إذا كنت من جيلي او بعده او قبله فأعد مراجعة حساباتك وعدل طريقك او اقبل الرحمة من الله في نفسك الضائعة التي اضاعها زمن غير أزمنة الثقافة والحب والجمال.
اذا كنت مثلي قبل ان تدرج نفسك في قوائم الثقافة اقرأ جداول حسابك السابق لأن الامر تغير كثيرا وصرنا من الاجيال الثلاثة الحية ضحايا للتغير الزمني الذي يصيب الفكر والروح وكل مفردات الثقافة الاجتماعية بسبب ترسخ الهزيمة وتقادم المشروع الثقافي الابداعي وقحطه,, وتحتل وظيفته ارهاصات مؤقتة من ثقافة الغوغاء تنتهي حيث بدأت ويظهر على حساب الثقافة امواج من التسطيح في كل ابواب وفنون الجمال، ويكون لها ثمن جماهيري غوغائي فاحش تدفع الجماهير له فيترسخ فقر الصفوة او انحطاط قيمها الإبداعية.
وتبدي الصفوة عدم رغبتها في مفردات المشروع البنائي بتراكمه وابداعه لجدبه او نهايته المهزومة فتزيد مشكلة الغنصام تفاقما.
اذا كنت من جيلي او بعده او قبله وكنت في ايام الاماني الخضراء تريد ان يكون اسمك اسم مؤلف براق مثل تلك الاسماء التي تقرأها على احسن مقتنياتك من الكتب العربية والاجنبية,, وسعيت لذلك,, واعطاك الله ما اعطاط وألفت عشرة او عشرين او ثلاثين من الأعمال بأي نوع وجنس وبصراحة او تلميح وعرضت حياتك من خلالها على حبال التنشيف ولم يشترها منك أحد وعدت وطبعتها ووزعتها واستعدتها نسخا من الورق المليء بدود المستودعات وعفنها ورطوبتها,, فأنت المخطئ بحق نفسك لأنك لم تدرس السوق الذي ترك الكتب لأهلها والمكتبات لرهبانها وصمتها وغفوتها إلا من باحث لا يبحث الا لانه لا يجد ما يفعله,, أنت المخطئ لأنك لم تكن تعرف ان ثقافة القارئ الرائع الذي أعمت عينه الكتب انتهت الى غير رجعة ومات المشروع وانطفأ الموضوع في كل ما كنا نعتقده اتجاها فكريا ونتحاور من أجله.
إذا كنت مثلي قد اضعت مالا ووقتا في تصيّد الكتب والمكتبات وتعلم الكثير مما لا يتعلمه احد وبحثت عن ورق اصفر وصبرت على الأذى وجمعت منها ما يثقل ظهور الإبل بعد ان قترت في عيشك وعيش من تعول فيما لا يفيد في زمننا هذا,, اذا كنت كذلك وجاءك صديق يحمل قرصا صغيرا وقال لك ان الفا مثل مكتبتك تباع على هذا الشريط الضوئي الإليكتروني بثمن بخس فلا تبك لأنك تبكي وحدك ولا تحاول تصيد الاغبياء لشراء مكتبتك بل احرقها مع باقي اوراقك حتى لا يتسلل عفنها ودودها الزاحف الى منزلك فقد انتهى عصر الحب الجميل وانتهى وقت كنت تفتخر به بمقتنياتك من الكتب النادرة وبما حققت من درجات الثقافة والإبداع وتقرأ لاقرانك ما لا يدرون ماهو,, اقول انتهى ايها الصديق.
اذا كنت مثلي استمعت الى كلاسيكيات الموسيقى قبل ان تعلم ما تعني ثم أدمنتها في الحان العرب المنحولة منها على يد الرحابانيين وعبدالوهاب وغيرهم وما زال من ذلك الجمال (من موزار وبيتهوفن وكوبلاند حتى مقطوعات جاز لوزيانا,, ومجموعات فينا القديمة واسطوانات محمد عبدالوهاب وفيروز وغيرها) فلا تؤذ أذنيك بخشخشة القديم لقد أتاك التسجيل الرقمي الذي افسد أذنك الموسيقية عن سماع اي صوت غيره.
أنا معك,, ومعنا كثيرون يعتقدون أنها أعمال مزيفة ولكن هي الواقع وهي ما يباع ويشترى,.
ضياع الفرص,, أم فرص الضياع
كانت الولادة للمسرح السعودي التقليدي تقليدا للمسرحيات التجارية العربية والدراما الاذاعية المصرية وكثير منها سرد درامي حكائي للمشكلات الاجتماعية,, ثم تلت ذلك مرحلة غير اجتهادية قام بها الاخوة العرب وكان لبعضهم ميل ثقافي مما ارسى بذور المسرح النخبوي,, واخرج القيم المسرحية من الفهم القاصر لدى بعض المنفذين والمجتهدين,, هؤلاء العرب بعضهم كان نخبة في وطنه,, او ممن تعلموا خارج العالم العربي,, وأذكر منهم الاستاذ الكبير ابراهيم جلال رحمه الله,, وجميل الجودي,, وعبدالغني بن طاره وابوبكر الشلقامي ومصطفى عبدالخالق وغيرهم كثير مما يحتاج سرد اسمائهم صفحات كثيرة من مختلف مناطق المملكة,, وكثير منهم الآن يثري الساحة بإبداعاته ويقدم تفريخا مسرحيا رائعا للمناطق التي يعيشون فيها.
كان هؤلاء وغيرهم من المخرجين يفتقدون الطاقات المدربة والمحترفة فينتقون من الهواة من يسدون ثغرات العمل ويدربون شبابا لم يعتلوا المسرح في حياتهم,, ويقدمون باجتهادهم أعمالا ترقى احيانا الى المستوى العربي النخبوي,, لا يخذلهم الا نقص الامكانات الفنية وفطرية تمثيل الأدوار مما كان يهبط بمستوى العمل تنفيذيا.
اليوم الحال غيره بالأمس فخلال ست سنوات او ثماني انتشر المسرح بمفاهيم مختلفة عبر أرجاء المملكة لأسباب سبق ذكرها,, كما ظهر في الأفق منافسون غير كلاسيكيين على مستوى الدول العربية الغائبة لوقت طويل ودول خليجية مثل دولة الامارات التي استطاعت النهوض بقطاع المسرح والثقافة بشكل تصعب منافسته وكذلك سلطنة عمان,, في نفس الوقت فإن جهودنا رغم كثرتها لم تطور نوعية مسرحية بل بقيت مكانها تراوح,, وكلمة في سركم فليس هناك تفوق يذكر في النوع يناسب الكم اذا ما استثنينا قدرات فردية هنا وهناك في وقت تخلى مسرحيونا الرواد عن المسرح واحتموا بذرى الانتاج التلفزيوني.
الخلايا المسرحية المستمرة يسندها ويدعم بقاءها متطوعون وهواة وهي محددة في مناطق قليلة غير ان هناك انتشارا أفقيا لم يؤت ثماره بعد لانعدام الاحتراف وعدم قدرة الموارد المتوفرة على العطاء.
فرص كثيرة ضاعت او اضاعتها بعض الادارات التنفيذية لم يفد منها امثال راشد الشمراني وغيره لكن التلفزيون يضيع علينا وجودهم المسرحي, (سأتحدث من الصديق راشد الشمراني صاحب اول مسرح نخبوي بالمملكة في مقام قادم لأن الحديث عنه جميل وطويل).
|