تحجر الدمع في المآقي,, وهز الخبر (الصدمة) كياني,, جف حبري,, وتبلد تفكيري,, وتجمد الدم في عروقي,.
لم أصدق في الوهلة الأولى,, ثم رددت (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم,, ولا راد لقضاء الله وقدره).
صدق الله العلي العظيم حين قال في محكم التنزيل: كل نفس ذائقة الموت .
وقوله تعالى:
إنك ميت وانهم ميتون
وتذكرت الحكمة الشعرية المأثورة:
كل ابن آدم وإن طالت سلامته يوما على آله حدباء محمول |
سبحان الله العلي العظيم ولا راد لقضائه وقدره
مات فيصل بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود
الرجل الذي صنع مجدا,.
الذي شيد حضارة رياضية,.
الذي بعث الروح في الرياضة العربية والحركة الشبابية,.
الرمز الرياضي العربي والدولي البارز.
* بالأمس طالعت صورته البهية في الصحف يحمل طفلا مريضا يتيما في دار ايتام في الاردن,, ويتبرع بمبلغ مليون ريال لصالح هذا المركز,.
لقطة إنسانية معبرة تعكس اريحيته الإنسانية ومواقفه الخيرة,, فرغم انه يرحمه الله سافر الى الاردن لحضور افتتاح الدورة العربية إلا انه حرص من منطلق شغفه المعروف بأعمال الخير,, على زيارة دار الإيتام.
** واسترجعت هامته الشامخة في التلفاز عند القائه لكلمته في افتتاح الدورة العربية بالأردن قبل أيام قليلة,, ينطق بسحر البيان ليقول: تحية أحملها لكم من أرض الحرمين الشريفين من قبلة الإسلام وكعبته من منبر الهادي الإمام وروضته عليه أفضل الصلاة والسلام الى الاردن الحبيب موطن الحضارات المجيدة وارض التراث الخالد.
ويقول: اقول لاخواني وابنائي الرياضيين انكم ستسطرون اليوم ملاحمكم الرياضية,, وكل الأوراق والفصول ستؤكد لكم ان الحب والوفاء هما محركا القوة القصوى التي يمكن ان ننطلق منها نحو قمم المجد والعلياء طالما تمسكنا باهداب ديننا الحنيف,, .
** ونسترجع ذاكرة التاريخ بداية مسيرة العطاء الفيصلي الرياضي والشبابي في عام 1391ه عاد فيصل بن فهد من الولايات المتحدة حاصدا درجة الماجستير من جامعة سانتا باربرا الشهيرة في ولاية كالفورنيا.
وحيث كانت له اهتماماته ومساهماته الرياضية قبيل سفره لمواصلة دراساته العليا,, فقد وقع الاختيار عليه لتولي مهام الرياضة والشباب,, حيث عين مديرا عاما لرعاية الشباب.
وكان ذلك عنوانا لمسيرة عطاء حافلة بالمنجزات الريادية,, كانت الرياضة السعودية منذ ذلك الوقت على موعد مع التاريخ العريض.
كان تعيين سموه يرحمه الله على قمة هرم الرياضة والشباب يمثل الانطلاقة الخلاقة نحو ميادين التفوق والتميز.
** نستقرىء تاريخنا الرياضي ونستنطق المواقف والأحداث,, فقبل بضعة عقود كانت ملاعبنا ترابية بدائية صغيرة في حجمها محدودى في امكانياتها,, وكانت مقرات الأندية عبارة عن شقق سكنية او مقرات سكنية تستأجرها الأندية,.
وظلت الملاعب الدولية,, والاستادات الرياضية والمقرات النموذجية للأندية,, ظلت حلما يراود شباب هذا الوطن.
حتى قيض الله لها فيصل بن فهد بن عبدالعزيز الذي تمكن بمشيئة الله ودعم القيادة من تحقيق انجازات غير مسبوقة,, تجاوز بها عامل الزمن,, فما تحقق في بلادنا من منشآت رياضية مقارنة بالفترة الزمنية التي تحققت خلالها لم يتحقق في أي مكان في العالم,, ليس ذلك من الغلو والمبالغة وإنما من واقع المتابعة.
لقد حول فيصل بن فهد احلام شباب الوطن الى حقيقة ماثلة يعيشون روافدها ويستلهمون معطياتها.
** وتحول (الشأن الرياضي والشبابي) في المملكة العربية السعودية من مجرد ممارسة عفوية لا تتجاوز حدود الملاعب,, الى مضامين تنموية شمولية تعنى بالارتقاء الفكري والبدني لشباب الوطن,, وفق أسس علمية مدروسة.
فظهرت خطط التنمية الرياضية والشبابية التي تقود مسيرة العطاء لتحقيق الطموحات الوطنية,, منذ الخطة الأولى في عام 1390ه وحتى الخطة الحالية السادسة, ولم يكن ذلك سيتحقق لولا الفكر الريادي الخلاق للأمير فيصل بن فهد رحمه الله .
** ولم يكن لفكر خلاق كفكر فيصل بن فهد أن يغفل في خضم المسيرة الحضارية الشبابية,, تنمية واعداد قيادات رياضية وطنية,, فأنشأ مؤسسات متخصة في ذلك,, وابتعث البعض الى الخارج,, حتى اصبح لدينا جيل قيادي رياضي إبداعي,, اطلق عليه هنا (جيل التنمية الرياضية جيل صنعه فيصل بن فهد),, وأصبح في كل اتحاد عربي وآسيوي وحتى دولي هناك مواطن سعودي يمارس دوره كعضو فعال يستمد فعاليته من فيصل بن فهد.
** لقد اثمرت القيادة (العبقرية) لفيصل بن فهد في تحقيق منجزات ومكتسبات رياضية غير مسبوقة مقارنة بالبعد الزمني,, الذي لا يعتد به في تاريخ الأمم.
كانت الرياضة السعودية متقوقعة في ذيل قائمة ترتيب المستويات الفنية بين الدول العربية عندما تولى شؤونها فيصل بن فهد,, فانطلق بها متجاوزا عوامل الزمن وعقبات النجاح,, حتى وضعها في مقدمة هذه القائمة.
ولم تتوقف طموحاته يرحمه الله عند هذا الحد,, بل واصل قيادة مسيرة التفوق الملفت,, حتى وضع الكرة السعودية على قمة الكرة في القارة الآسيوية.
ولم يكتف رحمه الله بذلك,, بل اوصل الكرة السعودية الميادين العالمية,, لتقارع أعتى دول العالم في مسابقة كأس العالم,, وتقدم مستوى أبهر الجماهير الرياضية العالمية التي كانت قبل ذلك تنظر الى المملكة العربية السعودية كدولة نامية ترزح تحت وطأة عوامل التخلف الرياضي والحضاري.
** وتجاوزت قدرات فيصل بن فهد القيادية المتميزة حدود الوطن لتشمل الوطن العربي,, فمن منطلق شيمة الكرم التي تحلى بها لم يكن ضنينا على الشباب العربي بعطائه ورعايته وانجازاته حيث تولى رئاسة الاتحاد العربي للألعاب الرياضية والاتحاد العربي لكرة القدم,, وبث فيهما الروح فلقد كانت المنافسات الرياضية العربية شبه متوقفة عندما تولى الأمير فيصل رحمه الله ثم شهدت انطلاقة واسعة واصبحنا نشاهد مسابقات عربية عديدة على مختلف المستويات ما بين أندية ومنتخبات وفي جميع الألعاب,, وأعاد للدورة العربية جذوتها,, وتكثفت لقاءات الشباب العربي وتعارفهم وتقاربهم.
ولقد بذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد والوقت وساهم بذلك في تطور الرياضة العربية وتقارب الشباب العربي.
ولعل آخر مواقفه يرحمه الله في هذا الصدد دعمه الكبير لدولة المغرب في طلبها لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم.
** ولم تقتصر عطاءات امير الشباب يرحمه الله على الجانب الرياضي فقط,, بل شملت مجالات عدة,, لعل منها الجانب الثقافي,, حيث قدم منجزا ثقافيا كبيرا كان وما زال وسيظل بإذن الله تعالى له دور كبير في التنمية الثقافية في بلادنا ألا وهو مشروع النوادي الأدبية التي انشئت في مدن المملكة.
وكذلك الجمعية السعودية للفنون والثقافة,, التي تعكس دعمه للمناشط الفنية والثقافية في بلادنا.
** أما مواقفه الإنسانية,.
أما أياديه البيضاء,.
أما بذله في أوجه الخير,.
أما مواساته للمنكوبين,.
أما دعمه للمكلومين,.
فانها تسطر بمداد من ذهب,, ترتفع لها أكف الضراعة في شرق البلاد وغربها,, شمالها وجنوبها,, بل وفي العديد من الدول العربية,, مبتهلة الى المولى عز وجل ان يجزيه خير الجزاء,, وان يجعلها في موازين حسناته.
** وأخيرا لا يسعني إلا ان ادعو الله سبحانه وتعالى لفيصل بن فهد ان يدخله في شآبيب رحمته وان يجزيه جزاء ما عمل.
فلقد سكن قلب الإنسان السعودي والعربي بما حقق من انجازات وبما قدم من عطاءات وبما كرس من جهد ووقت,, وكذلك بمعطياته الخيرية ومواقفه الإنسانية.
** لقد جعل الرياضة في بلادنا حضارة وابداعا جعلها واجهة حضارية مشرقة وصنع التاريخ الرياضي العربي وشيد المجد الرياضي السعودي,, وسوف تظل بصماته مطبوعة بحروف من نور في سجلات التاريخ الرياضي السعودي والعربي,, وستظل عطاءاته محفورة على خدود الميادين الرياضية على امتداد عالمنا العربي الكبير,, مختصرا مسافات السنين.
ان مجلدات لا تفي فيصل بن فهد حقه,, ولكن في ظل هذا الموقف الأليم,, لا نملك إلا ان ندعو له بالرحمة والمغفرة ونقدم العزاء للقيادة والأسرة المالكة,, والأسرة السعودية الكبيرة, وإنا لله وإنا إليه راجعون
د, عبدالإله ساعاتي