر من الآخرين كونه الشخصية المحورية وما يمليه تفاعل الذاكرة الحية.
ذاكرة سقط منها زياد الشاعر الفلسطيني تاركاً رؤوس اقلام,, رؤوس احلام,, ومسودات اشياء لم تكتمل.
مات كم سيموت كل الرائعين,, ولم تمت حكمته في الرواية ككل الفلاسفة والشعراء ومبدعي العالم وخصوصاً الفرنسيين عشت على ما قرأت من كتب التراث العربي الاقل حضوراً في هذه الرواية بالذات على على صوت الراوي غير تلميحات عن السياب ونزار وزياد كفعل ثقافي يتقاطع مع الروائي في اكثر من زمان ومكان,.
وتأتي في جزء يسير خاص بمسئولية النشر والطباعة وكان زياد هو كل الحركة الثقافية فبموته انتعشت ذاكرة الراوي لينفذ طباعة قصائده في ديوان, ينفذ وصية صديق مات ولم يكن غير توظيف لذاكرة نضالية طويلة وفريدة وسمة تتميز بها الرواية الجزائرية دون غيرها تجربة تنقل من كنوزها وتغرق فيها,, في فرز الوجوه في مراحل انتقالية طويلة ربما,, وصور النضال والقتل الجنون والعشق الابداع متلازمة في الادب الجزائري الروائي ولم اجد نفسي اعيد السؤال عن اي عالم تكتب احلام مستغانمي!!
وقبل ان اتسرع في قراءة روايتها الثانية فوضى الحواس , اقول ان اختيار فنان تشكيلي بطل نص وراوٍ مكرر ايضاً في الادب واذكر على وجه السرعة البرتومورافيا وايضاً روايات عربية اخرى,, لكنها اقصد احلام مستغانمي في مشروعها الثاني فوضى الحواس لا لتقتل البطل انما سيستمر يروي ثلاثية حلت كتجربة في الادب العربي وبالذات في المغرب العربي الطاهر وطار,, احمد ابراهيم الفقيه,, ابراهيم الكوني ويشي بصدق نص رواية ذاكرة للجسد بهذا المعنى العالم الروائي ينمو بطيئاً,, وهي كما يصفها في النهاية واحد من اهم اسباب ذيوعها وانتشارها الشاعر نزار قباني الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور,, بحر الحب,, وبحر الجنس,, وبحر الايديولوجية,, وبحر الثورة الجزائرية,, بمناضليها ومرتزقيها,, وابطالها وقاتليها, وابنائها وسارقيها انها رواية ممتعة حقاً,, كحدث ادبي وفعل ثقافي له غاية يخطىء في نظري من يظن ان الهالة التي وجدها ادب اقلام مستغانمي الروائي ينبع من هذه الجرأة في طرح موضوع كالجنس كونها امرأة اعترفت باشياء كثيرة ومنحت بطلتها صفاتها واسمها وشيئاً من سيرتها,.
ويبررون هذا بصورة من المشهد الثقافي العربي الراهن فسيرة الكاتب وجرأته كما في الخبز الحاف شيء بعد لم نألفه وهذا زعم خاطي,.
ان علي وانا اتهيأ لقراءة فوضى الحواس ان اقول ان بيروت ذاكرة كثير من المثقفين العرب وعاصمة للنجاح والابداع الفني لروائيين وشعراء ورسامين ومغنين وعلي ان انسى مؤقتا ابراهيم الكوني المبدع الكبير في سقف الرواية العربية يفتح نوافد في عالم جديد يشرعه للرواية الانسانية والعربية على وجه الخصوص, انساه لاننا في هذا الزمن العربي الرديء وقد فتكت الة الاعلام ا لرهيبة ببعض المثقفين العرب حتى صاروا (جوقة زفة) مدفوعين بالوجاهة والمظهرية والتسلق لرفع شأن كاتب ما وتجاهل آخر.
سأؤجل متعة الذهاب الى ابداع الكوني فلازال لدي القدرة على قراءة تجربة فوضى الحواس وقد عشت زمن العشق ولانني بعد ازمنة تجربة في العشق امني النفس ان اذهب الى تجربة فوضى الحواس مختاراً التجربة الاكثر اثارة ووعداً بالتجاوز ولرائحة الزمن الآتي.
|
|
|