** المرور,, يطبق هذه الأيام عقوبات صارمة بحق من يتجاوز السرعة المحددة,, وهو الغرامة والسجن للمخالف.
** نعم,, يتم سجن كل شخص يتجاوز السرعة القانونية ولو تجاوزاً بسيطاً جداً,, إذ أن الرادار وسيارة الدورية سيكتشفان هذا التجاوز,, ثم يوقف المخالف لتنتظره سيارة الدورية,, أو أتوبيس مليء بالركاب,, ولكن هؤلاء الركاب هم زملاؤه في السجن.
** والسيارة التي اوقفتك,, لا تأخذ ولا تعطي,, ولا تسمع ولا تناقش ولا مجال للحوار او الحديث,, كل ما عليك,, هو أن تترجل من سيارتك وتأخذ الاجراءات الاولى للدخول الى السجن وتصبح سجيناً.
** والقرار,, عندما اتخذ,, لا شك انه كان مبنياً على دراسات واحصائيات دقيقة,, وبني ايضاً,, على رأي خبراء ولجان ومستشارين أدركوا ان الأمور تحتاج الى اجراءات صارمة لوقف العابثين والمستهترين والمتلاعبين بأرواح الناس,, وعلى رأسهم,, اولئك المتهورون في السرعة.
** هؤلاء,, لا شك,, الجميع يؤيد سجنهم,, والجميع يؤيد عقابهم عقاباً صارماً,, والجميع,, يرى ضرورة وضع حد لاستهتار هؤلاء المجانين.
** نعم,, نحن نشاهد هؤلاء العابثين في الشوارع,, ونشاهدهم في كل ميدان.
** نشاهد عبثهم,, وجنونهم,, ونشاهد الحوادث والكوارث التي تسببوا فيها,, ونسمع عن الارواح التي ازهقت من شيوخ واطفال ونساء وخلق كثير,, نتيجة جنون هؤلاء المراهقين,, اذ لا بد من قرار صارم,, ولا بد من اجراء شديد بوقف هؤلاء,, فكانت عقوبة السجن تلك (24) ساعة في حق المخالف,, كردع وزجر لهذا العابث او ذاك.
** ولكن الملاحظ في تطبيق هذه العقوبة هو ما يلي:
** أولاً,, انها بالفعل تطبق بحق الجميع,, كل من خالف,, وكل من اسرع,, يسجن دون النظر في هذا الشخص,, فقد تكون سرعته زلة رجل لا تعكس اخلاقيات ولا طباع ولا سلوك الرجال,, فقد يسهو وتزيد السرعة قليلاً,, ويكون هذا الانسان شايب أو مما جاوز التسعين,, ومعه زوجته وأولاده,, او ينتظره مشوار مهم,, ومع ذلك,, فإن الدورية لا تأخذ ولا تعطي معه,, بل تساويه بالمراهق المجنون المستهتر ويزج بالجميع في السجن.
** صحيح,, ان هذا اجراء عادل,, فهذا مسرع,, وهذا مسرع والقانون والنظام وهكذا يقول لكن القانون والنظام ليس أصماً,, وليس أعمى,, بل ليطبق على من شرّع له وليس على هذا المسكين الذي جاوز النظام لثانية او دقيقة وهو غافل,, بل ان المطلوب هو ذاك الذي جعل السرعة والجنون والمغامرات ديوناً له,.
** قد يقول رجل المرور,, وكيف أفرق بين هذا وذاك؟.
** فنقول له,, ان هذا سهل جداً,, فالمظهر أولاً,, يدل على الشخص,, ونوعية السيارة وشكلها مؤشر آخر,, ثم حجم السرعة التي ضبط بها الشخص,, فلو ضبط شخص يمشي بسرعة (160) كيلو مترا في الساعة,, فاليعاقب كائناً من كان,, ولكن عندما تكون السرعة محددة في الدائري ب(120) كم في الساعة ويأتي مراهق يمشي بسرعة (180) كم في الساعة,, وشخص عاقل هادىء يمشي بسرعة (125) كم في الساعة,, يزج بالجميع في السجن,, فهذا,, هو الخطأ.
** ثم,, اذا لم يكن بوسع الدورية نفسها ان تفرق بين هذا وذاك,, فليكن هناك مكتب داخل القسم المختص بالسجن,, يفرز هذا وذاك,, ويفرق بين من يستحق السجن ومن يستحق الغرامة,, وبين من يستحق التأنيب فقط,, فاللبيب بالاشارة يفهم,, ولكن هناك من لا يفهم لو سجن عشرين سنة.
** ولك أن تتخيل,, كيف سيكون شعور مراهق مجنون مفحط مستهتر عبث وفحط وتجاوز السرعة وقطع الاشارات,, ثم اخذ الى السجن,, فوجد في السجن معلمه او مدير المدرسة,, أو ربما وجد أباه او عمه الأكبر,, لمجرد ان هذا او ذاك زلَّت قدمه قليلاً,, وتجاوز السرعة شيئاً يسيراً,, ليجد نفسه في السجن.
** كيف سيكون شعور هذا المراهق المجنون؟.
** إن الأمر سيهون عليه ويدرك ان السجن للجميع وانه لم يعد تربية واصلاح وتهذيب,, بل مسكناً خاصاً للجميع,, وأنه لم يعد ليمضي عقوبة,, بل هو مجرد اجراء يشمل الجميع.
** ليت الدوريات التي اعتدنا منها الدقة والاجتهاد والحماس والاخلاص تراجع اسلوبها في سجن المسرعين,, وتحدد بالضبط من الذي يستحق السجن ومن لا يستحق,, فلقد سجن اكاديميون وادباء واساتذة ومثقفون وأطباء وشياب ورجال من اعقل خلق الله,, وذلك نتيجة سهو بسيط منهم - لا يعكس اخلاقيات هؤلاء ولا سلوكهم ولا ممارساتهم الحياتية,, ليجد كل واحد منهم نفسه داخل السجن بتهمة السرعة الزائدة ويساوى بمراهق مجنون كل حياته تفحيط وجنون ومغامرات.
** أطمع في مراجعة هذه النقطة,, وليتنا نسمع رداً من الدوريات حول هذه النقطة علماً بأننا نؤيد ونشجع وندعم ردع المتهورين بالسجن وغير السجن,, لأنهم فعلاً اهلكوا عباد الله,, وعثوا في الأرض مفسدين,, وابسط ما يعاقبون به,, هو سجن يوم وليلة,,ولكن ان يكون النظام هذا أصماً أعمى,, ويطبق بحق كل من زلت به قدمه ولو لثوان فهذا ما لا نريده,, ونجزم ان رجال الأمن لا يريجون ولا يسعون اليه لأن لهم غاية ولهم هدفا,, ولهم قصدا وهو حماية المجتمع من هؤلاء المستهترين والعقلاء ليسوا مستهترين.
عبد الرحمن بن سعد السماري