د, الغامدي يترجم كتاب (ماريا مونيكال) الدور العربي في آداب القرون الوسطى ,, القروسطية عبدالحفيظ الشمري |
تؤكد مقدمة كتاب الدور العربي في آداب القرون الوسطى والذي ألفته الباحثة الدكتورة : ماريا روزا مونيكال ان العرب والمسلمين سجلوا للتاريخ والحضارة العديد من الانجازات الحضارية، والأدبية والتي تمثلت فيما وجد من تراث شعبي غني وهام,, ويستوضح مترجم هذا الكتاب الدكتور صالح بن معيض الغامدي حقيقة هذه الاشارات التي تبعثها الباحثة من خلال ماذهبت اليه ليصف مشروعها التنظيري بأنه اسهام علمي جديد يسلط الضوء على ثقافة العرب في (صقلية) و(الأندلس) بوصفهما مركزي اتصال بين حضارة العرب والحضارات الغربية الاخرى ومركزي استقطاب للباحثين من كل الجنسيات والأعراق.
كما تشير المقدمة الأولى للكتاب وهي (للمترجم) الى ان قضية الاستشراق لم تكن ماثلة أمام المؤلفة الباحثة لتصر وبشكل دائم وبمواضع عديدة في هذا البحث على أن الأدب الصقلي والأندلسي هما جزء لايتجزأ من الأدب الأوروبي متجاهلة بذلك اصطباغ هذه الآداب بالصبغة الاسلامية والعربية المتميزة.
وأمام هذا الادعاء الذي تبرز له المؤلفة العديد من المبررات، والحيثيات يجدر القول بأن قوة الأدب العربي جعلته يختطف الريادة ليصبح مطمعا للحضارة الغربية ,,, وهو ما حاول (المترجم) الدكتور الغامدي أن يشير اليه في تقديمه وترجمته لهذا الكتاب.
ومثلما تعتد الباحثة بأدبها الغربي، وتحاول أن تنسب اليه بعض الآداب العالمية المتميزة الأخرى حري أن يقف القارئ على تفاصيل المسلمات الأولى والتي استهلت بها المؤلفة كتابها ومنها وصفها الدقيق لشرارة انطلاق الفتوحات المظفرة في عهد الخلافة الاسلامية والتي لم تكن اقتتالا ، وانتصارات حربية بل جاء على شكل ثورات علمية، وادبية حققت للانسانية العديد من الأمجاد ، والفتوحات العلمية التي اسهمت في تقديم مكانة الطب، والعلوم، والهندسة، والفنون.
* أدب القروسطية:
وتؤكد المؤلفة في وصفها للآداب الحديثة بأن بعضها لديه مزاعم حضارية تهمش النظرة الواقعية للتاريخ بوصفه سياقا استشرافيا مغرقا في الاسطورة,, لتناقش من خلال هذا المنطلق الموروث الفكري، والفني للانسان جملة من الانثيالات الحكائية التي تحرك بؤرة الاهتمام نحو ألمع مايمكن ان يبعث في الانسان الارتياح والمجد لتصبح العلاقة مع هذا المفهوم فيضا تسجيليا يحقق ابعاد المعرفة، ويرصد جملة من الانطباعات التي تتعاضد في وجودها مع المنجزات الانسانية الاخرى لتتحد في هذا الاطار صيغ المعرفة، وتصبح المعاضدة جزءاً من أدب المرحلة ليتسنى للمؤرخ أن يكتب تاريخ هذه التراكمات الثقافية، والمعرفية الهامة، والحيوية.
وتشير المؤلفة الى أن بعض الدراسات السابقة في مجال التاريخ الذي يتعلق بالفترات القروسيطة تميل الى ان هذه الانجازات الحضارية، والثقافية كانت بفعل التأثير العربي، وتدعم هذه الفكرة - كما تقول المؤلفة - العديد من المقولات، والترجمات العربية خاصة في القرنين الحادي عشر، والثاني عشر الميلاديين.
وترى أن الترجمة العربية اسهمت على نحو قاطع في الاحياء الفكري لأوروبا في ذلك الوقت لتصبح الرؤية أكثر وضوحا للدور الذي لعبته الأمة العربية في العصور الوسطى والتي عرفتها فيما سبق بالقروسطية ، لتستدل في هذا السياق على قوة الحضور العربي وفاعليته بما لديها من مخطوطات شعرية كانت مثل جدل وخلاف حول جملة من الفرضيات التي يؤكد بعضها سمو التجربة فيما تناقض البقية الأخرى هذا المنحى الانساني.
فالفرضيات الاولى تقف من الأدب العربي والاسلامي وجهود الأدباء والمترجمين موقف الممتن والمقر, فيما الفرضيات الأخرى تبرر رفضها، وعدم منطقيتها على خلفية تاريخية تشير الى ان حقبة مكوث العرب في الأندلس كانت قصيرة نسبيا قياسا لحاجة الأدب لتراكمات زمانية تحدده كسياق معرفي فاعل ومؤثر.
* تفرد المنهاج التراثي:
وتمهد المؤلفة لفصل كتابها الثاني بهالة تاريخية تروي انثيال الثقافة العربية واثرها على العالم الغربي منذ ايام الفتوحات الاولى والذي كان مستهلها العام 711م حتى تأسيس الخلافة الكبرى في قرطبة، وبلوغها سن الرشد في العام 929م.
وتعيد المؤلفة (ماريا روزا مونيكال) أسباب هذا النجاح، والقوة والتميز الفريد في المنهاج الحضاري لرجال الفتوحات الاسلامية الى بناء (جامع قرطبة الكبير)، وادخال أهل هذه البلاد الاسلام، والحرص على اللغة العربية مما جعل هذه الأسباب كفيلة بتقديم صورة أفضل عن المشرق الذي عاش حالة من الزهو، والتميز مكنته من أن ينال المكانة المرمومقة، ويؤثر في تكوين تلك الحضارة التي دامت لعدة قرون فكانت مصدر الهام وتطلع الأجيال في قرون لاحقة بل لاتزال الى اليوم حضارة العرب في العهد الصقلي والأندلسي مادة ثقافية مطروحة، وقابلة للبحث والاكتشاف.
الا أن مما يمكن ان نأخذه على مؤلفة هذا الكتاب بوجه عام هو ميلها الشديد الى التقليل من أهمية الدور العربي، وربطة احيانا بما تراه ضعفا وضياعا في حالة الغرب والذي مهد لسقوطهم أمام قوة العرب,, لتورد في هذا السياق، وفي هامش الكتاب المترجم (ص 50) مقولة أسقف قرطبة والذي مابرح - والحديث للمؤلفة - يبكي علىضياع قيمتهم المسيحية, في وقت يبدي دهشته من شعر العرب، ومن سبقهم ، ولا يخفي كذلك اهتمامه في اللغة العربية والتي يرى انها علىدرجة عالية من المهارة والجمال الذي ينعكس على أداء الفنون.
* خصائص الفن التراثي:
وتستفيض المؤلفة في وصف خصائص (القروسطية) من خلال البعد التراثي الذي خلده الفن الغنائي والذي اعتمد على اللغة بوصفها وعاء يستوعب هذه الألوان، ويمنح التاريخ فرصة ان يسجل هذه التحولات الفنية التي برع بها العرب دون غيرهم من الشعوب,, وهذا ماتدور حوله صفحات الفصل الثالث من هذا الكتاب.
ويمكن للقارئ ان يطالع العديد من المقاربات حول التراث، وتاريخه الطويل والذي يستشرف ملاحم الفن، والبناء والحضارة اضافة الىحضور الشعر في عقلية الفاتحين الأوائل والذين جلبوا معهم الشعراء، والخطباء والمفوهين لتكتمل رسالة الفتوحات التي تهاوى أمام قوتها العديد من القوى والامبراطوريات.
وحتى وان لم تشر الباحثة الدكتورة (مونيكال) الى هذه الفائدة بشكل مباشر وتلقائي تظل جملة من الشواهد شامخة لتؤكد قوة الدولة الاسلامية في تلك القرون السالفة او كما اسمتها (القروسطية)، وأثرها في تلك الشعوب التي إنطوت تحت لوائها ليصبح العلم والثقافة والفنون والحضارة لغة مشتركة تلتقي بها هذه الأمم، ويمثل هذا الاتجاه الفيلسوف العربي ابن رشد والذي شرح نظريات ارسطو طاليس.
ولم تغفل المؤلفة الدور الذي اضطلعت به الموشحات الاندلسية لتخضع هذه الفنون الى شيء من التمحيص والتحليل ومن ثم المقاربة مع معطيات فنية سابقة، الا انها ومن منطلق النظرة المتفحصة اكدت ان العديد من الدراسات حول (الموشحات) حاولت ان تباعد بين الأدب العربي الصقلي والأندلسي وبين الاطار المرجعي الأوروبي (القروسطي), ففي هذه النظرة المتباينة مايؤكد عراقة الفن العربي وتأصله في التاريخ القديم ، والحديث.
ومن أجل المقاربة التاريخية أيضا ناقشت المؤلفة (كومدية دانتي) من خلال علاقتها بالواقع الأدبي الذي كانت تعصف به العديد من التحولات فلم يعد أمام دانتي - كما تقول المؤلفة - الا ان يسلك هذه الصيغة التوفيقية لفهم العالم من حوله ليصف الحضارة والثقافة العربية بالاعجوبة التي انجذب اليها الكثير من أقرانه الايطاليين (الكتاب ص 170).
وتختتم المؤلفة كتابها بثبت للعديد من المقالات والكتابات، والشروح حول معارف دانتي وتأويلاته التي فسرت على أكثر من وجه، وبأسليب عديد متباينة، وكذلك ما كتب من أدب ودرسات حول الأندلس وبروز الدور الثقافي العربي ,, لتتوقف عند ذكر أهمية الدراسات (القروسطية) الأسبانية علىضوء روائع الأندلس و أمجادها.
***
* فاصلة:
* الدور العربي في التاريخ الأدبي للقرون الوسطى (دراسة).
* ماريا روزا مونيكال - ترجمة د, صالح الغامدي,
* جامعة الملك سعود بالرياض 1420 - 1999م.
|
|
|