Sunday 5th September, 1999 G No. 9838جريدة الجزيرة الأحد 25 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9838


الرسالة الرفيعة
كمال الدين عيد

الكسندر تايروف A.J. TAIROV (6/7/1885- 25/9/1950م) واحد من اكبر المخرجين الروس الذين نظروا للحركة المسرحية في العالم, اقام منهجا فنيا يتضاد تضادا قويا مع منهج زميله ستانسلا فسكي الذي يعتبر البحث في منطق الكلمة ومفهومها واهمية البناء النفسي لهما معاً بلافائدة، وجهدا ضائعا لايمكن التوصل اليه الا بعد تأسيس وتشييد الريثم الموسيقي للمسرحية.
لذلك استعمل تايروف في اخراجه السيرك ووسائله، واضاف الباليه في عروضه المسرحية رغبة في ابراز التوافقية C O M B I N A T I O N في سيمفونية الحركة.
منهج الرسالة الرفيعة
ورسالته الرفيعة - كما اطلق عليها- هي رسالة الممثل, فكلما كانت معاناة الممثل في دوره كبيرة وعميقة في الجذور الداخلية عنده على خشبة المسرح، كانت النتيجة مسرة وابتهاجاً ولطفاً, وهذه المعاناة التي يدخل اليها الممثل عبر دوره تصل اليه من منطلق الاخلاص في الدور، وتلذذ المعاناة الذي تقبله عضويات جسم الممثل على اختلاف الانفعالات الحسية والنفسية والعضوانية
O R G A N I C I S M (1) , وهو مايحسه الممثل فورا في نظامه العصبي اذ سرعان ماتلمس كلماته المخلصة الجهاز العصبي في جسمه، هذا السالب (المعاناة) الذي ينقلب ويتحول الى موجب (الاخلاص في الدور) شبيه بتأثير الاضداد, وبدون ذلك لايستقر امر فن التمثيل المؤثر.
قوة التخيّل
الممثل وحده هو المحقق الفعلي لقوة التخيل, والتخيل نعثر عليه في أي دور مسرحي، تماما كوجود قوة التخيل, فالاثنان من عمل الممثل ومن بين مهماته ونشاطاته الابداعية, والممثلون يتخيلون اي شيء ويسيرون في ادوارهم - عبر هذا التخيل- لاقناع النظارة وكأن كل مايجري على المسرح حقيقي.
الممثل يمسك بيده خنجرا من الخشب، لكنه يوحي للجماهير في حذق بأنه خنجر حقيقي, هذا الايحاء يظهر في طريقة حمله للخنجر، وادعاء ابراز ثقله، الايحاء فقط هو المطلوب، فالخنجر او السيف عادة مايكون ثقيلا بما يرهق الممثل او يعطله عن دوره.
ويرى تايروف -في رسالته- انه ليس من الاهمية بمكان ان يعتقد الممثل فقط بان الخنجر قد صنع من الخشب، لكن الاهم منه ان يبرز الممثل التمثيل ليوحي أو يوهم الجماهير بان الخنجر قادر على الطعن وقتل الغريم في المسرحية, ومعنى ذلك أنه لاتكفي للممثل حالة التخيل، لكنه مطالب ايضا بابراز قوة هذا التخيل في دوره.
الولد الصغير يجلس على كرسي، ويقوده متخيلا انه حصان, لكن الكرسي ليس حصانا, والولد نفسه يعرف ان الكرسي ليس حصانا، لكنه يتخيل ذلك, يتخيل انه يستطيع ان يقود الكرسي ويسافر به الى مسافات بعيدة, وهو ما معناه أنه بمعاونة من قوة التخيل عنده، يعوض نواقص الكرسي في التحرك والسفر خالعاً على الكرسي صفات الحصان.
التخمين والعثور
تمثل حالتا التخمين ومن ثم العثور على الشيء درجة هامة من درجات فن الاداء التمثيلي في منهج الرسالة الرفيعة, بمعنى ان ولدا صغيرا يشهد حادثة مروعة، يعود الى بيته فيحكي مارآه لوالديه, هذا النوع الدنيوي من الحكاية او الرواية هو في حد ذاته فن وتمثيل, فالولد ينقل صورة الحادثة، وبالتمثيل, لكن اذا قص الوالد بعد ذلك ماسمعه من الابن على شخص آخر، فان هذه الحالة لاتسمى تمثيلا، ولاتنتمي الى الفن في شيء, لماذا؟
لان الوالد يصبح شاهدا على حكاية سمعها, والولد حين قص الحكاية تخيل الحادثة المروعة ثم قصها, لذلك نعتبر ماقدمه الولد الصغير فنا من فنون التمثيل, لان التخمين والعثور على الحكاية ورؤيتها ثم قصها هو عمل تمثيلي, هذا مثل لتقريب الصورة الفنية الى القارىء، فالاحاسيس على خشبة المسرح تصل بطريقة مختلفة عما تحدث به في الحياة العامة.
ففي الحياة تصل الاحاسيس بطريقة مباشرة (ترى حادثة معينة فتحس بالالم والمرارة فورا).
وذلك لان الاحوال المحيطة بالحادثة ساعة وقوعها وساعة احساس الانسان بها تكون على علاقة حية.
فالاحساس، والتخيل، وعمل قوة التخيل، وتصوّر مكان الحادثة وألمها ومرارتها, كل هذه العناصر يجب ان يعمل الممثل في المسرح على استدعائها، وتخيلها ومن ثم احضارها امام المتفرج القابع في صالة الجمهور,, اي ان مايجري على المسرح هو تخيل احوال هي في الاصل مفترضة, بمعنى افتراض ينبني عليه افتراض آخر.
يقول تايروف ,, (سأتخيل) أن في حجرة نومي لصا, يتولد عندي شعور بالخوف او الهلع بحسب قوة شخصيتي وقوة جسدي, ثم يتبع ارتفاع في دقات القلب الى اسرع (طبعا لا دخل للاحوال الحقيقية هنا) فالحادثة لم تحدث بالفعل, وانما قال تايروف (سأتخيل) وهذا مايحدث تماما في حالة المسرح.
تعبر (الفكرة) عند الممثل السبق عن الحوار لكن الواقع اذا ماعالجنا في دقة فن الاداء التمثيلي، فاننا نصل الى تأكيد هذا السبق, فالفكرة تسبق الكلمة حتى ولو لم يظهر ذلك للمشاهدين, وقد يبدو للمشاهد ان التخيل يسير في خط متواز مع الاحساس عنده، لكن الحقيقة العلمية تؤكد ان قوة التخيل عادة ماتسبق الاحساس، تماما كما في حالة الشعراء حين يحسون بالشيء، فهم ينفعلون به او لاينفعلون ثم يحررونه ابياتاً ومقاطع.
وبعد التخيل وقوة التخيل والتخمين والعثور، يدخل الممثل الى مراحل التنفيذ التطبيقي تعبيرا عن الداخل الى الخارج في الحوار والحركة وفي كل مايحيط به من خطوط ايضاحية ومادية وفنية، وهو لذلك يستعمل وسائل معينة للايضاح والتعبير,
وهي وسائل تعود في كثير من الاحوال الى طبيعة وثقافة وذكاء وذوق الممثل, أما قوة التخيل فهي المصاحبة له في هذه المرحلة الدقيقة باعتبارها المصدر والاساس.
والممثلون العاديون معذورون في وسطهم الفني او في الدرجة المتوسطة من تمثيلهم، لانهم يستعملون في هذه المرحلة وسائل متوسطة المستوى, يختلفون فيها عن زملائهم النابهين الذين - بحكم قوة التخيل عندهم- يستعملون وسائل تحقيق غير عادية,, وهنا يكشف القياس الفرق بين هؤلاء وهؤلاء.
الحالة الإبداعية
عادة ماتكون الحالة الابداعية نتيجة للارادة الفنية,, هذه الارادة التي لاتسير في خط مستقيم واحد بقدر ما ترتبط بعدة خطوط وموضوعات ورؤى، تنم عن الموضوع، والفكرة، ومتطلبات التنفيذ، والسير نحو الهدف, وفي فن التمثيل، فان الحالة الابداعية تتجسد في الاهميات والجوهريات النفسية والجسدية (الفيزيكية), نتيجة جيدة = فكرة بارعة+ سونيتا (القصيدة التي تتألف من 14 بيتا) EPIGRAM + SONNET والمقصود بالتشبيه الموسيقي هنا هو المتتالية السونيتية ,, اي سلسلة من السونيتيات ينظمها موضوع موحد, وماهي نفس الحالة في فن الممثل, سلسلة من الانفعالات (النفسيات ) والحركات (الفيزيكيات) تؤدي الى موضوع موحد,, هو الشخصية المسرحية اللامعة.
ونصل الى افكار محددة في رسالة تايروف الرفيعة التي حللها من عدة وجوه وعدة زوايا، يرى فيها المسرح على الصور التالية:
المسرح:
خدمة جماهيرية,
خدمة للفكر والعقل.
خدمة للشعوب.
خدمة للوطن.
خدمة للانسان.
الفن:
بطل يدعو بين الناس.
الطريق:
اخراج المحتالين
والدخلاء وسمك القرش المفترس من ساحة المسرح.
(1)العضوانية نظرية تقول بأن العمليات الحيوية- كالتمثيل- عادة ماتنشأ من نشاط أعضاء الكائن الحي كلها بوصفها نظاما متكاملا.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved