Sunday 15th August, 1999 G No. 9817جريدة الجزيرة الأحد 4 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9817


هكذا
فهد العتيق
(ما يبقى) من أدب الذات,,.

* تُقدم دار الفارابي (بيروت) واحدة من أجمل روايات (أدب الذات) للروائية الالمانية (كريستا فولف)، ترجمة (بسام حجار) في (80) صفحة فقط، وتقول (كريستا) إنها في عدة نصوص روائية لها ظلّت تكرّس ولعها بما سمته أدب الذات الذي يستلهم قيم احترام الفرد وتفتحه الذاتي في ظل الحلم بالحرية وبالعدالة الاجتماعية.
رواية (ما يبقى)، كتاب أقرب الى اليوميات الحميمة التي تروي أحداث يوم واحد فقط في حياتها، على اثر اكتشافها بأن عناصر الشرطة تراقبها، يوم واحد من التداعيات والوساوس والاحاديث والإحساس العميق والقاتل بالعزلة، كما يعبر مترجم الرواية النشط بسام حجار، الذي يقول: يوم واحد في حياة الكاتبة، من العيش المكشوف المعرض في كل ثانية لأعين الآخرين ونظراتهم الكابية، نرى في هذه الرواية انهيار الوهم والدمار العقلي الذي يخلفه في أعماق الذات.
بعد الدخول في عالم الرواية (مايبقى) سوف نصل سريعا الى احتفالها بأشيائها البسيطة اليومية، وهي تتذكر ذلك اليوم في حياتها، ذلك اليوم الذي كان جديدا وغير معاش، وتتساءل: كيف سترى بعد عشرة او عشرين عاما الى ذلك اليوم,,؟ ثم تتلمس قبل الدخول في اعماق الرواية تلك الحيل الصغيرة التي كانت تجيزها لنفسها كل صباح: ان ترفع عددا من الصحف لتضعها في المكان المخصص لها، ان تُملس على عجل مفارش الطاولات، ان تضع الكؤوس وتدندن لحن اغنية مستحيل، قال الحكماء، أضِعفُ الاثنين ابدا لا يكون ثلاثة ، ويقينها ان كل ما تصنعه ليس اكثر من خداع لنفسها، فقد كانت تسير كأنها مشدودة بخيط نحو الغرفة المواجهة، نحو النافذة الكبيرة التي تطل على الشارع لترى النور الصباحي الذي تحب والذي كانت تود لو تخزّن بعضا منه لتتغذى به في الأيام المعتمة.
من أجواء الرواية
لا تخافي، لغتي الاخرى، قلت في سرّي، إذ أواصل السعي لخداع نفسي فيما اضع الاواني المتسخة في المجلى وأرتب سريري، ثم أعود الى الغرفة المواجهة لأجلس اخيرا خلف طاولة المكتب، لغتي الجديدة، تلك التي بدأت تنمو في داخلي ولكنها لم تبلغ بعدُ ذروة اختمارها، ستستبدل بهدوء، المرئي بغير المرئي، وستكف عن وصف الاشياء استنادا الى مظهرها - سيارات حمراء فاقعة، بيضاء، وستفسح المجال رويداً لأن يظهر الجوهر غير المرئي، ستكون لغة زاخرة بالحيوية او هذا ما كنت استشعره في اعتقادي، لغة زاخرة بالمراعاة والرقة، لن تؤذي أحدا، أو لن تؤذي أحداً سواي، إذ بدأت أدرك لماذا لم يكن بوسعي ان ابلغ ما هو ابعد من هذه الاوراق المحبّرة، أبعد من هذه العبارات اليتيمة والقليلة، فقد كنت أزعم التأمل فيها وكنت لا افكر في شيء ولكن مجددا كانوا هناك .
وما زالت الوجوه والسيارات تطاردها في هذا اليوم الأسود، وهي ترى انها لأسابيع طويلة تمشي في شوارع بلا اسماء لمدينة بلا اسم، وصقيع رطب ينخر العظام يخترق جسدها كأنه لم يكن، غير انه كان لا يزال يؤوي ذكريات باهتة لأفراح غابرة، لخبز وحب ورائحة أولاد وأطياف مناظر ومدن ووجوه، وبات لا يرشح من هذا الوقت غير الآسى الذي كانت تحسب انه يصفع من يقترب منها بنسمة باردة.
رواية صغيرة ولكنها لغة تحاول قتل الإحساس بالغربة عن المدينة وعن الناس وعن الابناء، رواية تبرز الجانب الانساني في معاناة من يحلمون بالبناء.
للكاتبة ايضا رواية مشاهد صيفية حيث تروي عودة مجموعة من الاصدقاء الى الريف بعد ان قطعوا صلاتهم بالمدينة وبماضيهم والوهم الذي ظلل حياتهم خلال سنواتهم الماضية، و(ما يبقى) التي كُتبت عام 1979م لم تنشر إلا عام 1990م، بعد عام واحد على سقوط جدار برلين، حتى لا تكون مرة اخرى تحت المراقبة السياسية المشددة,!!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved