اقترن اسم فيصل بن فهد بن عبدالعزيز منذ ما يزيد على ربع قرن بشريحة عرفت بأنها الاهم في بناء المجتمعات, فالشباب هم سواعد بناء حاضر الامة وغدها المشرق، وقد كان المغفور له رمزاً للشباب يزخر طاقة وحيوية وعطاء، ولعل من اصدق الشواهد على ذلك هو ما تحقق للمملكة العربية السعودية من حضور عالمي مميز بسبب انجازات جيل فيصل بن فهد الرياضية، التي كانت سببا في تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة التي لازمت نظرة العالم الخارجي تجاه المملكة العربية السعودية, والحق ان ذلك لم يكن ليتحقق لولا حكمة وبعد نظر امير الشباب الذي اوسع ميادين الرياضة تشييدا وبناء من أقصى المملكة إلى اقصاها، واقترن بذلك توفير الكفاءات البشرية القادرة على الصقل والتدريب وهو الجانب الاكثر اهمية وتعقيدا في جهود تنمية وتطوير المجتمعات.
وشمولية النظرة عند فيصل بن فهد تتجلى من زاويتين مختلفتين، الاولى ترتبط بصدق الولاء للوطن، ويستدل عليها بما كان يؤكد عليه - رحمه الله - من ضرورة استثمار المناسبات الرياضية لتشريف الوطن، ونقل صورة مشرقة عن المملكة العربية السعودية في المحافل الدولية من خلال المعارض المصاحبة، والندوات واللقاءات التي تقام على هامش المناسبات التي تنظم خارج المملكة ولا أظن احدا يستطيع ان يقدر المردودات الايجابية التي تمخضت عنها مشاركة المملكة - على سبيل المثال لا الحصر - في مسابقات كأس العالم حق قدرها، وهي مردودات لم تقتصر على الجانب الشبابي أو الرياضي - على الرغم من اهميتهما - بل تجاوزت ذلك إلى الاعلام والتعريف بجوانب ثقافية وحضارية مختلفة للمملكة العربية السعودية, لقد كان فيصل بن فهد بارعا في توظيف مشاركة المملكة في المناسبات الدولية التوظيف الامثل، وحريصا على زيادة العائد من تلك المشاركات في كل امر يخدم مصلحة الوطن ويعلي من شأنه.
والزاوية الاخرى التي تجسد النظرة الشمولية لفيصل بن فهد تتعلق بعدم تمييزه بين شباب المملكة، وضرورة الاهتمام بكل الشباب وليس أدل على ذلك من اهتمامه بشريحة هامة من شباب المملكة وهم ذوو الاحتياجات الخاصة أو (المعوقين), وأذكر باعتزاز انني كتبت في احدى الصحف المحلية عام 1401ه (1981م) عن اهمية توفير برامج رياضية وترويحية لذوي الاحتياجات الخاصة، فما ان اطلع سموه - رحمه الله - على ذلك حتى استدعاني إلى مكتبه وناقشني فيما كتبت، وكنت ألمس بجلاء لا لبس فيه حرص سموه على هذه الشريحة الغالية من شباب المملكة, ولم يمض وقت حتى بدأت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الاهتمام التدريجي برياضة المعوقين من خلال تنظيم النشاطات والمسابقات المحلية لهم وارسال البعثات للاطلاع والاستفادة مما لدى الدول الاخرى التي سبقتنا في هذا المجال، وكل ذلك مثل القاعدة التي اسس عليها الاتحاد السعودي لرياضة المعوقين عام 1412ه, وقد جدد - رحمه الله - حرصه بالمعوقين برئاسته لاتحادهم الرياضي، وتشريفه لاول بطولة تقام بعد اشهار الاتحاد التي استضافتها جامعة الملك سعود عام 1412ه تبرع فيها سموه - رحمه الله - بمليوني ريال لدعم الاتحاد الفتي والمكتب الاقليمي لشؤون المكفوفين.
لقد شمل فيصل بن فهد بالرعاية والمتابعة والتوجيه والدعم نشاطات الاتحاد السعودي لرياضة المعوقين مؤكدا بذلك شمولية النظرة لشباب المملكة، ،كان نتيجة لذلك ان تمكن الاتحاد - بعد توفيق الله - من الانتشار داخل المملكة من خلال اكثر من عشرة مراكز تدريب في مدن المملكة المختلفة وتنامى - وما يزال - عدد المستفيدين من برامجه، وتمكنت منتخبات الاتحاد المتعددة من تحقيق انجازات متميزة على شتى المستويات، يشهد على ذلك المراكز المتقدمة والميداليات التي احرزها شباب المملكة من المعوقين، وقد كان - رحمه الله - حريصا على تحفيزهم وتشجعيهم ومكافأة المتميزين منهم ولسان حاله يقول ان هذه المكافآت ستدفعهم وزملاءهم للمزيد من العطاء، وسوف تساعدهم في الوقت ذاته على تحمل مصاعب الحياة، وكان - رحمه الله - في اكثر من مناسبة يلاطف الرياضيين المعوقين، ويشملهم بتوجيهاته السديدة، يقوي ثقتهم بأنفسهم ويرفع معنوياتهم التشجيعية التي تؤكد على ضرورة عدم الاستسلام للاعاقة واهمية ان يركز الفرد المعوق على جوانب القوة في شخصيته وان يعززها بالعمل الدؤوب والمثابرة، مجسدا بكل ذلك ما كان يختلج قلبه الكبير - رحمه الله - من حب للانسان، ومعبرا عن احساسه المرهف بمعاناة الآخرين, والآن وقد مضى فيصل بن فهد إلى الدار الباقية لا نملك إلا ان نبتهل الى الله عز وجل ان يشمله بوافرغفرانه، وان يجزيه خير الجزاء على ما قدمه لامته, ولا أظن اننا سنوفيه حقه - وإن اجتهدنا - ولذلك فإنني اقترح انشاء مركز متخصص لرياضات المعوقين يحمل اسم سموه الكريم تخليداً لذكراه العطرة في واحد من اكثر مجالات البذل التي كان يهتم بها - رحمه الله.