الأربعاء التي مضت راكضة في دهاليز ساحات الزمن غير المرئي الأربعاء التي دخلت تجاويف ذاكرة العالم بشكل لا يمكن التخلص منه إلا بظاهرة أكثر قوة وأكثر قدرة على التأثير في نفسية الكائنات التي تدب على كوكبنا الأرضي.
الأربعاء الماضية كانت أربعاء غير عادية بالنسبة لأغلبية بني آدم الذين وقفوا ينظرون إلى الشمس وهي تحتجب كالعروس خلف زوجها القمر أو مشاهدة القمر وهو يبعد الشمس بحنان عن عيون الأرض بكسوف كلي أو كسوف جزئي.
المهم إن هذا الكسوف استطاع أن يوقف حركة الزفير والشهيق لدقائق معدودة هي عمر هذه الظاهرة التي ربما لن تحدث إلا بعد فترة طويلة.
فلأول مرة في تاريخ الكون الكبير يعرف حوالي ملياريي صغير من البشر كيفية حدوث ظاهرة الكسوف والخسوف ويرونها واضحة أمامهم من دون لبس خصوصا أولئك الذين ما عرفوا فك طلاسم الحروف والأرقام.
ولأول مرة في تاريخها الطويل الممتد على مساحة قرون من المنازعات والحروب والدسائس والمؤامرات والسلب والغزو والتدمير والمذابح تقف أمم العالم بشمالها وجنوبها بشرقها وغربها وبجميع أجناسها ودياناتها وأعراقها ومللها ونحلها أمام أمنا الشمس.
بعضنا نظر بخشوع وبعضنا نظر برهبة وبعضنا نظر بفضول وبعضنا نظر بذهول ولكن الجميع شعر بقوة طاقة الشمس وما يمكن أن تقوم به في حالة غضبها أو حالة اعتكافها وحالة هجومها.
ولأول مرة يتفق العالم على تبادل المعلومات عن حركة الكسوف عبر الأقمار والقنوات الفضائية وتناقل أخبار الشمس في جميع جهات الأرض بشكل يشبه أفلام الخيال العلمي.
نعرف أن الشمس ليست حكراً على مجتمع دون الآخر ولا على دولة دون دولة أخرى فهي مثل الهواء لابد أن يكون مشاعاً بين جميع الكائنات فوق الأرض في نفس الوقت الذي نحلم فيه أن يكون الماء والخبز لكل فم.
وكواحد من بني آدم وقفت أتأمل في ما حدث يوم الأربعاء الماضي ليس في ظاهرة الكسوف التي احتلت مساحة ما من تجاويف الذاكرة إنما ما يمكن أن تمثله هذه الظاهرة للمجتمع البشري خصوصا إذا آمن هذا المجتمع بأن هناك إمكانية لاتفاق أممي على قضية من القضايا التي تؤرق البشر في دول العالم.
ومثلما وقف العالم مرعوباً من تأثير الأشعة فوق البنفسجية على شبكية عين الإنسان ومثلما تعاون على نقل المعلومات لحركة مسار الشمس في هذا اليوم العظيم لابد أن يقف ضد بعض الظواهر الاجتماعية والطبيعية التي صنعها الإنسان غير الواعي بتأثيراتها السلبية على الطبيعة والمجتمع والكون الذي نعيش فيه مثل التلوث والمجاعة والحروب القبلية والحروب الطائفية والحروب المدعوة بالوطنية.
هل يقف العالم ضد الجوع؟ هل يقف العالم ضد الجفاف؟
هل يقف العالم ضد الحروب؟
هل يقف العالم ضد الكوارث الطبيعية والاجتماعية؟
ربما تكون اسئلتي بعض أحلام الشعراء أو أوهامهم.