في الحلقتين السابقتين من هذه السلسلة من المقالات عن مرحلة ما بعد القارات ,, او لنقل على الاصح على اعتاب ال 2000 باعتبارنا مقبلين على مرحلة هامة,, وعصر جديد نحتاج فيه الى مفاهيم ترتقي الى مستوى الحدث,, قلت:
ان هذه المقالات وان كانت تأتي بعد بطولة القارات,, فان هذا لا يعني انها ردة فعل مباشرة على نتائجها,, فنتائجها ليست سيئة للدرجة التي تستدعي مثل ردة الفعل هذه، بقدر ماهي اي هذه المقالات مجموعة رؤى لعبت الصدفة والتوقيت المناسب دوراً في خروجها للنور في هذا الوقت وهذه المرحلة.
واشرت الى ان الخسارة في بطولة القارات لا يتحملها لاعب معين,, او جهاز معين,, او جهة معينة بقدر ماهي مسئولية جماعية كل حسب دوره وموقعه، فكما اننا شركاء في اقتسام كعكة النجاح,, فيجب ان نكون شركاء في عدم نضج الطبخة,, او احتراقها.
كما تحدثت عن الاستقرار خصوصاً في الناحية الفنية للفريق,, اولمدرب الفريق على الاخص كعامل اساس ورئيس في النجاح ضاربا مثلا حيا لمنتخب المانيا الذي لم يتجاوز عدد مدربيه عدد اصابع اليد الواحدة على مدى نصف قرن.
وقلت ايضا ان التغيير الدائم والمستمر في الجهاز الفني للفريق بناء على تغيير المدرب الذي وصل لدينا الى رقم قياسي,, فانه الى جانب كونه يؤثر سلباً على اعداده وعطائه,, يؤدي الى هدر مالي يمكن الاستفادة منه في مناح اخرى، وان البعض يلجأ لذلك لالقاء التبعية على المدرب هروبا من مواجهة الحقيقة,, وصرف نظر الجمهور او الاعلام عن الاسباب الحقيقية وراء الفشل ادارية كانت او فنية,, مؤكداً على الدور الذي تلعبه الاندية في هذا الخصوص وانها هي الاساس والأولى بالاستقرار.
واستمراراً للحديث عن عامل الاستقرار واهميته,, فبالاضافة الى السلبيات التي اشرت اليها في حلقة الامس,, فان حالة عدم الاستقرار هذه لدينا,, وتغيير المدربين الدائم,, جعلا كثيرا منهم ينظر الى تعامله معنا على انه مرتبط بفترة زمنية معروفة البداية مجهولة النهاية,, حتى وان تحددت مدة العقد، ولذلك فهي فرصة لتحقيق مكاسب سريعة في زمن قصير، بمعنى آخر اكثر ايلاماً فرصة لبناء مستقبله,, او حل مشاكله المالية في زمن قياسي ,, بغض النظر عن النتائج الفنية,, التي سيجد منها مخرجاً لجعل الطرف الاخر هو البادىء والمبادر لانهاء العقد مما يعفيه من المسئولية المترتبة على ذلك.
لهذا,, لا يمكن لاي من هؤلاء المدربين ان يفكر في اعداد خطط بعيدة المدى,, او بناء فريق مستقبلي,, بقدر بحثه عن عوامل الكسب السريع,, او على الاقل البقاء في الجانب الآمن من خلال البحث عن عدم الخسارة على اقل تقدير.
اننا لم نجد في يوم من الايام، وفي اي عقد من العقود مع المدربين وهذا يخص الاندية اكثر ان احتوى العقد في احد بنوده على ما يشير الى الخطط المستقبلية لدى المدرب,, وبرامجه,, وموعداً زمنيا محدداً للانتاجية, وبناء الفريق.
ان جميع عقود المدربين هي صيغة واحدة تذكرنا بالاستمارات او الطلبات الموجودة لدى الدوائر الحكومية او الجوازات بطلب اقامة او تأشيرة خروج,, او اي من البطاقات المعمول بها,, مجرد فراغات يتم تعبئتها ببيانات محددة,, مقدم العقد- الراتب الشهري- مكافآت الفوز والتعادل- مكافأة البطولة للدوري,, وللكأس والبطولات الخارجية,, الخ وهكذا,.
الجديد في كل عقد,, والذي يأخذ وقتا طويلا من المناقشة هو محاولة تخفيض الامور المالية التي عادة ما تبدأ كبيرة من قبل المدرب ليصل في النهاية الى مبتغاه,, فيما يخرج النادي مزهوا وفرحاً بانتصاره في تخفيض قيمة العقد,, الذي ساهم المنشار عفوا السمسار في تخفيضه!! مشكوراً!! .
اما برامج مستقبلية,, ومسئوليات اخرى على المدرب,, فليس لها اي ذكر!
لا توجد هناك كما اشرت خطط مستقبلية واضحة,, ومحددة المعالم.
ولا توجد هناك لجان,, مؤهلة وكفؤة قادرة على الاجتماع بالمدرب ومناقشته بصفة دورية على خطته المستقبلية,, مالذي تم انجازه؟! ومالذي لم يتم؟! ولماذا؟! وماهي المعوقات؟! والحلول؟!؟!,, الخ.
لم نجد ناديا من انديتنا الزم مدربه العالمي! باعطاء دروس ومحاضرات نظرية للاعبيه في فترات مختلفة صباحية مثلاً ,, حول المفهوم الحقيقي لكرة القدم,, والمفهوم الحقيقي للمنافسة,, وسلوكيات اللاعب داخل الملعب وخارجه,, وانعكاسها على ادائه ومستقبله كلاعب محترف وشرح نظري ايضا لخطط اللعب,, واساليبه.
ولم نجد ناديا الزم مدربه العالمي ,, بالاهتمام بالمدرب الوطني وافادته بخبراته ومعلوماته,, وتفعيل دوره كمساعد مدرب بدلاً من كشف الحضور والغياب فقط!!
لماذا لا نستفيد من هذه القدرات والخبرات في اعداد جيل من المدربين الوطنيين وفي تقديم دروس نظرية وعملية لهم؟!
انني هنا وبالمناسبة اثمن الدور الكبير الذي يقوم به معهد اعداد القادة في هذا المجال ولكنني ارى ايضا الزام هؤلاء المدربين ضمن بنود العقد بالتعاون التام مع المعهد عند الحاجة لهم في مثل هذه الدورات,, حتى ولو بمقابل رمزي جراء المشاركة,, اذا كان العقد لا يسمح بذلك.
اننا لم نشاهد ايا من الامور السابقة في عقود المدربين,, وهي امور لو تمت فانها ستلزم المدرب بتغيير وجهة نظره واعادة تقييم وضعه,, وستؤدي الى تبادل المنافع واستفادة الاندية على الاقل من بعض الجوانب اذ لم يحالفها التوفيق في جوانب اخرى بدلا من سريان مجرى النهر الى مصب واحد!
وعموماً فان الحديث عن المدرب هو جزء من الحديث عن النادي ومفهومه للاحتراف والحديث عن اللاعب ومفهومه هو ايضا,, ذلك المفهوم الذي وللاسف لا يبتعد كثيرا لديهم عن مفهوم الاندية للتعاقد مع المدربين,, فالمسألة بالنسبة لهم راتب وتفرغ للكرة!! لا اكثر ولا اقل!!
والله من وراء القصد
الحلقة الرابعة: غدا الاثنين باذن الله
|