مما لا شك فيه ان هناك فرقاً شاسعاً بين التزلف المقيت والمجاملات اللطيفة التي تكون في حدود الاحترام والتقدير والكلمة الطيبة، ولكن هذا الفرق قد لا يدركه بعض الناس فينتقلون من مرحلة المجاملة والتلطف وكسب القلوب الى مرحلة التزلف والاسفاف في هذا الاتجاه والتحول من شخص محترم الى أراجوز كل ما فيه خفيف الا دمه الثقيل، فإنه كالرصاص الذائب، ويفعل المتزلفون ذلك وهم يخططون للوصول الى مكاسب ادارية او مادية من ترقيات وانتدابات ونحوها عن طريق رؤسائهم في القطاعين الحكومي او الأهلي، وهذا التزلف المقيت قد يصل مرحلة يحرج فيها المتزلف رئيسه حرجاً شديداً امام الناس خاصة اذاكان مدير القطاع ممن يستحون ويخجلون ويقيمون وزناً لنظرات من حولهم، بل ان بعض التزلف قد يصل احياناً الى حد الاستخفاف بعقل السامعين وفي مقدمتهم المتزلَف إليه مثل أن يقوم المتزلف بحركات سخيفة يريد من خلالها تأكيد ولائه واحترامه وحبه كنظم القصائد المعجرمة في المدير الجديد ووصفه بأوصاف حارة لا توجد الا في عظماء الرجال وقد لا توجد كلها مجتمعة دفعة واحدة حتى في اولئك العظماء فكيف توجد في مدير فرع او حتى مدير عام او من هو أعلى من ذلك وظيفياً، حتى يطرق الممدوح خجلاً مما يسمع وينظر في عيون الحاضرين حياءً، هذا إن لم تكن طاسته خفيفة مثل المادح العتيد!.
وذات مرة كان احد الاخوان في حفل اجتماعي وقد جلس على المائدة مجموعة من المدعوين منهم موظف ورئيسه في العمل فطلب المدير من اهل الحفل المزيد من السلَطة لأنه يحب الاكثار منها قبل تناول اللحوم وما معها من طعام آخر وذلك بناءً على نصيحة طبية، وقبل ان يتجاوب اهل الحفل مع طلب ضيفهم كالمعتاد في مثل هذه الحالات تبرع الموظف وتصرف بطريقة سخيفة ظن أنه بها يرضي رئيسه عندما قام بجمع صحون السلطة الموضوعة امام الآخرين ووضعها جميعاً امام المدير مردفاً ذلك بابتسامة عريضة، وهنا شعر المدير بالحرج الشديد ونظر إليه نظرة حادة ثم رفع يديه من فوق الطعام وقال الحمدلله !.
ورأى آخر موظفاً يجلس بجانب رئيسه في المكتب تاركاً عمله ومكتبه والمراجعين وكلما رنّ جرس هاتف المدير يقوم الموظف بخطف السماعة وتقديمها فوراً للمدير مرفقة بابتسامة تزلف حتى ضاق منه المدير ذرعاً وقال له امام الموجودين يا أخي,, هل تراني اكتع بلا ذراعين حتى تضع السماعة في فمي؟! ,وربما تحضر مجلساً او اجتماعاً رسمياً او شعبياً فترى موظفا يعقب على كل كلمة يقولها مديره بعبارة يا سلام حِكَم والله حِكَم! دون ان يأبه الاثنان بنظرات السخرية الصادرة عن الحضور اعتقاداً منهما ان الناس لا تفهم ولا تعي وذلك من باب الحكمة أيضاً!.
لقد وقر في نفوس بعض الموظفين ان التزلف يأتي بثمار يانعة ويقدم لهم امتيازات واعفاءات وظيفية تصبُّ في مصلحتهم وهذا الاحساس -إن كان له صلة بالواقع - فإنه يدلُّ على وضع اداري غير سليم وان كان وهماً فان المصابين به ينبغي علاجهم نفسياً حتى لا تتفاقم الحالة وتصبح ظاهرة واسعة النطاق فلا يعود هناك مجال للعلاج او الشفاء.
ان المسألة كلها تدل على ضعف في الايمان والاعتقاد ان المخلوق يضر وينفع خارج حدود الارادة الالهية، لان الانسان المؤمن يعلم علم اليقين ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وان ما اخطأه لم يكن ليصيبه وانه لو اجتمعت الإنس والجن على ان ينفعوه بشيء لا ينفعونه الا بشيء قد كتبه الله له ولو اجتمعوا على ان يضروه بشيء لا يضرونه الا بشيء قد كتبه الله عليه، وعلى هذا الأمر جفت الاقلام وطويت الصحف ووضح الحق المبين!.
ولقد أعجبني أحد العلماء بدرجة وزير دبج أحدهم فيه قصيدة عصماء وقد تضمنت القصيدة أوصافاً ومدحاً في المسؤول رأى انه مبالغ فيها وان القصيدة برمّتها لا داعي لها وان تعيينه تكليف لا تشريف وانه يؤدي واجباً يأخذ عليه أجراً بعد ان حظي بثقة وتكليف ولي الأمر، فأصدر بياناً اوضح فيه موقفه الصارم من القصيدة وصاحبها ولم يجد له عذراً الا حسن الظن فيما فعله، ولم يقبل أن تمرَّ تلك المبالغات دون لفت نظر لمن صدرت منه حتى لو كان عمله بحسن نيّة، وتلك حصافة من ذلك العالم نأت به عن الوقوع ضحية تفسيرات مختلفة منها إقراره للمبالغات او ارتياحه للمديح الفج وهو عليم بقوله صلى الله عليهم وسلم احثوا على وجه المداحين التراب او كما قال عليه افضل السلام وأتم التسليم.
وقرأ مسؤول نزيه مخلص قصيدة دبجت في زميل له يرأس ادارة اخرى صاغها موظف سنكوح عُرف طول حياته بأنه يدخل مع أهل العريس ويخرج مع اهل العروس فقال ذلك المسؤول ساخراً: لو كنت مكان الزميل العزيز لأحلت هذا الموظف على المعاش من تاريخ نشر القصيدة ولو كنت الرئيس الاعلى للقطاع وعلمت ان الممدوح قد قبل ما في القصيدة من مديح وشكر المادح عليها لأحلت الثاني على المعاش أيضاً من تاريخ خطاب الشكر الجوابي على القصيدة العصماء!! فحيّاه الله إن فعل؟.
ما حدث للجنديين نتيجة حتمية!
كانت المأساة التي تعرض لها جنديان من رجال الأمن الشامل بمحافظة بدر بمنطقة المدينة المنورة حيث لقي الجنديان - تغمدهما الله برحمته وواسع فضله - مصرعهما وهما يقومان بمعاينة حادث تصادم بين سيارتين فجاءت سيارة ثالثة تسير بسرعة وطيش ودهمتهما في الموقع فكان قضاء الله وحصلت المأساة التي كانت نتيجة حتمية لما يحدث هذه الأيام من تساهل لم يسبق له مثيل في تعامل رجال الأمن الشامل مع الذين يقودون سياراتهم بسرعة جنونية او يقطعون الاشارات او يعكسون السير ولا سيما عندما ينتج عن هذه المخالفات تصادم بين السيارة المخالفة للأنظمة وبين سيارة اخرى ولا ينتج عن التصادم سوى تلفيات في السيارات، فيتم التركيز فقط على مسألة التلفيات ويتم تناسي الجانب المهم من الموضوع وهو ان سبب الحادث هو السرعة او قطع الاشارة او نحوهما من الاخطاء المرورية الخطيرة، بل إن أول سؤال يوجه للمتضرر هو: هل أنت متنازل عما جرى لسيارتك فان اجاب بنعم أُكملت للطرفين اجراءات التنازل ومنحا ورقتي اصلاح وان أبى المتضرر الا اخذ التعويض المادي لاصلاح سيارته فان المعاملة قد تدور في مسارات طويلة لا يعلم غير الله نهايتها ونتائجها وفي جميع الاحوال فان الأمور تنتهي عادة ببحث مسألة التعويض وطريقة دفعه واجراءات الدفع طويلة كانت ام قصيرة, أما سبب الحادث وهو المخالفة المرورية الكبرى فيتم - للأسف - تجاهلها وبإمعان مع أنها هي الاساس ولا يتم التوقف عندها الا في حالة وجود مصابين او وفاة وفي هذه الحالة يوقف ويحجز السائق ريثما يتم تسوية اوضاع الوفاة او الاصابات, وفي هذه الحالة أيضاً تكثر الشفاعات السيئة وان الولد صغير ولديه اختبار ونحوها من العبارات ويستمر الضغط الاجتماعي على المتضررين ويتوصل اهل الجاني الى اطلاقه بكفالة في زمن قياسي ويسمع المتهورون امثاله ان الاجراء المتخذ في اسوأ الاحتمالات ليس رادعاً فأهل الخير كثير واصحاب الشفاعات والمشالح موجودون، فما الذي يمنعه من ان يفحط ويسرع ويقطع الاشارات ويتسابق مع زملائه ما دام ان المسألة برمّتها ستكون محل عناية اجتماعية فائقة ويزداد الأمر سوءاً عندما يتدخل فرد من افراد الأمن ويخالف النظام الذي هو مؤتمن على تطبيقه فيقوم بكفالة الجاني واخراجه من المأزق في الساعات الاولى من الحادث وتوصيله الى منزله مكرّماً وارشاده الى ما يجب عمله للتهرب من دفع قيمة التلفيات او على الاقل تطويل المدة من قسم الحوادث حتى المحكمة الشرعية مروراً بإدارات اخرى تمهيداً للحكم في الأمر وإلزام الجاني بالدفع بعد اسابيع او شهور حسب الوقت المتيسر وطريقة سير المعاملة وحجم العمل في كل جهة تمر بها معاملة طلب التعويض وهذه الأمور كلها جعلت الحوادث تزداد حتىوصل الأمر الى الحد الذي لا يأمن فيه رجلا امن على نفسيهما من سيارة طائشة تصرعهما كما حدث في محافظة بدر، وإذا ارادت الجهات المختصة تفاصيل حول ما ذكر فان بإمكانها الحصول على تفاصيل صحيحة لو كلفت بالمهمة جهات أمنية محايدة وأمينة,, والله خيرٌ حافظاً وهو ارحم الراحمين.
موسوعة أسبار
بين يدي ثلاثة مجلدات فخمة ضخمة يزيد عدد صفحاتها مجتمعة عن ألف واربعمائة صفحة من القطع المتوسط وهي تحمل عنوان موسوعة اسبار للعلماء والمتخصصين في الشريعة الاسلامية في المملكة العربية السعودية، وترصد الموسوعة موجز حياة 1761 عالماً عاشوا خلال مائة عام مضت,.
وحسب ما جاء في رسالة كريمة من سعادة الأخ الدكتور فهد العرابي الحارثي الرئيس المشرف على الموسوعة فإن إعداد هذه المجلدات استغرق نحو اربع سنوات من العمل المتواصل الذي قام به فريق من الباحثين من ذوي الكفاءة والخبرة وقد حظيت الموسوعة بدعم مالي ومعنوي سخي من صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز وهي عمل علمي جليل يستحق الثناء والتقدير، وسوف تصبح الموسوعة مرجعاً هاماً في مجالها لا غنى للباحثين عنه وهي، أي الموسوعة، احدى العلامات البارزة لعطاء ونجاح مؤسسة اسبار للدراسات والبحوث والإعلام.
|