ذاعت شهرته الغنائية في السودان ومنه انطلق إلى افريقيا ثم إلى مختلف دول العالم، ورغم نشأته في النوبة إلا أنه لم يسلك الطريق إلى مصر كما يفعل معظم المطربين، ولم يتخذها قاعدة للشهرة والذيوع كما يفعل الكثيريون، إنه المطرب السوداني محمد وردي الذي يحتل قمة الطرب السوداني وله مكانته الأفريقية والعالمية في دنيا الغناء وصاحب الأغنيات ذات الايقاع النوبي والسوداني المميز عن رحلته الفنية وشهرته وأغنياته ذات الصيت العالمي والتي تكاد تكون مجهولة في العالم العربي,, كان حوار الجزيرة معه قبل رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج,, حيث نتمنى له الشفاء العاجل.
* سألناه في البداية عن قلة نصيبه من الشهرة والذيوع في مصر والعالم العربي فقال: هناك سببان رئيسيان أولاً: تجاهل الإعلام المصري لي ولكل من لم يتخذ القاهرة محطة في رحلته الفنية وكذلك محاصرة الفن السوداني في ركن السودان بالإذاعة المصرية.
أما عن السبب الثاني فيقول وردي انني أغني على المقام الخماسي فيما يغني معظم المطربون العرب على المقام السباعي.
*وهل يعود ذلك إلى نشأتك في النوبة، وكيف ترى تأثيرها على تجربتك الفنية؟
- تأثيرات النشأة والتكوين تترك اثراً بالطبع في حياة الإنسان وكانت السبب في اختياري للمقام الخماسي,, فالنوبة ذات الطبيعة الهادئة، ومناخ الحرية في العلاقات العائلية والاجتماعية، وعائلة معظمها من الشعراء والعازفين على الطمبور فكان يوجد خليل فرح وهو مطرب شهير قد بزغ نجمه في النوبة,, لا أخفى تأثري به وقد شجعني على تنمية الموهبة التي حباني بها الله ثم كان يتمي وحرماني من الأب والأم متوجاً لمشاعر حزن دفين لازمني منذ الطفولة وأثر على تجربتي الغنائية وربما غلفها بالشجن، وفي الحقيقة أنني في بدايتي واجهت صعوبات كثيرة فبعد أن حصلت على دبلوم المعلمين كنت أعمل مدرساً للأطفال، ولا يقبل الأهالي أن يدرس ويتعلم ابناؤهم على يد مغنواتي لأنه في تقديرهم قدوة غير مناسبة، وكنت مهدداً بالفصل ولا مفتش اللغة العربية الذي دافع عني وقتذاك وأقنع الأهالي وأولياء أمور التلاميذ بانني قدير في تدريس اللغة العربية والتاريخ ولولا ذلك ما أحببت الغناء فأقبل التلاميذ علي في فرح.
* ولكن يقال إنك تأثرت بالمدرسة المصرية في الغناء؟
- هذا صحيح فقد حضرت للقاهرة من قريتي مرتين قبل أن أذهب للخرطوم، الأولى كنت طفلاً والثانية كنت شاباً وقد أحببت فيها أغنية شاعت كثيراً وهي البوسطجية اشتكوا من كثر مراسيلي ، كما أحببت وقتذاك صوت أم كلثوم وعبدالوهاب فأنا أنتمي لنفس الجيل وربما أكون قد تأثرت بهما كما يقول بذلك سودانيون,, حيث أقوم بعمل مقدمات موسيقية طويلة لأغنياتي، وبرغم ذلك أعتبر أننا في النوبة في منطقة التماس بين مصر والسودان وكأننا كيان متمايز عن كلا البلدين وإن كان يحمل سماتهما معاً,, فمثلاً في النوبة يسألونك طالعا ولا نازل، فإن كنت طالع يعني ذلك أنك مسافر إلى مصر أما النزول فيعني أنك مسافر للخرطوم، ويتوج كل ذلك أن جدي الكبير كان في مصر لذا فانه من المفارقات انني لم اقم بزيارة الخرطوم إلا عام 1953م في العشرينيات من عمري بينما كنت أزور مصر منذ الطفولة.
المقام الخماسي والسباعي
* إذاً لماذا لم تقدم فنك في مصر ولم تنطلق منها؟
- لم أنطلق من مصر مثل بقية المطربين خاصة اللبنانين والسوريين وغيرهم لأن هؤلاء جميعاً يقومون اغنياتهم على المقام السباعي المنتشر من المحيط إلى الخليج بينما في السودان وغرب افريقيا يغنون على المقام الخماسي وهو مقام لم يكن يتذوقه الجمهور العربي ولكن الملاحظ حالياً أن الأغاني الشبابية ذات الرتم السريع أصبحت تعتمد على المقام الخماسي كأغاني محمد منير على سبيل المثال.
* في أوائل الثمانينيات قلت للمطرب إبراهيم عوض أنك بدأت مقلداً لكبار الفنانين رغم أن معظم العمالقة لا يعترفون بهذه المرحلة, فمن قلدت ولماذا اعترفت؟
- الاعتراف بالحق فضيلة,, وأي فنان مهما كانت مكانته التي وصل اليها نجده بدأ مستمعاً للجيل الذي سبقه فلم نجد مطربين يبدأون رحلتهم من فراغ وأنا قلدت ابراهيم عوض لأني اعتقد أنه حقق النقلة النوعية في الغناء السوداني وكان بمثابة مدرسة تتلمذنا فيها ولكن للأسف لم يستطع أن يكمل مشواره الفني رغم قدراته الصوتية الهائلة وتقديمه للون غنائي جديد لأنه لم يكن ملحناً وهي مسألة مطلوبة لأي مطرب سوداني بشكل خاص حيث لا يوجد ملحنون متخصصون.
* ألم تحاول أن تقلد عبدالوهاب أو أم كلثوم أم أن وجدانك لم يتذوق المقام السباعي الذي غنوا به؟
- أنا أعتبر نفسي من هذا الجيل ولكن ليست هذه المشكلة كما أنني قدمت أغنية لاطفال الحجارة من كلمات الشاعر محمد الفيتوري على المقام السباعي، ولكن هناك اعتبارات أخرى منها أنني حققت نفسي واكتسبت شهرتي على المقام الخماسي كما أن المقام السباعي ولا يخاطب وجداني.
أم كلثوم والغناء السياسي
* أشادت بك أم كثلوم في رحلتها للسودان كيف كان استقبالك لثناء سيدة الغناء العربي؟
- يفرح طاغ,, فقد كان الثناء من سيدة الغناء العربي وهو فرح لم أشعر به وحدي ولكن الشعب السوداني كله الذي كان في استقبالها عام 1968 وأذكر أنني في هذه المناسبة كنت مكلفاً من نقابة المهن الفنية بمرافقتها وقد تركت أم كلثوم انطباعاً إنسانياً جيداً في السودان فعلى الرغم أنها كانت تحتل قمة الغناء في الوطن العربي إلا أن سلوكها كان متواضعاً إلى حد الدهشة.
* الغناء السياسي مرحلة لامعة في حياتك الفنية فهل لايزال محتفظاً بمكانته؟
- نحن السودانين في حالة قلق سياسي مستمر منذ عام 1956 وحتى الآن، وأعتقد أن الغناء الوطني السياسي أصبح جزءا أساسا وأصيلا لدى الفنان السوداني بشكل عام، ومن خلاله نطرح أمنياتنا في مستقبل مستقر لوطن موحد، كما أن التعامل مع شعراء أمثال صلاح ابراهيم ومحمد الفيتوري ومحجوب شريف وهؤلاء ينتمون لليسار من المبدعين السودانيين وحققوا شهرة واسعة، ارتبط معهم في الانتماء لهموم الناس بصدق، وبشكل عام لست متحزباً ولكن أشعر بكراهية تجاه حالات الوسط واللون الرمادي وليست لدى مصلحة إلا الحفاظ على فني وصوتي وكرامتي، وأعتقد أن الفن بلا أجنحة الحرية يصبح بلا معنى.
|