Sunday 5th September, 1999 G No. 9838جريدة الجزيرة الأحد 25 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9838


على الهامش
هل ندفع للقراء يوماً؟!!
حسين المناصرة

جل الكتاب اليوم، إن لم يكن كلهم، يدفعون بطريقة أو بأخرى: مالهم، ودمهم، وعرقهم، ووقتهم، وماء وجوههم، وضياعهم، حتى يصدروا كتبهم.
وغالبا ما تكون المردودات بالنسبة لهم شبه معدومة، إن لم تكن معدومة كليا,, بل بعد صدور الكتب تدفع اجور بريد مضاعفة حتى يوصل الكاتب كتابه إلى صديق في بلد ما,.
وقد يفكر بعض الكتاب مستقبلا ان يدفعوا للقراء حتى يقرأوا ما يكتبون، حيث هناك من ضلّوا ودفعوا للنقاد حتى يكتبوا عن كتبهم,, ولكن الأمر لم يصل بعد إلى القراء,, وإنما مستقبلا ربما يذهب بعض الكتاب إلى بعض القراء فيدفع له عشرة دولارات مثلا، حسب نوعية القارئ، إذ قد يكلفك القارئ ان تدفع له مائة دولار ان كنت موسرا، وإن كان هو من المثرثرين في المجالس عن آخر قراءاته,.
قبل مدة بعث لي احد الاصدقاء الشعراء عشر نسخ من ديوانه الاخير، والشاعر نفسه، إن لم يكن من صف الشعراء الاول في فضاء القصيدة المعاصرة، فهو من صف الشعراء الثاني الذين بنوا القصيدة الشبابية السبعينية بناء متجددا, وهو ممن تجاوزت كتبه عشرين كتابا في كل كتاب خصوصية مهمة نقدا وسردا وشعرا، إضافة إلى انه من نشطاء الحركة الثقافية العربية المعاصرة,, إذ ليس المهم ان نقيم دعاية وإعلانا هنا، بقدر تلك الملاحظة المأساوية الساخرة التي حملتها رسالته، عبارة موجزة موحية مرعبة تصور حال المبدع الذي يعاني من ازمة التغييب والتهميش,.
يقول في رسالته: "أخاف ان يأتي يوم يطالبنا فيه القراء بثمن ما يقرأون!!"
أليس في هذه المقولة مرارة السخرية التي ما بعدها سخرية!! ومن المسؤول عن هذه الحالة من التردي التي غدت تواجه الابداع الجاد، تواجه مبدعين جادين كان من المفروض ان يكونوا طليعة اية ثقافة حضارية لأية أمة؟!
لازلت أذكر عندما اصدر احد الاصدقاء، مجموعة قصصية، ونحن في السنة الثالثة الجامعية، وقد اتفق ان يدفع لدار النشر خمسمائة دينار اردني، دفع نصفها بالديون مقدما، وكان الشرط ان يوزع زميلنا تدريجيا ليتم بقية المبلغ، حتى يأخذ بقية نسخه,.
أخذ كل منا، ونحن مجموعة من الزملاء، عشرة نسخ ليوزعها، وما زلت حتى هذه اللحظة اشعر بالاحراج، إذ ما أن اعرض نسخة على اصدقاء حتى اواجه بسيل من التهم، كان اقبحها: كم نسبتك من التوزيع؟!
والمهم في النهاية انني اعطيت بعض النسخ مجانا، ودفعت لصديقي القاص من جيبي عشرة دنانير، والكارثة انه عرض عليّ توزيع عشر نسخ اخرى؟!
والأمر نفسه حدث بعد سنة مع صديق شاعر، وكان ان اخذت عشر نسخ لتوزيعها، فأعطيته عشرة دنانير بعد اسبوعين,, ووزعت ديوانه هدايا!! ولا تظنوا أن جيبي كان اثرى من جيوب الزملاء، لانهم ربما كلهم فعلوا مثلي!!
ولا زلت أذكر ان شخصا ما عندما عرضت عليه ديوان الشعر هدية، طالبني بثمن اقتناء ديوان الشعر الذي ابدى زهده فيه!!
والمشكلة ليست في الدفع للقارئ، وإنما في ضياع القارئ نفسه، إذ ما ان تمر على نواصي أكشاك بيع الكتب في عمان حتى تجد روايتي أحلام مستغانمي تعرضان بسعر مخفض هو عشرة دنانير لهما معا في كل كشك تقريباً، عدا عن كل مكتبة، وتحتار هل الثمن المرتفع هذا هو ثمن الروايتين ام ثمن صورة أحلام مستغانمي المثبتة بطريقة دعائية على الروايتين!! أم هو ثمن الاثارة للعقول المراهقة؟ وعلى أية حال ليس هذا هو موضوعنا!!
هل نحن فعلا في زمن سيطالبنا فيه القراء ان ندفع لهم مكافآت على ان يقرأوا ما نكتب؟ ربما تكون هذه هي الوسيلة الاكثر جدوى في الازمنة القادمة، وسيكون حظ الكتاب افضل فيما لو تكفلت المؤسسات الثقافية بهذا الامر.
ولعل الاشكالية التي ستبقى ماثلة للعيان، في حال الموافقة على الدفع للقراء، هي كيف نتأكد من كون القراء قرأوا الكتب التي دفع لهم ثمن قراءتها، خصوصا انك لو ذهبت الى صالة اي مشفى في اليوم الذي يصدر فيه كتاب في جريدة، فسوف تجد نسخ الكتاب ملقاة باهمال على المقاعد، لان القارئ يهملها، وكأنها لا تعنيه إطلاقا!! ما دامت كتابا أدبيا أو ثقافيا، هو في المحصلة النهائية فلسفة زايدة عن اللزوم من وجهة نظر القارئ العادي اللاهث وراء كل مستهلك غث وَرِم.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved