الأديب والروائي جمال الغيطاني الأدب العربي يعيش عصر ازدهاره تراجع الاهتمام العالمي بالأدب,, وسط سطوة الدشات الأدب في المستقبل نوع من الحفريات المنقرضة |
القاهرة- مكتب الجزيرة- ترنيمة ياسين
الروائي الكبير جمال الغيطاني من ابرز ادباء جيل الستينات بمصر كتب اول قصة له عام 1959 عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، ونشر اول كتاب عام 1969 تحت عنوان (اوراق شاب عاش الف عام) لتستقبلها الاوساط الادبية النقدية استقبالا حافلا شجعه على ان يكتب روايته (الزيني بركات) التي قرأها العالم ب24 لغة حية منها اليابانية، وواصل كتابته حتى وصل انتاجه الى 50 مؤلفا ما بين رواية ومجموعة قصصية وادب رحلات ويوميات.
عن مشواره الابداعي وقضايا الادب العربي ومكانته الحالية تحدث للجزيرة عبر هذا الحوار,.
*لتكن بداية الحديث عن بدايتك في عالم الادب, ماذا تقول عنها؟!
-لا اتذكر تاريخا محددا، لانني ولدت في الصعيد بكل مافيه من تفاصيل دقيقة عن المكان,, والتراث والتاريخ الممتد، ولاشك ان هذا العالم ترك تأثيره بداخلي,, ولازال اذكر منزل جدي,, وسحارته الخشبية المليئة بالكتب فقد بدأت مع القراءة قبل أن ادرك اللغة تمام الادراك بالاضافة الى السير الشعبية التي بدأت معها القراءة في سن الشباب بدأ يضاف اليها القراءة في الادب العالمي المترجم,, وكلا الاتجاهين فيهما من الثراء الفكري الكثير.
*مع هذا الولع المبكر بالادب لماذا لم تتجه الى دراسته اكاديميا؟
-لظروف اسرية خاصة,, اكتشفت فيما بعد انها لم تعطلني بل افادتني فعندما التحقت بالتعليم الفني للحصول على دبلوم صناعي قسم نسيج لم انقطع عن الادب وحتى عندما مارست العمل في تقييم السجاد مابين اعوام 1962 حتى 1968,, لم انقطع عنه، بل كانت هذه الفترة ثرية مكنتني من القراءة بولع وتلقائية، وكانت بداية الكتابة في هذه المرحلة,, اما اول قصة كتبتها فكانت في عام 1959.
أوراق شاب من ألف عام
*كان اول عمل نشر لك هو أوراق شاب عاش ألف عام عام 1969 وصاحبته ضجة كبيرة,, كيف تراه الآن كأول تجربة ابداعية منشورة؟
-كان هذا الكتاب تجربة مغايرة في الابداع، ويخيل لي أن به نوعا من الجدة، وبالطبع اسعدتني جدا هذه الضجة النقدية, هذا بالاضافة الى ان الوقت الذي صدر فيه الكتاب كان هناك مناخ نقدي سليم ونقاد عظام,, اسهموا معي في رؤية ما اكتب بنظرة اكثر رحابة ومنهم الناقد الكبير محمود امين العالم والاديبة لطيفة الزيات.
*ما العمل الذي تلاه مع كل هذا الاستقبال الجميل للعمل الاول؟
-رواية الزيني بركات التي كتبتها مسلسلة عام 1971 في روز اليوسيف ثم نشرت طبعتها الاولى في سوريا عام 1974.
الزيني بركات ربما تكون الاشهر من بين كل ماكتبت، ماسر هذه الشهرة من وجهة نظر كاتبها.
الزيني بركات ,, ترجم الى 24 لغة اجنبية منها اليابانية وصدر منها 12 طبعة - اما سر نجاحها فلا اعلم,, ربما لانها كانت مغامرة ابداعية، فهي تدور في عصر المماليك وكما تقول سطورها الاولى عبارة عن مقتطفات من مشاهدات (رحالة) زار القاهرة اثناء طوافه بالعالم في القرن السادس عشر الميلادي,, وبعيدا عن هذا فانا كنت اشعر بنوع من الرغبة في الثأر من العثمانيين لممارساتهم في فترة حكمهم الطويل لاجزاء عديدة من عالمنا العربي،واعتقد انني ثآرت.
مع نجيب محفوظ
*نجيب محفوظ,, ماذا يمثل في حياة جمال الغيطاني؟
-نجيب محفوظ من اخلص كتاب العالم للادب,, فلم ار في حياتي رجلا يخلص للادب مثله، اما بالنسبة لي ف نجيب محفوظ باختصار هو مرادف لحياتي,, فعلاقتي معه بدأت كقارىء، ثم تحولت الى علاقة بها من الحميمية والود,, يكفي أن تعلمي أنه خلال الفترة التي قضيتها في الولايات المتحدة الامريكية في العام قبل الماضي,, لاجراء جراحة في القلب كان نجيب محفوظ يصر على أن يطمئن على اخباري كل يوم قبل أن ينام، ولك أن تعرفي أن اللقاء الاسبوعي الذي يحضره الاستاذ نجيب محفوظ لابد ان احضره مهما حالت ظروفي دون ذلك، حتى لو كنت في اشد حالات المرض.
*ماذا تعلمت منه، وما رأيك في مقولته ان خليفته هو جمال الغيطاني؟
-تعلمت منه الكثير,, من اهم الاشياء مسألة تنظيم الوقت بين ممارسة الكتابة الادبية والعمل,, وهكذا تتشابه ظروف كل منا في انه يعمل في وظيفة اخرى خلاف الادب, غير أن التشابه في ظروف الحياة، وليس في الادب فكل منا له تجربته - وبالتاكيد مقولته تشرفني جدا، خاصة وان علاقتي بالاستاذ نجيب محفوظ ممتدة على مدى 18 عاما، وان كنت اظن مع كل هذا القرب على المستوى الشخصي، فهناك بعد كبير على المستوى الفني.
*دارت أحداث الزيني بركات منذ عدة قرون، ولمعظم كتاباتك طابع خاص يكشف عن ولع وشغف بعيدين بالتاريخ والتراث، ماسر هذا الولع؟
-كانت بداية قراءتي كما قلت في كتب السير الشعبية,, وعلاقتي بالتراث هي علاقتي بالزمن، ومن قراءاتي كونت رؤية خاصة مفادها أن التاريخ يتقدم بنا في شكل حلزوني دائري، ورواية الزيني بركات التي ذكرتها تجري احداثها في عصر المماليك، وقد وجدت ان الاحداث تتشابه مع ماحدث لدينا عند كتابة الرواية، وما قمت به هو اعادة التركيب لادانة القهر، شخصية الزيني بركات نفسها، وجدتها مكتوبة في صفحة واحدة في ابن اياس ، وما قمت من ادماج لنص في نص آخر بشكل جديد، وهو ما يسمى بالتناص في النقد الادبي.
ولا انكر تأثري بابن اياس في الحكي، وقد اشرت الى مصدري وهو ابن اياس الذي عثرت عليه في ظروف خاصة، وعرفت به المرحوم صلاح عبدالصبور وقت أن كان رئيسا لهيئة الكتاب الذي امر بطباعته في مجلدات وهذا المؤرخ كان مجهولا الى ان ازحت الستار عنه، بعد ان حدث تركيز على الجبرتي الذي ارخ للحملة الفرنسية، فاصبح مؤخراً معترفا به.
واقع الآدب العربي
*قلت اننا نظن عن واقع الادب العربي في الغرب ماليس موجودا في الحقيقة, رغم نوبل نجيب محفوظ ورغم حصولك انت على وسام الفارس الفرنسي من فرنسا عام 1988، ورغم الترجمات المستمرة لاعمالك,, فلماذا؟
-كلا الامرين صحيح,, فواقع الادب العربي ليس كما نظنه,, رغم كل ماقلته لان الاهتمام بالادب بشكل عام سواء العربي او غيره - على المستوى العالمي الآن ليس كما كان وبدأ يخسر شيئا فشيئاً.
وهكذا ينعكس بالطبع على دور النشر التي لم تعد تطبع النسخ التي كانت تطبعها للكتب الادبية من قبل,, والحقيقة أن وضع الادب العربي في باريس عام 1985 - اي قبل ان يحصل محفوظ على جائزة نوبل- افضل من الآن بكثير.
* ما السبب في ذلك من وجهة نظرك؟
-هناك اشياء كثيرة,, مثل تعدد القنوات الفضائية والانترنت فيوما بعد يوم يتناقص قراء الادب للدرجة التي اظن معها ان الادباء سيصبحون في القرن القادم نوعا من الحفريات المنقرضة.
*ماذا اذن عن مشاريعك الكتابية في الفترة القادمة؟
-لدي افكار كثيرة لكتابات,, فأنا اختلفت عن غيري في ان الافكار متواجدة لكن المشكلة هي الوقت.
هل تعلمين انني اضطر ان اعمل 12 ساعة يوميا في الصحافة لاستطيع أن أمارس كتاباتي الأدبية لمدة ساعتين- واقول لك شيئا ربما اقوله للمرة الاولى- فانا بعد 40 عاما عملا بالادب، وبعد 50 مؤلفا, انفق من جيبي الخاص على الادب.
|
|
|