زلزال الثلاثاء الذي خسف بعشرات الآلاف من المنازل في شمال غربي تركيا ليس هو الزلزال الاول الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين ففي عام 1939م شهدت تركيا زلزالا اخف وطأة بالرغم من ضعف الامكانات.
تركيا التي ضربها زلزال الثلاثاء وسط معاناة اقتصادية واجتماعية وسياسية وجدت العون الإنساني من كل دولة في صورة جسدت مصاب الإنسانية وسط مخاوف من طغيان الفكر المادي على المشاعر الإنسانية.
كان الاعداء الذين يشاطرون تركيا ازمات العقل والقلب والضمير اول من وقف الى جانب تركيا بل لنقل إنهم وقفوا مع تركيا بغض النظر عن ترتيب تلك المواقف وتوالت مواقف الاصدقاء وتفاوتت من حيث القوة والضعف.
والاعلام التركي يكرر عبر صحافته واجهزة البث الإذاعي والتلفزيوني ان الولايات المتحدة واسرائيل ثم دول اوروبا هم اولئك الذين وقفوا مع تركيا ولم تكن هناك سوى اشارات ضئيلة لما قدمته الدول العربية والاسلامية بالرغم من ان مواقف الدول المجاورة لتركيا لم تكن خافية على احد بما في ذلك الحكومة التركية.
إذن لماذا يتعمد الاعلام التركي اخفاء المساعدات العربية والاسلامية لتركيا ويجعل الاشادة حكرا على معونات امريكا ودول اوروبا الغربية وقبلها اسرائيل,؟
هل هذا يعني ان حركة الزلزال كانت مدخلا غير منتظر لتأكيد موقف تركيا من اسرائيل, ام ان الدول العربية والإسلامية لم تقدم دعما لتركيا، واعتبرت الزلزال انتقاما إلهيا من الاتراك على مواقفهم السلبية تجاه الاسلام,؟
احاديث كثيرة تدور حتى في تركيا نفسها وسط استبيانات اعلامية -اعلنتها العديد من القنوات الفضائية - ولم تكن تلك الاستبيانات منسوبة الى اشخاص وانما يتحدث الاشخاص الذين شهدوا تلك المواقف واحاطت بهم مصيبة الزلزال ويقولون بأعلى اصواتهم: انه انتقام إلهي.
ولكن ما علاقة اجراءات الحكومة التركية وتصرفاتها وسلوكها السياسي مع الدول الاسلامية باولئك الذين اصابهم الزلزال وجعلهم بين قتيل ومشرد وجريح ومفقود؟!
ان سكان مدينة ازميت ليسوا اعضاء في مجلس الوزراء فهم ما بين عمال وموظفين وشباب وفتيات يبحثون عن عمل، والزلزال ظاهرة كونية تصيب مواقع معينة على سطح الارض والله عز وجل بصير بعباده وهو اعلم بمواقف العقوبة والمغفرة.
لكن تركيا الدولة الاسلامية بالرغم مما يقال او سيقال عنها لا يمكن ان تتخلص من الإسلام حسب رغبة جيرانها الاوروبيين, عقب كل ركن او زاوية او حجر او ذرة تراب حدث ينطق بتاريخ تركيا المجيد في رفع شأن الإسلام واعلاء كلمته، كما ان تاريخ تركيا الحديث لا يمكن مقارنته بتاريخ تركيا الاسلامي من حيث القوة والظهور, تركيا الاسلام, امبراطورية عظيمة لا تغيب عنها الشمس تحكمها الشريعة الاسلامية وتهابها دول الجوار,, وتركيا الحديثة دولة تخلت قسرا عن مواقع وجزر كانت جزءاً لا يتجزأ من تركيا الام فتحولت تبعيتها بفعل الضعف الى جارتها اليونان التي كادت أن تستولي على ازمير، بل ان مطالب الارثوذكس تصل الى حد المطالبة بمدينة استانبول الرومانية البيزنطية.
ان كل مدرك في الحكومة التركية او اداراتها السياسية يؤمن تماما بأن تركيا ليست كما يتخيلها العرب,, دولة علمانية لا تقيم وزنا للدين, لكن الحكومة التركية ترى انه ليس من واجبها اقناع الدول العربية والاسلامية بأنها كذلك لأن اسلام تركيا لم يكن في موضع شك امام الاتراك, والسلوك السياسي لدى الحكومة التركية لا يعني التنصل عن الاسلام والدول الاسلامية.
ان ما يجب فعله من جانب الحكومة التركية هو الرقابة الأدبية على اجهزة الاعلام والتأكيد على مصداقية ما تنشره من معلومات وكذلك لا يخدش مفهوم الحرية بل يجسده ويؤكد ان هناك فارقاً كبيراً بين الحرية والفوضى.
ان الإسلام ليس ملكا لاحد, والدين لله ويدخل في كنفه وظله كل من قدم متطلبات اعتناقه, والمواطن التركي يولد على الفطرة من ابوين مسلمين لذا فليست هناك ذرة شك في اسلام الشعب، كما انه ليس لأي إعلام موجه ان يبث سموم الفرقة على حساب الدين.
كلمة اخيرة : ان اخطاء الحكومات لا يمكن ان تسجل على حساب الدين فالاسلام دين الكون البشري لذا فهو دين لا عدوان عليه ولا اعداء له.
عبدالعزيز المهنا