بلاث عن هيوز الانسان والاسطورة جوّال في العالم,, ومتشرد لا يتوقف رضا الظاهر |
تركت تجربة اللقاء مع الشاعر الانجليزي الشهير تيد هيوز (1930-1998)،تركت زوجته الأولى الشاعرة الأمريكية سلفيا بلاث (المولودة عام 1932 والتي انتحرت عام 1963) تصفه في رسالة الى أمها باسلوب الاسطورة, فهي تستحضر في ذهنها رجلاً هائلاً، ضخماً، معافى، يشبه صوته صوت العاصفة,, يمشي بتشامخ، ويطيل التفكير بهدوء,, عملاق، وقوة عظمى شبيهة بقوى الطبيعة,, يكتب قصائد رجولية، عميقة، مدوية، عنيفة .
ودخلت رؤية بلاث للقائهما الأول العاصف، اذ قالت لقد ضربته بقوة علىخده,, فتدفق الدم في وجهه ، دخلت عالم الفولكلور الأدبي,, وكان ذلك اللقاء في جامعة كمبريدج حيث كانايدرسان، وتزوجا في عام 1956.
ويصعب اعتبار بلاث في الحب شاهداً نزيهاً، غير ان آخرين ممن عرفوا هيوز يوثقون انطباعها عن وجوده الاستثنائي, وليس غريباً ان يصف البعض نعش هيوز بأنه بدا هائلاً، كبيراً وثقيلاً، حتى انه لم يكن سهلاً حمله على أكتاف البشر , وهيوز، الاسطورة، كما يوحي هذا الكلام، شخص مزاجي، خطر، ولا يمكن مقاومته، شخص تصفه بلاث الى أمها بالقول انه جوال في العالم، متشرد لا يتوقف .
وأياً كان الواقع، بالنسبة لاولئك الذين لم يعرفوه أبداً، لا يمكن تجنب اسطورة هيوز التي تركت، بالتأكيد، تأثيرها الهائل على استقبال شعره، وكانت (رسائل عيد الميلاد)، وهي آخر مجموعة شعرية أصدرها هيوز قبل رحيله، قد استقبلت من جانب النقاد والقراء، باعتبارها أفضل مجموعة شعرية له، مع انه اعتبرها، لسنوات طويلة، غير ملائمة للنشر, وقد كان تصويت القراء على هذه المجموعة تصويتاً يتسم بالعاطفة, فمن لا يسحره أفق هيوز وهو يكشف للجميع، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الصمت، تلك المأساة التي عاناها، جراء انتحار سلفيا بلاث، وهو الحدث العاصف الذي تحول الى قضية مثيرة للجدل لم يسلم تيد هيوز من عواقبها،وخصوصاً مواقف الناقدات النسويات اللواتي تحول تعاطف الكثير منهن مع بلاث الضحية الى اتهام لهيوز الجلاد , وعلى أية حال، كان هيوز، باختياره النشر، يحفز الاسطورة وينجزها, فقد كان يخبر أصدقاءه قائلاً انلحظة قول الحقيقة حول سلفيا هو عندما يكون المرء على وشك الموت , وقد أثبت هيوز انه استطاع أن يتنبأ برحيله ويخلص لكلمته, ويصح القول ان نشر (رسائل عيد الميلاد) يرتدي وهم الضرورة الاغريقية على حد تعبير أحدنقاد هيوز.
أما كتاب (التوازن الملحمي) الصادر مؤخراً، والذي تضمن اسهامات لأصدقاء ومعجبين ورفاق كتاب، يبدأ كاحتفاء بالذكرى السبعين لميلاد تيد هيوز، الذي لم يكن للشاعر ان يحتفل به, اما هدف الكتاب فهو إحياء ذكرى هذا الشاعر الانسان والاسطورة (غير المنفصلين عن بعضهما), وعنوان الكتاب مأخوذ من إحدى قصائد هيوز، واختياره لا يلمح فقط إلى إصابته بمرض السرطان الذي انهى حياته، وإنما الى عواقب مأساتي حياته الخاصة (وهما انتحار سلفيا بلاث الذي ذكرناه، وانتحار آسيا ويفيل، زوجته الثانية), غير ان معظم المساهمين في هذا الكتاب ذي الطبيعة الاحتفالية لا يهتمون بامعان النظر في تلك العواقب التي مزقت حياة هيوز, ولكن ما يجتذب القراء في هذا الكتاب يعود الى تلك النظرات المتعمقة في عمل هيوز الشعري من جانب شعراء كبار مثل شيموس هيني، وتوم باولين، ومايكل هوفمان، فضلاً عن القصائد الجديدة التي تضمنها الكتاب لبول مولودون، ومدب ماكغوكيان، ووليام سكاميل، بل وحتى صورة هيوز التي رسمتها بلاث نفسها.
ويعبر الناقد المعروف ملفين براغ عن اعتقاده بان النقاد غير المقتنعين بعمل هيوز لا قيمة لهم, ويعلن، بمعرفة روحية عميقة، قائلا: اقرأوا (أوفيد) هيوز واعرفوا أعماق التراث وهو يشير بذلك الى كتاب هيوز الشهير (قصص من اوفيد) الصادر عام 1997م والذي احرز جائزة ويتبريد الادبية البريطانية المرموقة, وهكذا يسهم الناقد ملفين براغ في غنى الاصوات المتعددة التي نجدها في هذا الكتاب الاحتفالي، والتقييمي في الوقت ذاته.
ان الاجيال القادمة هي الحكم النهائي، غير ان كتاب (التوازن الملحمي) يجسد الكثير من الاسباب التي تجعل عمل هيوز يستحق البقاء, فتنوع المساهمين يقف وصية على تأثيره الاستثنائي وتحوله الى نموذج ملهم للشعراء الشباب خصوصا من الانجليز والايرلنديين,كما ان بعض النقاد يعتبرون مراسلاته مع شيموس هيني الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1995م واعظم شاعر بريطاني معاصر تتسم بذات الاهمية التي اتسمت بها مراسلات وردزوورث مع كوليريدج,ويقف هيوز في تاريخ الشعر البريطاني في القرن العشرين في مصاف شعراء عظام بينهم تي,أس, اليوت، وأودن، وستيفن سبندر، ولويس ماكنيش, ويحق له ان يدعي شأن ييتس بان مجده يكمن في ان لديه اصدقاء هم كبار الشعراء لكنه علىخلاف ييتس يتسم بتواضع بليغ.
غير ان سمعة شاعر البلاط، وهو اللقب الرفيع الذي حمله تيد هيوز منذ عام 1984م حتى رحيله، يقدم صورة دراماتيكية لحقيقة ان ما يهم الناس في الكتاب هو في الغالب ليس كتاباتهم وإنما حياتهم، ولو ان تيد هيوز وسلفيا بلاث لم يكونا شاعرين يتمتعان بمواهب استثنائية، لما كان لنا ان نعرف عنهماهذا الكثير والمثير الذي نعرفه الآن.
غير انه اصبح من الصعب في الوقت نفسه قراءة قصائد هيوز أو بلاث بدون الاستماع المبالغ به الى تقارير عن الحرب المستمرة التي يخوضها كاتبو السير ونقاد الأدب الذين يقف وسطهم عدد من جلادي هيوز وبلاث.
وعندما كتب هيوز قصيدته الساخرة (الشاعر الشهير) التي نشرت ضمن مجموعته الشعرية الاولى (الصقر تحت المطر) التي نشرت عام 1957م لم يكن له ان يتنبأ كيف ان الاحداث حتى الصغيرة منها يمكن ان تتحول إلى صناعة صحفية ونقدية.
ولكن هيوز استمر رغم ذلك على الكتابة الغزيرة والمتألقة, فقصائده المكتوبة للكبار، وتلك المكتوبة للصغار، وقصصه، ومسرحياته، وتحريره اعمال شعراء اخرين وكتاباته النقدية تقف شاهداً علىتنوع ابداع شاعر يعتبره نقاد الأدب الانجليز واحداً من أهم شعرائهم منذ الحرب العالمية الثانية.
|
|
|