Sunday 5th September, 1999 G No. 9838جريدة الجزيرة الأحد 25 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9838


تلويحة
العولمة والهوية!
عبدالعزيز مشري

من الامور الملحّة التي تشغلني وبهيئة ربما كانت صعبة الاستنتاجية,, امر العولمة والهوية، ذلك ان العولمة في منطلقها واستراتيجية موقعها ، لاتبدو بأية حال غبية الطرح او الدراسة,, بل التخطيط، وإذا كانت من جانب آخر في ايجابياتها قادرة على هتك الستار التخلفي ولو شكلاً,, باعتبار الشروط التي يجب الاخذ بها لايمكن ان تراعي مسألة التأخر في المنظور التخلفي لحركة الإنسان نحو العصرنة,, أي أنها تتوجب مناخاً انفتاحياً جهة العالم بأشمله، ولا اظن أن هناك خياراً في شأن الانفراد,, اذ لابد من الدخول في الصياغة الجديدة، المرتبطة بأمور الحياة من ابسطها الى اكبرها، ومن اكبرها الى اكثرها تعقيداً,, لذا فشأن الاختيارية -حسبما يبدو- لامكان له، واذا كانت جلسة بقناع برر باجندة الديموقراطية النابعة من منطلقها الذي جاءت منه - اي العولمة- اساساً,, فإنها قابلة للشك، وتحديداً الديموقراطية ,, ذلك ان الواقع المشهود اليوم في مناطق العالم لايدل ابداً الى عودة مقولة فرق تسد هي المسيطرة، وبصورة تختلف - تاريخياً - عما كانت عليه في الماضي، بالطبع انه للشأن طبيعي حسب القانون التاريخي الذي لايخضع للمقولات الجاهزة كأن نرى ان التاريخ يعيد نفسه .
أعود الى التساؤل المقلق: ماذا عن كيفية العولمة مع الهويات التي حافظت على استمراريتها الشعوب، وحرصت على خصائصها عبر جدلية التاريخ، وهل يعتبر الدخول في العولمة اللااختيارية، منزلقاً لامرد عنه,, ام ان امكانية التمتع بالاثنتين معاً يبقى امراً ممكناً في اطار الموازنة؟!.
يقول امين معلوف في كتابه الهوايات القاتلة كتابه الجديد ، حيث اتخذ من قضية الشخصية - الفرنسية اللبنانية- مثلاً تطبيقاً:
أنه ليس ثمة هوية منغلقة على اطر ومحددات معينة في هذا العصر المنفتح على كل شيء، وحيث التأثيرات المتبادلة تلف الكون بأسره، فلكل فرد هويته الخاصة المتميزة عن كل فرد سواه، ولكل هوية فردية تركيب خاص من العناصر،حيث تتبدل الافضليات والاولويات بين عنصر وآخر، تباعاً لكل صاحب هوية على حده.
ويواصل قائلاً:
اذا كان الدين واللغة والعرق والعادات والتقاليد والاذواق مما يؤلف الهوية,, فإن عنصر الدين يطغى على باقي العناصر في موقف معين، وفي ظرف محدد، ولدى شخص بعينه دون سائر المواقف والظروف والاشخاص، وهكذا الامر نفسه بالنسبة لباقي العناصر المكونة للهوية فالهوية لاتعطي دفعة واحدة,, بل هي تبني وتتحول على مدى الحياة ص27،28 عكاظ هشام عليوان - بيروت-.
***
اعتقد أنه- هنا- مفهوم الروائي امير معلوف ، والذي رأى فيه عليوان خروجاً عن مسار الكتابة الروائية,, باعتباره (قد كتب كتابه الاخير الهويات القاتلة باسلوب تقليدي معبأ في فصول جادة مليئة بالشواهد والادلة ، واللجج والمقايسات والمقارنات، وصولاً الى اقتراحات وحلول معينة للتمزق الذي يصيب كل فرد منا، في عصر العولمة المتسارعة من كل صوب).
اعتقد ان امير معلوف قد وضع اجتهاده ضمن رؤيته الخاصة في هذا الشأن المقلق من العولمة، وارى انه قد اجاب علىجزئية مهمة من هذا القلق الذي تنظره، او ننتظره في مسألة الهوية، ولكن، هل الهوية العربية هي الموقف الذي يخاف على وحدته الى الحد المقلق؟, إن الامر لايؤخذ به من هذه الزاوية بعينها,, فأمر الهوية ليس كامناً في الواجهة الرسمية او المؤسساتية المعلنة,, انه يتمركز في التكوينية الشعبية الاجتماعية، اي في اساسية البنية، وليس في الواجهة، وليس في الوحدة القومية التي لم تتحقق ولايبدو لها اي معلم للتحقق في زماننا اليوم بحكم الاختلافات الواضحة، والمعقدة.
***
ان العولمة لن تنظر ابداً الى مسائل الهويات والوانها، ولن تأخذ بهذه الاعتبارية في مخططها، بل انها تعتبر مسألة الهوية أحد أهدافها المهمة التي يجب تجاوزها وطمسها للوصول الى غاية العولمة، وضمن استراتيجية اقتصادية عالمية - تبدو متبادلة- لاخيار لنا فيه، وضمنياً فإن الهوية الاجتماعية ستبقى مدعاة للانهيار، وسوف تدفع ضرائب كبيرة لماضي الشعوب التي نامت طويلاً تحت ديموماتجية المؤسسات، وبالتالي فإن الوقت لن يتوقف عند رغبة التحايلات والمراوغات التي تباشرها تلك المؤسسات فيما مضى.
إن المصالح العامة ستضع في احضان التفاعل بصورة او باخرى مع الكيانات العدائية دون أن تكون هناك محاذير أو توقعات مشروعة يمكن مزاولتها، فأمور السلام تحديداً لن نعتبرها مجرد صدفة دعائية، بقدر ما نؤكد بانها - طبعاً- تسير ضمن استراتيجية مدروسة بعناية، ومع ان رغبة العالم في العيش في امان وسلام, الا انه لابد من الضريبة، والضريبة التي تأتي في موضع أكل الكتف .
اذا كانت الهوية في طريقها الى الهاوية,, فإنه امر يستوجب التحسس بوعي شديد، فماذا يبقى من معالم الانسانية في الارض، وهل ثمة مفر من والى اين، ومن اجل ماذا؟!، لاخيار فالبحر من أمامنا ومن خلفنا وعن يميننا وعن شمالنا ، وعلينا ان نعلم اننا في الطوفان، فليس لنا حدس وليست لنا إرادة في مزاولة الحدس، لأننا لانملك ذواتنا.
***
يبقى السؤال المؤرق فعلاً: ماهو مقدار الحجم الذي سيتمكن من استمرارية المحافظة ولو بقدر يحافظ على الامانة التاريخية والادبية، وهل العولمة هي مرحلة طقسية تمر بكل الهوايات في العالم دفعة واحدة، وفي ظرف مناخي واحد، بحيث يجعل الكائن البشري يعيش لحظته فقط؟.
اظننا سنفتش العناية عن اساليب التعبير الفني بشتى اجناسه، لانه الباقي الوحيد الذي سيحفظ للإنسان هويته وانتماءه وحلمه وامتعاظاته بين التنقيب عن زمانية التراث والموروث،وان غداً لناظره قريب جداً وبعيد جداً، وعريض جداً وطويل جداً، ومجنون جداً او عاقل في آن.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved