Sunday 29th August, 1999 G No. 9831جريدة الجزيرة الأحد 18 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9831


المُصاحِبَات
CONCOMITANCE
كمال الدين عيد

هناك بعض الفنون المستقلة التي تخاطب فن المسرح، أو تشترك معه في ابراز وتأكيد العرض المسرحي, ومن بين هذه الفنون العديدة - مثل الديكور والدراما والاضاءة والاكسسوار - فن الموسيقى.
ولقد تعوّد المسرح والمسرحيون إطلاق تعبير (الموسيقى التصويرية)على بعض المقاطع أو الماذورات التي يختارونها في جهالة وبغير وعي أو دراسة على هذا الاختيار, وهي بغير وعي لأنها في اختيارها وإبان اختيارها تخضع للمزاج العام للشخص الذي يُحدد الاختيار.
وفي تاريخ الفن - علميا - ليس هناك ما يُسمى بالموسيقى التصويرية, إذ ماذا يمكن أن تُصوّر هذه الموسيقى؟ تعبير خاطىء غير موجود في قاموس العمل المسرحي, وقد حانت الفرصة للدعوة الى تصحيحه الى تعبير (الموسيقى المصاحبة).
والغريب ان المخرجين او اشباه المخرجين في المسرح، لعدم معرفتهم بالاصول الفنية أو الدراسة المسرحية هم في الغالب الذين يستعملون هذا التعبير الخاطىء، تماما كما يُطلقون على (الإضاءة المسرحية) لفظة الانارة, إذ شتان بين التعبيرين, فالانارة تُطلق على شيء يُنير المكان, أما الاضاءة - وهي صناعية ايضاً - فانها تنقسم الى عدة أهداف منها الواقعية أو الطبيعية كدخول أو إشراقة الشمس في الصباح، أو النفسية التي تكشف عن خلجات النفس البشرية مثل حالات الفرح أو الحزن.
ونرى ان المقصود بالموسيقى المصاحبة Concomitant Music هي الموسيقى الثانوية التي تلازم بعض المواقف الدرامية في المسرح أو التي تتداخل أحياناً بحكم الموقف الدرامي أو الأحداث، أوكفاصلة بين مشهد مسرحي وآخر أو في بداية العرض المسرحي, وتأتي هذه المصاحبة على عدة أشكال مثل ورودها كلحن اضافي Interlude أو مارش عسكري أو غير ذلك.
تتمركز مهمة الموسيقى المصاحبة في تنشيط المزاج MOOD وتقوية الحالة النفسية وشدّ عزم المواقف الدرامية أو التمثيلية في برامج الاذاعة والتلفزيون, وعلى سبيل المثال فموسيقى تصدر عن التبويق (النفخ في البوق) الفانفار Fanfar أو عن موسيقى السيريناد Serenade لاتُقدمان إلا تأثيرا غاية في الاختلاف اذا ما عزفتا في الخلفية الثانوية مصاحبة لعبارات أو مشهد درامي في مسرحية.
وتاريخيا، يعود أصل استعمال الموسيقى المصاحبة هذه إلى الدرامات الاغريقية القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد, وظلت هذه المصاحبة بعد ذلك سارية في عصر القرون الوسطى (1000 سنة كاملة) ولكن بميل إلى التصوير الشعبي نتيجة كثرة استعمالها، خاصة في درامات الطقس أو مسرحيات الطقوس الدينية Liturgical Drama ، ثم استمر الحال مستقبلا في عصر النهضة في امتداد لاستعمال الموسيقى المصاحبة, دليلنا على ذلك أن وليم شكسبير قد نصّ في بعض مسرحياته على اغان، فانفارات ورقصات, بل لقد كان دقيقا في تحديده لأماكن الموسيقى الثانوية (المصاحبة) في الخلفية مُصاحبة لبعض مشاهد الدرامات (دراما الليلة الثانية عشرة، ريتشارد الثالث، العاصفة).
برع في وضع الموسيقى المصاحبة للدرامات الإنجليزي بيرسل، وبانتشارها امتد هذا النوع الى قاعات الموسيقى المتخصصة لكي تُعزف بمفردها مستقلة في إطار حفلات موسيقية كاملة.
وفي الثلث الثالث من القرن الذي ينتهي بعد عدة أشهر قليلة توصّل علماء الموسيقى الى موسيقى الكمبيوتر Computer Music نابعين ومنطلقين من خصوصية الموسيقى المصاحبة وامتداداتها, لكن موسيقى الكمبيوتر تعتمد اعتماداً كبيرا على أجهزة القياس العددية المتتالية Arithmetic Progression يجري تصميم موسيقى الكمبيوتر برصد الاشكال الموسيقية في الماضي Forms ثم مزجها في حسابات دقيقة، بالأفكار المنطقية ونظام الحسابات.
بدأت هذه الخطط العصرية قُرب الثلث الأخير - كما سبق الذكر - في الولايات المتحدة الامريكية، مُستهدفة ترجمة عناصر المعلومات الحديثة لتصبح برنامجا على جهاز الكمبيوتر يمكن رؤيته على الشاشة في هيئة أفكار موسيقية جوهرية يجري حصرها وتخزينها في جهاز التجميع الالكتروني.
وهذه المرحلة الدقيقة كما يتضح، هي جزء واحد فقط من مراحل عدة تتبع.
أما المرحلة الثانية فتكون اكثر اتساعاً, حين تتجمع معلومات العناصر الموسيقية، ليجري فصلُها كل عنصر على حدة، حتى يشتغل عليها جهاز الكمبيوتر مُجريا متوازيات الألحان والنظام المتريّ لها، حتى يُقدم النتائج.
هكذا يظهر الكمبيوتر في عصرنا كعامل مساعد في الموسيقى لاجراء القياسات والحسابات والاحصائيات في سرعة مذهلة, لكن تبقى بعد ذلك مراقبة العمل الموسيقي وضبطه وتحديد عوامل الانسجام في العلاقات الموسيقية، والعزف، والأداء من مهمة قائدالأوركسترا او قيادة العمل المخرج الموسيقي، التي لا تملُّ التوجيه على الدوام.
عمل بهذه القاعدة الكمبيوترية الحديثة في فن الموسيقى كل من بريو، كونيج، إكسناكيس Berioو Koenigو Xenakis خاصة الاخير بموسيقاه الاستوهاستيكية Stohastic .
حاليا، تجري الابحاث الموسيقية في اوروبا باستعمال المذهب التجريبي لمواصلة الاتجاهات الحديثة، ويحاول علماء الكمبيوتر التوصّل الى ملء الجهاز بمعلومات وأفكار المؤلف الموسيقي نفسه، بغية الوصول إلى تحقيق اكبر لموسيقى الكمبيوتر مستقبلا.
ومن المعروف ان استوديوهات الصوتيات الالكترونية R.C.A. تحتل مكانة واسعة منذ عام 1955م في الولايات المتحدة الامريكية كإحدى المؤسسات الفنية والإعلامية في مجال تنشيط وتطوير موسيقى الكمبيوتر, ويقدم الموسيقي كيج J.Cage عديدا من المعلومات في هذا المجال.
وخلاصة ما نستخلصه هنا، انه بينما قادت الموسيقى المصاحبة إلى الاختراعات الحديثة المعاصرة، يظل استعمال (الموسيقى التصويرية) في المسرح المعاصر(والمتخلف ايضا) نتيجة دخول غير متخصصين الى عالم المسرح، وهم بعيدون اصلا عن الدراسة العلمية التي دخلت الآن كل الجامعات العربية بحمدالله.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved