Wednesday 25th August, 1999 G No. 9827جريدة الجزيرة الاربعاء 14 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9827


رؤى وآفاق
كتاب البديع هل هو بديع؟

شرع الكتاب الأوائل لمن جاء بعدهم طرق الكتابة من أمثال عبدالحميد الكاتب وابن المقفع والجاحظ، فأخرجوا العبارة العربية من ضيق المثل والحكمة وسجع الكهان، إلى البسط والانطلاق والإطناب، فأتاح ذلك المنهج للكتاب صناعة الكتب المشتملة على الأبواب والفصول، وقربوا الكتابة عن حديث المجالس، فاستوعبت الكتب الهزل والجد، والقصص والسير، لأن الأسلوب طوِّع لاستيعاب مظاهر الحضارة في وجوهها المختلفة، وإذا كان الوجه الثقافي متقدماً على غيره فإن الثقافة العربية الإسلامية وجدت ضالتها في التقييد عن طريق هذا الأسلوب الذي تميز به آخر القرن الثاني والقرن الثالث، وفي غمرة انطلاق الأسلوب بما يتضمنه من عبارة متنوعة، ولغة تهدف إلى إيصال المعنى، توجهت فئة من الكتاب إلى الترجمة من اليونانية إلى العربية، فترجم كتاب الخطابة لأرسطو، وترجم له أيضا كتاب الشعر، واتجه القراء من المثقفين إلى قراءة الكتب المترجمة، فرأوا أنها تشتمل على التقعيد فمالوا إليه وشغفوا به، وكان التقعيد عند الكتاب لا يخضع له الكتاب المؤلف، وإنما يوردونه في مواضع من كتبهم في إشارات محصورة، ينطلقون بعدها في آفاقهم الرحبة، وفي فترة نشاط الترجمة كان ابن المعتز شغوفا بالجديد، ولديه رغبة في الاطلاع على الثقافة الإغريقية، وقد رأى أن ثقافتهم مقعدة فمال إلى هذا المنهج من التقعيد والتقسيم، فألف كتابه البديع الذي يقول عنه في الكتاب نفسه لأن البديع اسم موضوع لفنون من الشعر يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم، ولا يدرون ما هو، وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد، وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين والبديع الذي يقصده ابن المعتز ليس جزءاً من البلاغة التي عرفت بالبيان والمعاني والبديع، وإنما هو الحسن عن الشعر، وقد حصر كتابه في خمسة أبواب هي: 1- الاستعارة، 2- التجنيس 3- المطابقة 4- رد أعجاز الكلام على ما تقدمها 5- المذهب الكلامي, ومن المعروف أن باب الاستعارة من أبواب علم البيان، وقد وردت الكناية وهي من البيان أيضاً مما يدل على أن ابن المعتز يقصد بالبديع المعنى اللغوي وهو أعم من المعنى الإصطلاحي الذي تحدد فيما بعد, وقد أشار ابن المعتز في مقدمة كتابه إلى أن البديع موجود في كلام العرب قبل اشتهاره في أشعار بشار ومسلم بن الوليد وأبي نواس, وإذا كنا نتساءل عن انطباق الاسم على المسمى فإن ابن المعتز نفسه تساءل السؤال نفسه، عندما قال في شعر أبي تمام، الذي نحا هذا المنحى ثم إن حبيب ابن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك، وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف وإذا كان ابن المعتز قد قال: إن بديع أبي تمام ليس بديعاً فإننا نقول: إن النهج الذي نهجه مؤلف كتاب البديع قد لا يكون بديعاً لأنه اختط للبلاغيين طرقا ساروا فيها ثم فرَّعوا طرقا أضيق، وأزقة يكتنف بعضها الظلام، بدليل أن كتب البلاغة التي ألفت بعد ابن المعتز احتاجت إلى شروح، فأخذ العلماء يدرسون تلك الشروح لطلابهم ويشرحونها، فدوَّن الطلاب ما يقول أساتذتهم، وهو شرح للشروح، وهكذا تحولت البلاغة في أيامها الأخيرة إلى مجموعة من القواعد، فهل نقول فيما صنعه ابن المعتز بديعاً؟!
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved