تماماً كالشمس التي لا تستأذك لتشرق ولا تلتمس منك العذر لتغيب رحل أخي (فيصل) تاركاً خلفه أسطورة حقيقية يكتبها المداد وشيء من شعري,.
فاليه بين أحضان قبره أهدي:
قد كنتَ طفلا يرتوي ** من نبضه قلبي الذي
بين الحنايا يرتمي
أحببته,, هذا أخي
صدقاً سأروي قصتي ** وفصول أحداثي التي
مرت ومرت ياأخي!!
قد كان عمري وقتها ** يوم التقينا بدربها
سبعا وتسعة أشهر
ملاّح بحرٍ مبحرِ ** وقصيدة لم تعبر الشفتين
لا لم تشعر
أمي تراءت عندها ** قالت: أتانا فافرحي
في يومها,.
أهملتُ روح قريبتي ** ونثرت ما في حقيبتي
وجمعت حلوى صديقتي
وأخذتها** اخبرتها
هذي لأمي حبيبتي!!
قد عشت حولا بيننا,.
علمتني علمتنا
أن الحياة بقلبنا** حتى ولو فارقتنا
****
اسموك طفلي ياأخي ** يوم استحلت فصرت لي
ألحان تنبض داخلي,.
احببتني,, عانقتني,, وضحكت لي,, وحضنتني,.
قد عشت حولا بيننا ** غير الهنا لم تسقني
لا ليم قلبٌ هاهنا ** لا ليم دمعٌ هزني
في يومها ساءلتني,.
شعرا فدمعك دلني,.
في يومها,.
انشدت لي,.
ان الحياة كلعبةٍ ** ألم تعرها فاشتري
***
تذكرتُ في بحر ذاك المنى ** بأن الصغير شقي الخطى
تذكرتُ كم مرة لامني ** وكم مرة منه قلبي اشتكى
ففي ساعةٍ ضاع منها الهوى
تقرب حتى رأى لعبتي,.
فمد يديه ** وسارت اليه
وواراها حتى غدت بسمتي
وراءاها لما علت دمعتي
أهذا اخي,.
غدا خادعي!!
ولكنني,.
تواريت لما رنت ضحكتي,.
امنها تغار,, امنها تغار,.
أمن هذه صار طفلا يُثار؟!
وناديتني,, وشاغلتني
وسار النهار** ودون الخيار
ففي النوم ألهو وفي يقظتي,.
وجاء الظلام ** ووقت المنام
واغمضت عيني لكنني ** شعرت بجفني لا ينحني,.
فبعثرت اوراقي الحائرات,.
على مرفئي,.
وفي مكتبي,.
ولملمتها,, فأنفاسها,.
لم يزرها الممات,.
ولكنه,.
وفي يومها,.
الى غيرها,.
شد تلك الرحال
***
وماتت أغاريد قلب صغير
وما عاد يلعب في غرفتي,.
وما عاد يحكيها خلف السرير
حكايا من السحر عن جدتي,.
وما بات ينثر ذاك الصغير,.
وما عاد يأتيني في وحدتي,.
واقفلت في حسرة دفتري,.
فتلك النهاية في قصتي,.
وسار النهار** ودون الخيار
ففي النوم ابكي,.
وفي يقظتي,.
وجاء الظلام ** ووقت المنام
واغمضت عيني لكنني ** تفاجأت بالنوم قد ضمني,,تفاجأتُ بالنوم قد ضمني,.
شروق بنت عبدالرحمن السعيد
***
الشعر موقف شعري قبل ان يكون صيغة فنية وشكلية، موقف يتصيد من المحال فراشاته، او من الواقع مروقه ومفارقاته المستحيلة,, فألم هاملت الموجوع بثقل المهمة وقسوة الواجب في الانتقام لأبيه، ذلك الواجب الذي يضعه النهوض به في مواجهة مباشرة بالعداوة مع الأم حتى يقتلها، هذا الألم موقف شعري وان افضى به صاحبه بلغة النثر، وما من أحد قرأ او شاهد انتيجونا سوفوكليس دون أن تمس شكواها قبله بالحزن والأسى رغم ان آلافا من السنين تفصل بينه وبينها، او دون ان تهزه كلماتها انما خلقت كي أحب والحبيب هو اخوها الذي ترى جثته نهبا لجوارح الطير وتمنع من مواراتها بقسوة الأمر وتهديد القتل، وعندما تعلن انها ماضية في تنفيذ واجب الولاء وهي مدركة أي مصير تمضي اليه، تواجهنا بذلك الموقف الشعري حتى وان تحدثت نثرا مرتبكا,.
في كل قصيدة موقف شعري يختلف حظه من القدرة على اقناعنا بالتصديق او النكران، قد نصدق شكوى المحب من أوجاعه وقد نسخر منها، وتبقى أحكامنا على القصيدة في بعض جوانبها معلقة على حجم هذه القدرة في الاقناع بالصدق.
شروق السعيد، قبل ان تدفع الينا بقصيدتها، تحملنا بمقدمتها النثرية في سطرين الى قلب الموقف الشعري نعاني معها ألمها قبل ان نقرأ شعرها، موقف الأم التي تفقد فجأة ابنا ليس ككل الأبناء لأنه أخوها، او موقف الأخت التي تفجرت فيها عنوة وبكل القوة مشاعر الأمومة، وهي بعد طفلة في السابعة حين تحرم من حق الاخوة وفيض الأمومة معا بفقد فجائي لمن فجر فيها الأمومة وأشبع الاخوة معا، حتى غدا نبض القلب في صدر الصغير وفي صدرها حين تضمه اليها سريانا واحدا للحياة في الجسدين (قد كنت طفلا يرتوي من نبضه قلبي الذي بين الحنايا يرتمي)، سريان واحد للحياة لم ينقطع بموت أحد الطرفين، وإنما بقي العزاء والسلوى لمن تعاني مرارة الفقد (ان الحياة بقلبنا حتى ولو فارقتنا),.
اذا كانت القصيدة بموقفها الشعري تحملنا الى قلب الفجيعة لنشارك الشاعرة حزنها، فما الذي يحدونا الى كلام عن الوزن والموسيقى ولغة الشعر والصياغة والبناء وغيره، وهي كلها عناصر تساعدنا في الدخول الى عالم القصيدة، الذي اصبحنا بداخله بالفعل بسبب طبيعة الموقف الشعري فيها؟ في حالات كهذه قد يدفعنا التأمل الى قناعة بأن في الحياة المعاشة بكل قسوتها وجبروتها ما يجاوز إمعان الشعر او الفن في المبالغة ونسج اشكال المحال، تتحول التجربة الحياتية ذاتها الى نبع يفيض بالخوف والألم اللذين نفتش عنهما دائما في أعمال الفن رغبة في تطهير النفس، فالى اي التجربتين نوجه مشاعرنا؟ الى تجربة الحياة بوخزها الذي لا يكف ام الى تجربة الفن التي تقدم صورة مطفأة للنار في المرآة، ما لم تكن بتلك القوة التي تحل تجربة الفن في مواقع الحقيقة، وتدفع بتجربة الحياة لنكون صورة المرآة التي لا تمنح دفئا,,؟
لشروق السعيد قصائد اخرى قدمناها في السابق، وليست هذه آخر قصائدها، ولهذا نستثني هذه القصيدة من أي تناول، لنقدمها بحرارة الحقيقة فيها، تاركين كل الكلام لغيرها من قصائد شروق، الصديقة الدائمة لعطاءات هذه الصفحة.