بنهاية يوم أمس يكون قد انقضى من القرن الحالي (القرن العشرين) تسعة وتسعون عاماً وثمانية شهور بالتمام والكمال، ولم يعد يفصلنا عن اليوم الاول من القرن الجديد سوى مائة واثنين وعشرين يوماً, وباستعراض سريع لصفحات التاريخ، نجد ان ايام قرننا الذي يمر بحالة احتضار، خليط من الاحداث السعيدة والاحداث المأساوية, في الجانب الايجابي، لايمكن اطلاقاً تجاهل الثورة العلمية الهائلة التي شهدها العالم، والتي جاءت -بعد ارادة الله- نتاجاً لإبداع العقل البشري، وخصوصاً في مجالات المعلومات والاتصالات والطب والهندسة الراثية الوراثية والفضاء,, الخ, في المقابل، كانت الكرة الارضية ببرها وبحرها وغلافها الجوي مسرحاً للعديد من الاحداث التي جلبت على البشرية النكد والتعاسة، بعض هذه الاحداث تسبب الإنسان وبشكل مباشر في وقوعها، وبعضها الآخر كان الإنسان ايضاً سببها وإن كان بصورة غير مباشرة، اما الفئة الثالثة فقد جاءت بفعل الطبيعة تنفيذاً لنظام السنن الكونية الذي اقره الباري عز وجل لحكم يعلمها هو وحده.
من الكوارث الطبيعية تأتي الزلازل على رأس القائمة لجهة معدل حدوثها وحجم الخسائر البشرية والمادية التي تخلفها ، اذ يؤكد العلماء ان عدداً كبيراً من الزلازل يضرب الكرة الارضية يومياً وخصوصاً في البحار والمحيطات، ولايشعر الناس منها الابتلك التي يرتفع مؤشر قوتها على مقياس رختر وتحدث اضراراًومن ابرز الزلازل المسجلة في هذا القرن يأتي زلزال غانو بالصين في 16ديسمبر 1920والذي أودى بحياة مايزيد على 200 الف شخص، وزلزال نان شان بالصين ايضاً في 22 مايو 1927 وأودى بحياة عدد مماثل تقريباً وفي الصين ذاتها كان هناك ايضاً زلزال تانغشان في 27 يوليو 1976 وبلغ عدد ضحاياه رقماً يفوق ربع المليون من البشر, وايران هي الاخرى كانت ميدانا ً لبعض الزلازل المدمرة، من ذلك على سبيل المثال الزلزال الذي ضرب غرب البلاد في 20يونيو 1990 وراح ضحيته نحو 50 الف شخص، وزلزال 21 مايو 1990 الذي ضرب شمال غرب البلاد وبلغ عدد ضحاياه نحو 40 الفاً،وزلزال 10مايو 1997 في شرق البلاد وراح ضحيته اكثر من 2000قتيل, وفي الهند، بلغ ضحايا الزلزال الذي ضرب غرب البلاد في 30سبتمبر 1993اكثر من 8 الاف قتيل, وفي افغانستان اودى زلزال 30 مايو 1998 بحياة نحو 6 آلاف قتيل,, وفي اليابان اصبح حدوث الزلازل أمراً معتاداً واسلوب حياة بالنسبة للسكان، اذ لايكاد يمر يوم دون ان يحدث زلزال هنا اوهناك من اي جزيرة يابانية, ولم تسلم اندونيسيا ومصر واليمن ونيوزلندا وتايوان والولايات المتحدة ومناطق اخرى من العالم من حدوث مثل تلك الزلازل، وغني عن التذكير المأساة التي تعيشها تركيا حالياً على اثر الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب البلاد قبل نحو اسبوعين، والذي من المتوقع ان تصل حصيلته النهائية الى نحو 40 الف قتيل ومئات الآلاف من المتضررين, لقد زاد ضحايا الزلازل التي ضربت الكرة الارضية بهذا القرن عن 600 الف شخص واضعاف مضاعفة من الجرحى والمتضررين، واضحت الزلازل بالفعل علامة فارقة ضمن احداث هذا القرن.
وبجانب الزلازل تأتي الفيضانات والاعاصير، كنموذجين آخرين للكوارث الطبيعية التي لحقت آثارها المدمرة بمناطق شتى من المعمورة خلال القرن العشرين، وقد سجلت السنوات الاخيرة ارقاماً قياسية لهاتين الظاهرتين سواء من حيث معدل حدوثهما او لجهة ماتخلفانه من اضرار بشرية ومادية, قبل بضعة أسابيع على سبيل المثال، اورد الاتحاد الدولي للصليب الاحمر والهلال الاحمر ان فيضانات نهر يانغتسي في الصين تسببت في قتل نحو 500 شخص وجرح اكثر من 24 الفاً وتشريد ملايين البشر، وقد بلغ عدد الضحايا في العام الماضي ولنفس السبب اكثر من 4 الاف شخص، كما بلغت الخسارة نحو 25 مليار دولار, وفي السودان، ادى هطول الامطار الغزيرة الى قتل العشرات وتدمير آلاف المنازل وتشريد آلاف الاسر،وهي ذات الآثار التي تعرضت لها مناطق واسعة في الفلبين وكوريا الجنوبية وغيرها من مناطق العالم, والاعاصير التي تتخذ من البحار والمحيطات مناطق عبور نحو اهدافها على اليابسة، اصبحت هي الاخرى في عداد الزائرين المألوفين ثقيلي الظل، ولم يعد مستغرباً ان نسمع او نقرأ عن الآثار التدميرية الهائلة لاعاصير من قبيل سام و بريت و دينيس و جورج ، وكذلك ميتس الذي ادى في العام الماضي الى غرق قرى بكاملها في اكثر من دولة بالكاريبي مخلفاً وراءه نحو 10 الاف قتيل وثلاثة ملايين مشرد وتدمير الاف المنازل ومئات الاف الهكتارات من الاراضي الزراعية, ويربط العلماء بين الفيضانات والاعاصير التي ضربت مناطق كثيرة من الكرة الارضية من ناحية، وظاهرتي النينيو و النينيا المرتبطين بشكل مباشر بالمتغيرات المناخية، التي يعتبرها العلماء بدورها إفرازاً لظاهرة الاحتباس الحراري،والتي ادت من جانب آخر الى ارتفاع معدلات درجات الحرارة في اماكن عدة من العالم وجفاف وتصحر في اماكن أخرى!!.
هكذا يظهر ان الكوارث الطبيعية من خصائص القرن العشرين بالفعل، ويبدو ان هناك علاقة نسبة وتناسب بين اماكن تواجد الاحزمة الزلزالية الطبيعية تحديداً وبعض الاحزمة الزلزالية البشرية التي تقف خلف كل الاحداث والمآسي التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط في النصف الاخير تقريباً من هذا القرن، ومن يريد التأكد فما عليه الا ان يتذكر ويشاهد ماذا يحدث حالياً في فلسطين المحتلة والعراق وافغانستان وايران وتركيا والقرن الافريقي، وهي مناطق احزمة زلزالية طبيعية كما يقول العلماء، واحزمة زلزالية بشرية ، كما يقول الواقع (!!).
*كلية الملك فهد الأمنية