هكذا أثر,,. فهد العتيق |
* بعد ان خرج، ترك في المكان، خلفه، صدى ضعيفاً لصوته، كان يحاول جاهداً اللحاق به، او يطير من النافذة الى الفضاء الواسع، وترك ايضاً صدى سؤالاً صغيراً طرحه على نفسه بصوت مرتفع قبل ان يغلق الباب.
حين مشى في الشارع الضيق والمظلم والرطب الذي سوف يُفضي به الى شارع آخر شعر انه ترك شيئاً مهماً في ذلك المكان، او كأن شيئاً ما يسير خلفه، ربما وجوه لا يعرفها او ظلال ارواح هائمة مع إحساس حاد بأنه ليس هو، وكان بداخله رغبة ان يسير الى ما لا نهاية، في آخر هذا الليل الطويل، شوارع، تفضي الى شوارع وهواجس لا تنقطع منذ خرج من البيت منقسماً على ذاته وعلى اشياء كثيرة.
كل شيء كان يدعوه للخروج وحيداً في هذا المساء، شتات الذهن، القلق، الحزن والملل، حتى وصل الى سيارته، ركبها ثم انطلق يفكر في اشياء كثيرة، حتى تجاوز آخر اضاءات المدينة، وعم الظلام فبدت الصحراء واضحة بظلامها الخافت واضاءات القمر والنجوم، ثم هكذا فجأة وجد نفسه داخل خيمة سوداء واسعة في هذا الوقت المتأخر من الليل، يتوسط الخيمة موقد نار كبير وعلى حوائطها تبين ظلال لرؤوس آدمية كبيرة.
ربما يجيء احد الآن,,؟
الخيمة في صحراء، والصحراء في رأسه ورأسه وسط غيمة وظلال الرؤوس الآدمية تتحرك في حوائط الخيمة.
كان جمر الموقد يلمع مع الهواء الخفيف الذي يدخل الخيمة من بابها الصغير، وكان يرى ظله الضخم متمدداً في كل المساحات حوله, بينما يرى رأسه معلقا هناك كأنه ارتكب جريمة ما يُعاقب عليها بهذا التعليق الشنيع، وكان يرى وجوهاً قد بدأت تتوافد على الخيمة، رجال بملابس ثقيلة جلسوا فيما يشبه الدائرة وبدأوا يتحدثون عن اشياء كثيرة، يشتكون لبعضهم البعض او يبكون او يتضاحكون بأصوات عالية، ثم يخرجون يلحقهم صدى اصواتهم الصاخبة، وهو على وشك النوم يرى نفسه قد عاد الى بيته، يغمض عينيه فيسمع اصداء خافتة تتردد بين جدرانه، يظن نفسه نائماً هناك على أريكة وسلك الهاتف مجدول حول رقبته، يفتح عينيه احياناً بتعب، فيرى في حائط الخيمة وجهاً بارداً كأنه لشبح وجسد مرتعش وروح عميقة مليئة بالحزن والاسئلة.
|
|
|