الموت حق والحياة مقدّرة ولا من بشر الا وله اجل محتوم, في فترة وجيزة تتابعت الاحداث في عالمنا العربي وتسارعت بشكل اذهل المواطن العربي وجعل متابعة تلك الاحداث المتوالية بما تحمله من مفاجآت يتوقف متأملاً في مفاجآتها.
من تلك الاحداث المتسارعة فقدان الوطن العربي ثلاثة حكام بعد فترة حكم هي الأطول في تاريخ العرب المعاصر, وتغير سياسي في الجزائر بعد ما يقارب العقد من سنوات اضطراب لم تعرف لها الجزائر مثيلاً في تاريخها منذ الاستقلال, وخسارة نتنياهو في اسرائيل المتسبب في عرقلة مسيرة السلام طوال فترة حكمه ومجيء باراك يحمل وعوداً بعودة السلام, ومشاعر مضطربة لدى الانسان العربي بين متفائل بقدوم قرن قادم ومتشائم خوفاً مما قد يحمله القرن الجديد من مفاجآت لم تكن في حسبان الانسان العربي.
ومن اجدّ الاحداث العربية واكثرها دعوة للتفاؤل هي دورة عمان للرياضة العربية حيث شهدت تلك الدورة اضخم تجمع شبابي عربي بعد ما يزيد على العقد من الفرقة العربية, وكان نجم هذا التجمع بل ومهندسه سمو الامير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز امير الشباب السعودي وامير الرياضة العربية فقيد هذا الوطن وفقيد شباب كل الامة العربية, كان غيابه المفاجىء مصدر ذهول وصدمة كبيرة لكل ابناء وطنه قاطبة وشريحة الشباب منهم خاصة وهي الشريحة الكبرى في هذا المجتمع.
هذا الجيل الذي صُدم بوفاة رمزه وقدوته، نعم ان فيصل كان هو الرمز والقدوة لشباب يمثلون جيلا بكامله عرفوه منذ نعومة اظافرهم وتجسدت صورته في اذهانهم ورسخ في ذاكرتهم، ونما حبهم لهذا الوطن من خلال ما كان يسكبه في وعيهم من حب لهذا الوطن من خلال اهم مرفق وظيفته غرس حب الوطن في النفوس ألا وهي الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي منحها فيصل كل وقته وطاقته وجهده وماله وصحته حتى اصبحت هذه المؤسسة وكأنها احدى فلذات كبده او ابن من ابنائه,, أليس حقاً لهذا الجيل من الشباب ان يحزن ويحزن لفقدان فيصل بن فهد.
لم تكن الرياضة ولا الثقافة ولا الفنون تذكر في بلادنا قبل فيصل بن فهد وان ذكرت ففي اطار محدود، وعلى استحياء ولم تكن قائمة الا على جهود فردية قليلة اذا قلّ حماسها او تعرضت لأية هزة مات ذكرها.
لم تكن لها مؤسسة ترعاها ولا نظام يحميها ولا وسيلة تشجعها، ولا امكانيات تدفع بها الى الامام قبل فيصل بن فهد.
فخلال خمس وعشرين سنة تقريباً، وهي الفترة التي قاد فيها فيصل بن فهد سفينة الرياضة السعودية، استطاع ان يجعل الرياضة السعودية تتجاوز مسافات الزمن، وتلحق بمصاف الدول الكبرى، وتصل الى العالمية وتصل الى المباريات النهائية لكأس العالم اكثر من مرة وتحوز على كأس آسيا اكثر من مرة وتحوز على بطولات عربية وعالمية اذهلت كل المراقبين.
لم يكن فيصل بن فهد بالخواف ولا بالمتردد ولا بالمجامل في العبور بالرياضة السعودية الى كل الآفاق، فلقد كان مقاتلاً ماهرا في سبيل رفع اسم ومكانة المملكة عالياً مهما كان الثمن، ومن خلال ماذا، من خلال اهم قوة تمتلكها بلادنا قوة الشباب الذي وجد في قائده الرمز والامل والطموح في الوصول بهم الى الصفوف الاولى والمتقدمة من مواقع الشباب العالمي,, وشحذ ما في نفوسهم من حماس وطموح وقوة هي موروثات ورثوها اباً عن جد.
ذلل لهذه القوة وهذه الطاقة كل ما كان يعتريها ويقف في طريقها، ففي عهده عرفت المملكة - ولاول مرة في تاريخها- اقامة الملاعب الكبرى والمقار المتطورة للنوادي والمدن الرياضية التي تكاد لا تخلو منها مدينة سعودية واخرج الرياضة من النمط التقليدي ونوادي الحواري والصورة غير الحسنة عن الرياضة لدى شرائح من المجتمع الى عمل حضاري مختلف فأصبحت المنشآت الرياضية في بلادنا من العلامات الحضارية واصبح الكل على مختلف مشاربهم وخلفياتهم الثقافية والجهوية والعمرية يتابعون النشاط الرياضي وما تحققه الرياضة من انتصارات معنوية ومادية للمملكة.
ان يغيب القدر هذا الامير الرمز فانه لن يغيب اعماله التي ستبقى خالدة، الناس تفنى واعمالهم تبقى، القادة الكبار يموتون، ولكن لا تموت ذكراهم في نفوس شعوبهم ولا تموت اعمالهم التي تخلدهم الى الابد في تاريخ اممهم.
ان فيصل بن فهد هو بحق واحد من رموز هذا الوطن الذي سيبقى حيّاً خالداً في نفوس وفي وجدان كل شباب هذا الوطن خاصة وكل ابناء شعبه قاطبة.
لم يكن الامير فيصل بن فهد اميراً للشباب فحسب، بل كان اميراً للثقافة التي هو ابرز رموزها ومن اهم انجازاته في مجال الثقافة انشاء النوادي الادبية في كل منطقة من مناطق البلاد وكذلك جمعيات الثقافة والفنون ولبلوغ الثقافة في بلادنا مكانة مرموقة فقد اختيرت الرياض لتكون عاصمة للثقافة العربية عام الفين وكان هو صاحب الفكرة والمحضر لها ووفاء لفيصل امير الثقافة آمل ان تعد الرياض لتكون عاصمة للثقافة بالامل والطموح الذي كان يأمله الامير فيصل.
فيصل امير الضعفاء والمحتاجين والمعوزين والمرضى والمظلومين واليتامى والمساكين انه من الصعب على اي راصد ان يرصد اعمال الراحل الكبير الخيرية فهي لا تحصى ولا تعد ولم تكن تقتصر على ابناء وطنه بل شملت كل محتاج ومعوز مريض في كل مكان من العالم، انه يعمل الخير لوجه الله كان الى آخر لحظة من حياته يرحمه الله لاهمّ له الا عمل الخير والسعي في هذا الميدان بكل اخلاص المؤمن,ماذا عن فيصل الابن البار بوالديه المحب لهما المخلص لخدمتهما، لن انسى اثر ذلك الحزن العميق على وجهه الصبوح يوم وفاة والدته تغمدهما الله بوافر رحمته وجمع بينه وبينها في الجنة انه رب سميع الدعاء,ان خسارة هذا الوطن في فيصل كبيرة وليس لنا الا ان نقول (انا لله وانا اليه راجعون).
د, محمد بن عبدالله آل زلفة
عضو مجلس الشورى