ظل جل وقته منشغل بها وبعد تفكير طويل توصل لأن يتقدم لخطبتها حتى يرتاح قلبه ويسكن لوعه بعد ان انزاح من عينيه الكرى فهمس له إحساسه بأن يسرع في ذلك قبل ان ينالها غيره خصوصا وهي تأتلق حسنا وتتدفق حياء بوجهها البريء وطلعتها المشرقة، جمع أهله وأخبرهم ليتقدمون لخطبتها دون تأخير، وبعد مداولات وتبادل زيارات توصلوا للموافقة وابتسم له الحظ واصبحت من نصيبه بعد هذه الخطوة الجادة الى حين تحديد الزواج, ولكن بمرور الأيام اخذ يتنصل عنها حتى تباعدت المسافة بينهم الى ان فسخ خطبته منها وتركها حائرة, وعندما سؤل عن الأسباب اعتذر قائلا: كل شيء فيها جميل ولكن صوتها (أجش),, انتهى كل شيء بينهما حتى طواه الزمن ودارت عجلة الحياة وتآكلت سنين عمره وبمرور السنين أخذت تساوره الأحلام فبدأ يسعى من جديد بحيطة وحذر,, وبالصدفة أولع قلبه بفتاة أخرى في إحدى المؤسسات عندما كان يقوم بواجب العمل فمنذ أن رءاها جن جنونه وتعلق بها,, انه رجل مفتون بالجمال منذ ان بلغ رشده وعرف عالم المرأة حتى صار خبيرا, ظل يتابع حركاتها ويترصدها الى ان أوقعت بشراكه, فاطمأنت له ائتمنه على مستقبلها أما هو كان يخشى من عدم موافقة والدها به أو ربما هناك من يريد ان يتقدم لخطبتها من قبل اقربائها، فبعث برسالة عاجلة لأسرته يطلعها ويطلبها الحضور فجاؤوا , فأخبرهم بالأمر ونالت إعجابهم عندما رأوها, أكد لهم جديته ووعدهم بأن لا يدخلهم في حرج مع ذويها, تقدمت اسرته لأهلها وهم في غاية الإعجاب لما وجدوه فيها من خلق حميد وجمال فابتسم له الحظ مرة ثانية وتمت الموافقة والخطوبة فورا,, وعند صبيحة الغد زاول عمله كالمعتاد وهو يتدفق حيوية ونشاطا ودعه أهله بعد ان اتفق معهم أنه سوف يتمم مراسم زواجه عند عطلته الصيفية,, ومرت الايام والشهور الى ان شارفت عطلته على الأبواب فبعث برسالة الى أهله فتأكدوا قبل قراءتها انها بلا شك تحوي تحديد الزواج,, ولكنهم فوجئوا عند القراءة انفصاله منها, مبررا موقفه لهم بأن كل شيء فيها رائع وطبعها هادىء وسلوكها متزن ولكن (خطوها بطيء وضحكتها عالية), هنا أغلق صاحبنا ملف الزواج نهائيا حتى ابلته السنين,, فماتت بداخله جماليات الوجود والحياة الزوجية ففاته قطار الزواج، وطغى على رأسه الشيب وبعد فترة طويلة من الزمن شعر انه لا يستطيع العيش لوحده وانه يحتاج لمن يقف جانبه عند الشدة والمرض يقاسمه مشوار الحياة الطويل ويخفف عنه مصائب الدهر, دخلت في نفسه هذه التخيلات بعد ان صفعته كف الحياة واستيقظ من غفوته, وعادت اليه أحلامه من جديد وفي هذه المرة كان جادا فأخذ يبحث عن وجه آخر دون تردد وإمعان وتدقيق حتى يجد امرأة تناسبه فقط, وبعد جهد جهيد وقعت في حبائله فتاة عصبية المزاج مغترة بنفسها رغم غلظة نبرات صوتها وعدم تناسقها, فبعث لأهله يطلبهم المجيء حتى يتقدمون لخطبتها له, لكنهم رفضوا ذلك الطلب, فتقدم بنفسه مع رهط من الأصدقاء وقدم اعتذارا لعدم مجيء والده فقبل أهلها وتمت الخطبة دون تردد,, وبعد أيام تم زفافه منها, فحمل حقائبه وسافر بها قادما الى أهله, وعند رؤيتهم لها دخلهم الرعب والقلق والحسرة,, دخلت غرفتها وهو من خلفها يجرر خطواته حتى قبعت أمام المرآة وأخذت تقوم بتصفيف شعرها أما هو ألقى بنظرة عاجلة يتصفح من خلال المرآة وجهه فلم ير فيه سوى البؤس والشقاء، ورأسه الذي اشتعل شيبا,, فنظر مليا ثم قال مرتجلا بعض الآبيات:
مر زماننا وكأي شيء وذهب العمر محزون كئيب نلاحق في الأماني وما جنينا سوى بؤس تخلله نحيب |
ثم دلف من باب الحجرة فجذبه إليه حتى انفتح فخرج بعد ان اغلقه بسرعة حتى أرسل صوتا عاليا من خلفه وتمتم بكلمات حانقة.
عمر عثمان احمد
***
هناك دافع دائما وراء الكتابة، وهذا الدافع وحده جدير بالتقدير والاهتمام، بغض النظر عن شكل الكتابة ومستواها، قد يكون هذا الدافع طموحا شخصيا الى تحقيق منجز على دروب الفن الذي يختاره الكاتب وسيلة للتعبير، وقد يكون ذلك الدافع رسالة تؤرق صاحبها حتى يصل بها الى الناس في شكل دعوة او نصيحة او موعظة، وواضح ان صديق الصفحة عمر عثمان احمد واحد من هذه المجموعة الأخيرة، فهو يقدم لنا في نهاية المطاف عظة وعبرة لمن بصدد تجربة كتجربة بطله الذي يروي عنه، وخارج هذا الهم في تقديم النصيحة لا نكاد نعثر على شيء آخر,,! وإذن فتقديرا لحماسه ننشر كتابته، وان كان هذا يردنا الى سؤال جوهري: هل يكفي ان يكون لدى الكاتب رسالة، فيصرف ذلك النظر عن أي اعتبارات شكلية او فنية، خاصة اذا لم يكن ضمن طموحه ان يحقق تميزا في مجال القصة او الشعر؟ والاجابة بديهية، يغالي البعض في التشديد على أهمية الشكل حد التصريح بأنه ليس من المهم ما يقال، وإنما كيف يقال، أي ان الشكل الفني للكتابة على هذه الدرجة من الأهمية التي قد تطيح في حالة ترديها بالموضوع والمضمون والمغزى والمعنى، بالرسالة كاملة حتى وان كانت على درجة عالية من الأهمية، فاذا هونا من أهمية شكل الكتابة ما الذي يميز بين كاتب قصة مبدع فنان وبين رجل يكتب موضوعا انشائيا حين يكتب الاثنان عن قضية واحدة؟ في كثير من الاحوال نصادف قصصا قصيرة راقية رغم الصعوبة في ان نتبين لها موضوعا محددا، وانما تمنحها المعالجة الفنية تلك الدرجة من الرقي، بل هناك من يحاول أن يجعل من شكل الكتابة في ذاته الموضوع لقصته، وهناك الذين اعلنوا فيما تبنوا من تيارات واتجاهات تحطيم الموضوع عن قصد، ليفسحوا المجال كله لسيادة الشكل,على أي الأحوال، وفي ظل كل هذه الفرضيات على اختلافاتها وتبايناتها، فان كتابة الصديق عمر لا تجد أضأل منفذ للدخول ضمن تصنيفات القصة القصيرة تحت اي لواء لقناعة من القنعات, أي انها كتابة من الأساس تفتقر الى أبسط الشروط العامة والاساسية للانخراط ضمن كتابة القصة، فصديقنا عمر يحكي لنا واحدة من السواليف، عن رجل بدأ به كتابته وهو شاب في مقتبل العمر يبحث عن شريكة لحياته القادمة، ويواصل معه متابعة الحكي الى ان يصل به سن الشيخوخة، وهذه مساحة للقص لا تتسع لها الروايات وأفلام السينما فما بالنا بقصة قصيرة ينبغي ان تكون غاية في التركيز والتكثيف، وعمر فضلا عن ذلك لا يملك أصلا أداة الكتابة، حيث تمثل الأخطاء اللغوية والنحوية والاملائية حضورا طاغيا، تصدمنا تلك الأخطاء من الجملة الأولى ولا يتتركنا بعد الاخيرة (ظل منشغل بدلا من منشغلا، وليتقدمون بدلا ليتقدموا، وعندما سؤل بدلا من سئل) والحصر هنا عملية مستحيلة، وبالتالي فإن عدم الدراية بأصول الفن الذي يكتب فيه في أبسط أشكاله، وكثرة الأخطاء كلاهما يرجح ان الصديق عمر نادر القراءة، لا قليل القراءة، وربما كان صغير السن كذلك، فإن صح تبقى دهشتنا لماذا اختار موضوعا كهذا لا يوفر له سنه الخبرة والدراية اللازمتين للكتابة عنه,كنا نقول ان مجرد الحماس للكتابة وحده جدير بالاهتمام والاحترام، ولهذا نقرأ المادة التي تصلنا من كل الأصدقاء بكل عناية واهتمام، ولا نتردد في ابداء الرأي فيها مهما كان، ولهذا نتوجه بجزيل من الشكر للصديق عمر,, اذا كان هم عمر ان يقدم لنا نصيحة ولا يعنيه ان يخطو خطوات جديدة على دروب القصة، فقد بلغتنا النصيحة وجزاه الله خيرا، وان كان يطمح الى ان يكون من كتاب القصة المتميزين فعليه ان يحتمل صراحتنا وان شابها قسوة او حدة، هذه القسوة هي أبسط حقوقه علينا علامة على الاهتمام والتكريس، فليصبر علينا ونعده بأن نكون دائما الى جانبه، وباعزاز شديد.