القدس,, بين اليهودية والإسلام 1 من 2 د. محمد عمارة |
عندما نناقش حجج ودعاوى الآخرين ، حول قضية القدس، يجب ان نتجرد من منطق صاحب الحق الذي يخاطب ذاته,, فنتحدث بالمنطق الموضوعي - البارد الذي يفند حجج الخصوم، بمنطق هؤلاء الخصوم، وبلغة العلم وعقلانية الفكر، لا بالعواطف ، أو حتى بمأثوراتنا الدينية الخاصة التي لايؤمن بها الآخرون.
وفي تطبيق هذا المنهج على وثيقة رابطة الدفاع اليهودية التي كتبها اليهودي الصهيوني الامريكي دانيال ياسبس - أكبر مساعدي بنيامين كاهانا - ابن الحاخام الإرهابي مائير كاهانا - مؤسس هذه الرابطة - ,, في مناقشة هذه الوثيقة نجد ان صرامة المنطق المجرد - وهو في الفكر عملة دولية عامة - تقودنا إلى إسلامية القدس ، والى نفي اية علاقة لهذه المدينة باليهودية واليهود.
* تقول هذه الوثيقة : إن القدس هي اعظم مدينة دينية بالنسبة لليهودية .
فهل هذا صحيح؟ وهل هناك علاقة مابين اليهودية وبين مدينة القدس؟.
لقد روج اليهود هذه الدعوى، حتى تبنتها الكاثوليكية - ومن قبلها البروتستانتية - فوجدنا بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني، يتحدث عن القدس فيقول: منذ عهد داود الذي جعل أورشليم عاصمة لمملكته، ومن بعده ابنه سليمان، الذي اقام الهيكل، ظلت أورشليم موضع الحب العميق في وجدان اليهود، الذين لم ينسوا ذكرها على مر الأيام، وظلت قلوبهم عالقة بها كل يوم، وهم يرون في المدينة شعارا لوطنهم (عن مقال الأنبا يوحنا قلتة - الأهرام في 12/5/1997م).
ووجدنا - كذلك - التحالف المسيحي البروتستانتي - في امريكا - تحت تأثير الصهيونية - المسيحية ,,عندما جعل الكونجرس الامريكي يقرر سنة 1995م نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس- وبناءها على ارض الأوقاف الخيرية الإسلامية، - ينص في مقدمة هذا القرار على ان القدس هي الوطن الروحي لليهودية .
فهل حقا تمثل القدس أعظم مدينة بالنسبة لليهودية - كما تقول وثيقة رابطة الدفاع اليهودية؟
وهل هي شعار الوطن اليهودي - كما يقول بابا الفاتيكان- ؟ والوطن الروحي لليهودية - كما يقول الكونجرس الامريكي - ؟
لنسأل أولاً: ماهي اليهودية؟
إنها - بالمنطق العلمي المجرد - هي شريعة نبي الله موسى - عليه السلام - التي جاءت بها الألواح والأسفار التي أوحى الله بها الى موسى,.
وهنا نسأل - ثانيا - هل هناك اية علاقة - بين شريعة اليهودية,, ونبي اليهودية,, وتوراة اليهودية,, وبني اسرائيل الذين نوجهت إليهم التوراة والشريعة وبين مدينة القدس؟
ان نبي اليهودية قد ولد ونشأ وعاش ومات ودفن في مصر، ولم تر عينه القدس في يوم من الايام.
وان توراة اليهودية وشريعتها ووحيها قد نزلت في مصر، وباللغة الهيروغليفية - وقبل وجود اللغة العبرية - ولم تشهد القدس - عبر تاريخها الطويل - شيئا من ذلك في يوم من الأيام.
فأين هي العلاقة الروحية - علاقة الوطن الروحي - التي يتحدثون عنها بين اليهودية وبين القدس؟!
* فاذا قالوا - وهم بالفعل يقولون - بلسان وثيقة رابطة الدفاع اليهودية - إن اليهود يصلون في اتجاه القدس، ويذكرون اسمها في صلواتهم باستمرار، وينهون صلاة عيد الفصح بعبارة شوق حزين العام القادم في القدس ,.
فإننا سنقول لهم: حسنا! لكن، هل صلاة ابناء دين من الأديان تجاه مدينة من المدن، ترتب لأبناء هذا الدين حقوقا وطنية وسياسية,, وسيادية في هذه المدينة؟
إن الأرثوذكس - الروس، واليونان، والصرب، والمصريين، والأحباش - يصلون جميعا تجاه القدس، وإليها يحجون، وفيها يتقدسون,,, ومعهم في ذلك كل شعوب الكاثوليك، في جميع انحاء الدنيا، وكذلك كل الأمم والقوميات البروتستانتية,, فهل يرتب التوجه الى القدس في الصلاة لكل هذه الأمم والشعوب والقوميات والأجناس حقوقا وطنية,, وسياسية,, وسيادية في مدينة القدس؟
إن القول بهذا المنطق جدير بعالم النكات وهلوسات ضحايا المخدرات، ولاعلاقة له بأدنى مستويات العقل والعقلاء، وقس على ذلك توجه المسلمين، من مختلف الأمم والأوطان إلى مكة في الصلاة,, وهو الذي لايرتب لشعوبهم في مكة,, اية حقوق وطنية,, أو سيادية,, او سياسية ,.
* فإذا قالوا: لقد عاش وحكم في القدس داود وسليمان - عليهما السلام - وفيها بنى سليمان هيكلا لليهود,, فسنقول لهم: نعم! لكن هذا لايقيم علاقة - بين اليهودية - وبين القدس,, وذلك لعديد من الاسباب التاريخية والمنطقية والواقعية,, منها:
1 - أن داود وسليمان - بمنطق اليهود واليهودية - هم من الملوك وليسوا من الرسل والأنبياء ومن ثم فإقامتهم في القدس وعلاقتهم بها هي علاقة الاستيلاء السياسي والحربي ، وليست علاقة دينية بين القدس وبين اليهودية كدين.
2 - وان علاقة داود وسليمان بالقدس، كانت - بالنسبة لعمر القدس الذي يبلغ الان ستة الاف عام - علاقة عارضة وطارئة ، وسريعة الزوال,, فهي قد بدأت في القرن العاشر قبل الميلاد، بعد ان كان عمر القدس قد بلغ ثلاثة آلاف عام - فهي قد أسسها اليبوسيون اجداد العرب الفلسطينيين، قبل الميلاد باربعه الاف عام - ولم تدم العلاقة بين داود وسليمان، بل وبين كل العبرانيين وبين القدس وفلسطين أكثر من 415 عاما.
فهل يؤسس ذلك لليهود حقا وطنيا,, وسياسيا,, وسياديا دائما في القدس وفلسطين؟.
لقد اقام العرب المسلمون وحكموا في الاندلس ثمانية قرون، وبنوا فيها المساجد التي لاتزال قائمة حتى الآن,, فهل يرتب ذلك لهم في اسبانيا والبرتغال حقوقا وطنية,, وسياسية,, وسيادية ؟.
ولقد اقام الاسكندر الأكبر المقدوني 356 - 324 ق,م في مصر وغيرها من بلاد الشرق مدنا ومعابد وامبراطورية، دام حكمها وحكم خلفائه فيها قرابة العشرة قرون - من القرن الرابع قبل الميلاد الى الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي - فهل يرتب ذلك للشعب المقدوني او الإغريقي أو الروماني - او لهم جميعا - في مصر والمشرق حقوقا وطنية,, وسيادية,, وسياسية ؟
وقبل الإسكندر، دخلت كثير من بلاد الشرق تحت حكم قمبيز (529 - 521 ق,م) الفارسي,, وفيها بنى المعابد والهياكل والقلاع
وقبل قمبيز ، حكم الفراعنة - قرونا متطاولة - اغلب هذه الاقطار، واقاموا فيها المعابد، وتركوا فيها الآثار,, فهل يطالب أهل مصر,, أو أهل فارس بالسيادة الوطنية والسياسية على تلك البلاد؟!
* وهذا المعبد الذي بناه سليمان - عليه السلام - والذي دمره البابليون مع مملكة يهوذا سنة 585ق,م, هل حقا مايدعيه اليهود ان المسجد الاقصى قد بني على انقاضه؟.
إن اللجنة الملكية البريطانية قد حكمت سنة 1192م بان مايسميه الهيود حائط المبكى هو حائط البراق جزء من المسجد الأقصى، ومعراج رسول الإسلام، ولا علاقة له بهيكل سليمان,.
ولقد مضى ثلث قرن على احتلال اليهود للقدس الشرقية وتكثيفهم البحث والتنقيب وتقليب باطن الارض بحثا عن اي اثر أو دليل على دعواهم هذه، لكنهم لم يعثروا في كل هذه المنطقة، وطوال هذه السنين على أدنى أثر لهذا الهيكل المزعوم,.
فاين هي العلاقة بين اليهودية وبين مدينة القدس؟
* ثم,, هل يهودية التلمود,, ويهودية الصهيونية هي يهودية موسى - عليه السلام -؟
إن أسفار التوراة ذاتها شاهدة على نقض اليهود لشريعة موسى، وعلى استحقاقهم لعنة الله بسبب خروجهم حتى على التوحيد!, كما ان اليهودية المعاصرة، التي تحتل القدس وفلسطين - تعرّف اليهودي بانه هو المولود من ام يهودية ,, فالمعيار فيها بيولوجي وليس دينيا، وبذلك اصبح يهود الخزر والاشكناز الذين لا علاقة - لهم ببني اسرائيل والعبرانيين والساميين هم اليهود - وفق هذا المعيار البيولوجي - حتى ولو كانوا ملاحدة، اوابناء زنا!!.
فأين هي العلاقة بين اليهودية وبين القدس؟,, بل واين هي العلاقة بين هذه اليهودية العنصرية البيولوجية وبين يهودية شريعة موسى - عليه السلام -,؟
هذا هو المنطق الموضوعي,, المجرد,, بل والبارد الذي نفند به دعوى العلاقة الدينية بين القدس وبين اليهودية واليهود.
|
|
|