ان القصة فن ابداعي له بنية معقّدة، اصبحت لا تركن للتقليدية، او المباشرة، الخطابية، او النسخ الواقعي,, لقد جنحت القصة الحديثة الى اجتراح فنيتها وجماليتها عن طريق تركيب ادواتها واحداثها وما ينتج عن ذلك من اشارات لحدث مجازيّ، او مركّب لشخصية مونولوغية، او لبنية شعرية,.
اذن، القصة، وضمن هذا التجاوز اضحت محاورة للعالمين الذاتي والموضوعي، يتناوبان عالماً اوسع، هو عالم اللغة التي باتت تحتمل ان تكون بطلاً اساسياً,, يتحرك تبعاً لطاقة القاص المبدع حصراً,, كونه يستطيع التمييز بين المتن الحكائي (ظهور الأحداث والشخصيات) وبين المبنَى الحكائي الذي هو كيفية ذلك الظهور,, وفي المبنى تتضح اسلوبية الكاتب الذي يبتعد عن تصوير وتوصيف وتقليد الواقع,, لماذا؟ لأنه قاص مُدرك للوظيفة الجمالية للقصة القابلة للاضافة,, اية اضافة اقصد؟ تلك الاضافة الذائقية او الرؤيوية التي تسعى الى البروز عبر البناء القصصي الحاضن لمخيلة فاعلة، وكاشفة، تسعى الى ترتيب العالم وخلقه من جديد فهي لا تُكرّر، ولا تقلدّ انما تفك الحُجب عن مجاهيل النفس والكون واللغة سواء عن طريق التداخل الأجناسي الذي تقدمه ام عن طريق تجنيح الخيال نحو ملحمية الواقع وخرافة اللحظة الكاتبة التي تترك للقارىء دوراً خّلاقاً، فيبدع مع القاص بياض النص,, ام عن طريق تشظية وتركيب عناصر القص,.
نحن نقرأ لنعرف ما نجهل,, ولنجهّل ما نعرف,, وعندما بدأت القصة تُمسك بهذه الخيوط، جاورت التصيّر,, ودخلت في اللاثبات,, ذلك لأنها صارت ترتكز على الرمز وعلى تقاطعات الشكل مع ذاكرة النص ومع اشكاليات الحياة: (الموت، الحب، الوجود، العدم، اللغة ذاتها ايضا,,) وهي حين بدأت تفعل ذلك، التهجت اساليب وطرقاً متعددة تنفتح على العمق الداخلي للنص المتشاكل مع العمقين النفسي والكوني، الموازين بدورهما لفضاءات النص كوحدة كبرى مبنية على تفتح وحدات صغرى كولاجية، او تحاورية، او ترامزية او سيناريوهاتية او,, وهذا الدوران الذي تمارسه العناصر متضافرة، جعل الجملة القصصية كثيفة، ودائمة المحاولة في اختزال الزمن داخل لحظة كتابتها,, تختزل لتتشظّى مع محتملات التخييل التي حطمت الاعتياد والمتوقّع، فهناك الجملة المشهدية، والجملة الاشارية، والجملة السيرتية و,,الخ,, فأين قصتنا العربية من كلّ ذلك,,؟لا اقبل ان يقول البعض بأن القصة جنس ابداعي مستورد,, لماذا؟.
لأن (القرآن الكريم) حافل بفنية متعالية للقصة (سورة يوسف مثلاً) مثلما هو حافل بذات الفنية الحاملة للقصة القصيرة جداً (على سبيل المثال سورتا: والضحى / والزلزلة .
وأغلب قصصنا العربية تغلب عليها التقليدية والمباشرة والاستهلاك، وربما كان الواقع الذي رصدته له اكثر جمالاً واحتمالاً وايحاء وشاعرية,, وهناك ايضا في مشهدنا العربي قصص بدأت تغور في الحالة الفنية مشركة كل العناصر، هادمة المقدمات والخاتمات والحبكات,, بانية منها حلمها المتسارد بفاعلية واسلوبية جديدييين لا يستقرئان الحاضر القصصي فقط بل يسعيان الى استشراف قصة الآتي,.
وهكذا أدركت القصة المعاصرة ان على نصوصها أن تكون انحرافاً عن البنية الأحادية، وعن تعريف المعرّف، وعن توصيف الموصوف، وعن بديهيات الاشياء,, انحرافاً جمالياً يستبطن الماهية، ويحولها,, ويتركها قابلة للتشكّل,.
|