Sunday 5th September, 1999 G No. 9838جريدة الجزيرة الأحد 25 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9838


عن قيمة المرحلة
فيصل اكرم

التطور الذي نلحظه يوماً بعد يوم في الطريقة التي تقدم بها نشرات الأخبار على شاشات القنوات التلفزيونية يجعلنا نراهن على أنها هي الثقافة المستقبلية الأجدر بالمتابعة,, أما الثقافة، بمفهومها المتعارف عليه، فقد تضخم وجودها دون ادنى تطور او تجميل، بل على العكس، اصبح كل من يرجع الى الوراء، تقديماً وتكريراً- هو الاكثر اصالة في نظر نفسه وكثرة من أمثاله!, حتى بتنا نقف، أحياناً، على كومة قش ونحسب انها ترفعنا,, وأحياناً نقف على أرجلنا الطويلة ولانملك إحساساً بالارتفاع, هكذا نخدع أنفسنا حين نتصور أن الزمن أكبر إنجازاتنا، وأن الاقدمية تعني الافضلية, فهذا يتفاخر بأنه جاء قبل أن وذاك يزعم أنه قال قبل أن وكأن عبارة قبل أن هي غاية الغايات وأمنية الأماني!
بينما البعد وهو الامل الحقيقي نجده مهملاً وكأنه تحصيل حاصل!!
وبين تصاعدية الزمن وإحصائية الانجاز يقف البعض بين هامشين يجتر الشتات وينصب نفسه استاذاً يملك مفاتيح البوابتين والقدرة على تفنيد المريدين هذا من هنا وذاك من هناك، دون ادنى تبصر لحقيقة موقفه السلبي من ألفه الى يائه، وهكذا ينخدع جيل كامل من الدارسين ولاينجو غير قلة من الموهوبين, والموهبة، هنا، ليست وحياً أو إيحاء، إنما هي الرغبة الصادقة في قبول ما يستحق القبول ورفض مالاجدوى من قبوله,.
بطريقة أخرى: ليس للثقافة ارجل ولاسقوف، وما يمكن ان يقال اليوم قد يكون اساساً (تأسيسياً) أكثر مما قد قيل بالأمس (والمقصود هنا الأمس القريب الذي لايمكن اعتباره تراثاً), فالاشتغال الجاد والمكثف على فترة وجيزة واحدة قد ينتج ثقافة أحفورية أوسع انفتاحاً واعمق تأثيراً من التراكم السطحي على امتداد زمن تجاوزه الزمن, فالابجديات كافية للانطلاق، ومن ثم يأتي دور التطور والتطوير, والنظام نفسه ينطبق على الزمن، حيث مسؤولية المؤرخين المعاصرين في غربلة النتاج الفكري بالاعتماد على التأثير وليس على الحضور,, فالحضور، في هذه المرحلة بالذات، يخضع لعوامل لاعلاقة لها بالابداع او الانجاز او التطوير, فالدور الحقيقي لمن يشتغل على الإبداع الثقافي يكمن في مقدار الدفعة التي يقدمها الى حركة بعينها، ولايمكن ان يقاس ذلك على التواجد في الساكن والممتد ركوداً الى عدة عقود تقتضي المعاصرة لأجيال مختلفة، حتى نصف ذلك بالقدر الكافي من أجل تشكيل وعي ناضج، كما يتوهمه البعض، في حين أنه ليس أكثر من إثبات على حضور خافت وضئيل، ولاينمّ عن تجليات المرحلة,.
فالثقافة يأخذها الباحث عنها من مواضع متعددة، كل موضع يجب ان يكون العين في زمانه,, حتى تظل القيمة جديرة باسمها، وينال كل اسم نصيبه من قيمته التي صنعها بإنجازه لابحضوره وحسب.
فلو ان اللجان المتخصصة في الجهات المعنية بإعداد معاجم القرن الاخير في هذه الألفية الثانية تراعي مثل هذه الحساسية في المسؤولية، كان بالامكان تقليص المساحات الهامشية التي لايراد بها سوى إهدار الحبر والورق، علىحساب مساحات اكثر جمالاً وفاعلية,, والقيمة، في النهاية، محسوبة على المرحلة, هذه المرحلة التي تشهد سباقاً عنيفاً وجميلاً ومثمراً في الوقت نفسه، فالاغنية اصبحت تمثيلاً ورقصاً وديكورات مبهرة وسواحل وفضاءات، والدراما التلفزيونية صارت عوالم من الأزمنة والأماكن واللغات والاكتشافات, كل ذلك ينمو ويتطور كل يوم، بينما الثقافة المكتوبة، إبداعاً وتنظيراً، لم تزل دون المرحلة بكثير,, فالبعض مازال يذكر الدمع في العينين في كتاباته، وكأنه يحلق ابداعاً! في حين يخاف من ذكر الشفرة على الحاجبين مثلاً! وقد فاته أن لا صحراء تدهشنا الآن، خارج المطلّات العالية!!
وهذه المرحلة بالذات، سوف تحدد مستقبل الإبداع اللغوي إن كان سيصمد كصمود الأغنية في قلب الكمبيوتر، أو أنه سينتهي كنهاية الشطرنج على طاولاتنا الأثرية الأثيرة!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved