الملك منصور قلاوون، هو الملك المنصور سيف الدين قلاوون، أبو المعالي، الصالحي النجمي، والسابع من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، عزل الملك العادل سلامش ابن الظاهر بيبرس من السلطة ليتولى هو الحكم بدلا منه، وقد جلس على سرير الملك وتلقب بالملك المنصور في 12 رجب 678ه/ 28 نوفمبر 1279م، وتوفي في 6من ذي القعدة 689ه/ 10 نوفمبر 1290م، بعد أحد عشر عاماً قضاها في الحكم، مكن فيها لدولته، وواصل فيه جهود سلفه الظاهر بيبرس في توطيد قواعدها وارساء دعائمها على الأسس والنظم التي سارت عليها السلطنة حتى أواخر أيامها، والجهاد ضد التتار والصليبيين، وتأديب النوبيين وردهم على أعقابهم، وظهرت في عهده بشائر النشاط التجاري الذي عاد على المماليك ودولتهم بالثروة الواسعة، ومكنهم من إقامة تلك المنشآت الرائعة التي تنطق بقاياها في مدن مصر والشام بمجدهم، ومنها مجموعة قلاوون المدرسة - القبة - اليمارستان الذي كان بحق واحداً من أعظم سلاطين الدولة المملوكية.
وقد بدىء في عمارة مجموعة قلاوون في ربيع الآخر 683ه/ يونيو-يوليو 1284م، وانتهت في جمادى الأولى 684ه/ يوليو 1215م، وتقع بشارع المعز لدين الله (شارع بين القصرين سابقاً)، وتتكون وجهتها الشرقية المشرفة على الشارع من قسمين: البحري، على يمين الداخل من الباب الرئيسي، وهو وجهة التربة وتعلوها القبة، القبلي، وهو وجهة المدرسة المزخرفة بالحنايا المحمولة على عمد من الرخام تتوسطها شبابيك على أشكال جميلة، وبين القبة والمدرسة دهليز طويل فيه أبوابهما، وكان يوصل قديما إلى البيمارستان كلمة فارسية بمعنى مستشفى ، وتحت القبة القبر المدفون به الملك منصور قلاوون وابنه الملك الناصر محمد.
وتتقدم مجموعة قلاوون واجهة كبيرة ممتدة يتوسطها باب كسي عتبه وجانباه بالرخام الملون، وكسيت مصاريعه بالنحاس المخرم والمزخرف بالحفر والتكفيت بالفضة والذهب برسوم نباتية وحيوانية وهندسية غاية في الدقة والابداع, كما خلقت صنعت سماعتا الباب على شكل رأس حيوان، وعلى جانبي الباب: المدرسة من الجهة الشمالية، والقبة من الجهة الجنوبية، والبيمارستان في الوسط، ويؤدي باب الواجهة إلى دهليز ممتد بطول المدرسة والقبة، وسقفه خشبي مزخرف بنقوش زيتية جميلة، وفتحت في جوانبه نوافذ وأبواب متقابلة تخص القبة والمدرسة، وينتهي الدهليز بعقد كبير يؤدي إلى البيمارستان.
وقد خربت مباني البيمارستان القديمة، ولم يبق إلا أجزاء من بعض قاعاته، وفي سنة 1333ه/ 1915م أنشأت وزارة الأوقاف مستشفى للرمد بباب خاص على جزء كبير من أرضه، أما القبة من الداخل فجدرانها مكسوة بالرخام، وشكلها من أبدع وأجمل القباب المزخرفة بالفسيفساء والخشب المذهب، يحملها أربعة أعمدة أسطوانية سميكة وطويلة من الجرانيت الأحمر.
وتتكون المدرسة من صحن مكشوف مستطيل الشكل تتوسطه فسقية، وتحيط به الأروقة من جهاته الأربع، ويتقدم الإيوان الشرقي عقد كبير يتوسطه عمودان يقسمانه إلى ثلاثة عقود صغيرة، والإيوان عميق ويحتوي على صفين من الأعمدة يحتوي كل صف منهما على ثلاثة أعمدة يقسمان الإيوان إلى ثلاثة أروقة عمودية على حائط القبلة، الأوسط منها أوسعها، وقد حليت واجهات عقود هذا الإيوان بزخارف جصية جميلة كما تدل على ذلك بقاياها، وزخرفت واجهة الإيوان بعقدين كبيرين يكشف كل منهما فتحتان معقودتان مستطيلتان يعلو ذلك شباك مستدير يكتنفه كتفان بكل منهما ثلاثة شبابيك بعضها فوق بعض.
أما أروقة الإيوان فقد وجدت عند مبدأ العقود من الجهتين الشمالية والجنوبية كوابيل أعلى الأعمدة كانت تحمل عقوداً لسقف مقبى استبدل حديثا بسقف خشبي يغطي الرواق الأوسط الآن, وفي صدر الإيوان الشرقي يوجد محراب كبير زخرفت طاقيته وكوشتى عقده بزخارف بديعة من الفسيفساء المذهبة، وبجوار المحراب منبر بسيط من صنع الأمير أزبك بن ططخ المملوكي سنة 889ه /1484م أهداه للمدرسة عند ترميمها، كما أقام قبة خشبية أعلى الفسقية التي تتوسط الصحن، والإيوان الشرقي وما فيه من زخارف جميلة ومحراب بديع هو الوحيد من مباني المدرسة القديمة الذي لا يزال قائما على حاله دون تغيير.
أما الإيوان الغربي المقابل لإيوان القبلة، فقد ضاعت معالمه لكثرة الإصلاحات والتجديدات التي أجريت له، ويتوسط الضلع الشمالي للمدرسة إيوان صغير يكتنفه ثلاث غرف على كل جانب، ويشبه الإيوان الجنوبي الإيوان الشمالي، وإن كانت بعض أجزائه قد تهدمت الآن.
وقد دون على المحراب، وكذا على أعتاب نوافذ المدرسة تاريخ الانتهاء منها بما نصه:
أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة السعيدة، مولانا وسيدنا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين أدام الله أيامه وحرس أنعامه ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه، وكان ابتداء عمارتها في صفر سنة أربع وثمانين وستمائة، والفراغ منها في جمادى الأولى من السنة المذكورة للهجرة المحمدية .
وقد ألحق الناصر محمد بن قلاوون بواجهة المدرسة سبيلاً وكتاباً صدقة على روح والده سنة 726ه/ 25-1326م، على يد الأمير أقوش نائب الكرك، ويعلو السبيل قبة صغيرة كسيت رقبتها ببلاطات من القاشاني عليها كتابات قرآنية غاية في الإبداع، كما فتحت بالرقبة ثماني نوافذ خشبية بها زخارف نباتية مفرغة غاية في الدقة والجمال.
وإيوان المدرسة المنصورية فريد من نوعه في مصر ولذلك يسميها العلماء بالمدرسة الجامع، لأنها جمعت بين طراز الجوامع باحتوائها على أعمدة وأروقة، وبين المدرسة باشتمالها على إيوانات متعامدة.
|