Friday 13th August, 1999 G No. 9815جريدة الجزيرة الجمعة 2 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9815


أستاذ التعليم العالي في كلية الشريعة بجامعة القرويين بالمغرب
الإسلام رفع المرأة إلى المكانة اللائقة بها في الحياة
الإسلام أحاط الأسرة بمختلف الضمانات والقواعد لتؤدي دورها الاجتماعي
قوامة الرجل على المرأة ليست بخساً لقيمتها أو انتقاصاً لحقوقها

*كتب - مندوب الجزيرة :
أكد الأستاذ الدكتور يوسف الكتاني أستاذ التعليم العالي في كلية الشريعة بجامعة القرويين بدولة المغرب أن الإسلام رفع المرأة إلى المكانة اللائقة بها في الحياة باعتبارها شقيقة الرجل، وقرينته وشريكته في بناء الحياة وقيام المجتمع.
وأوضح د, الكتاني في حديث له حول موقف الإسلام من المرأة أن المقام الذي وضع الاسلام المرأة فيه، خول لها من الحقوق وفرض عليها من الواجبات بمثل نصيب الرجل من ذلك، اللهم إلا ما استثني مما اقتضته طبيعة كل منهما ووظيفته في المجتمع، وطبقا للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها وبما يحقق التكامل بين الجنسين.
وقال الكتاني: ومن هنا كانت الحكمة في توزيع المسؤوليات بين الرجل والمرأة واضحة جلية، لتكون الأسرة سليمة قويمة، والمجتمع راشدا مستقرا، فقد أعطى الإسلام للرجل مسؤوليته، ثم أسند الى المرأة مهمة تتفق مع طبيعتها وتكوينها وهي الأمومة من حمل وولادة وإرضاع وغير ذلك مما جعل الحياة الزوجية والعائلية في الشريعة الاسلامية حياة قائمة على التعاون والتكامل المثالي.
وأضاف قائلا: ولتحقيق تلك الغاية السامية فقد احاط الاسلام الأسرة -بصفتها الخلية الأساسية في المجتمع الاسلامي- بمختلف الضمانات، وحصنها بكل أنواع الفضائل والمكرمات، واشترط لقيامها وصلاحها أركانا وقواعد وأسسا لابد من توفرها ، لتقوم بدورها ولتؤتي ثمراتها.
وأشار د, الكتاني - في هذا الصدد- إلى أن الاختلاف القائم بين الرجل والمرأة في طبيعة التكوين الجسدي والنفسي ، يستتبع -لامحالة- تفريقا في بعض الأمور والأحكام، إذ إن الله جعل لكل منهما وظيفة مهمة تتناسب مع تكوينهما، فالرجل أصلب عودا، وأشد شكيمة، وأقوى على تحمل المشاق، والمرأة أرق عاطفة، وألين عريكة، وأشد حساسية.
ولذلك اختلفت بعض الأحكام والمسؤوليات في شريعتنا، بالنسبة لكل منهما، تبعا لاختلاف الطبيعة والتكوين، وذلك أمر إلهي، لأن الذي خلق المرأة والرجل أعلم بما فيه مصلحتهما وخيرهما.
القوامة الشرعية
ثم استعرض الدكتور يوسف الكتاني في حديثه بعضاً من القضايا والأحكام التي بنيت على ذلك الاختلاف في التكوين والطبائع ومنها: القوامة الشرعية، مبينا أن هذه القضية تعد من القضايا التي حجب حقيقتها عدم الإلمام بالإسلام،وشوهها الغرض والهوى والانقياد، حيث حسب بعض الناس أنها بخس لقيمة المرأة وانتقاص لحقوقها ، أو جبر لهاوحجر عليها، واستبداد للرجل وتحكم في أمر الأسرة، وأنها سيف مسلط أو عصا غليظة ترفع في وجه المرأة والأبناء كلما هموا بأمر، أو أرادوا ممارسة حياتهم وحقوقهم.
وقال د, الكتاني: وأعلن هنا صراحة أن الإسلام بريء من هذه المعاني التي لاتتفق مع أهدافه السامية في شيء، حيث أن حق القوامة في شريعتنا يعني قيام الرجل على النساء بالحماية والرعاية على أن يكون الرجل من خلالها قدوة صالحة وراعيا أمينا لبيته، وهذه القدوة وتلك الرعاية تستلزمان منه الحرص على حقوق الأهل بقدر حرصه على واجباتهم نحوه.
ويرى الدكتور الكتاني أنه عندما حاد الناس عن هذا التوجيه الإلهي الكريم، واختلط الأمر عليهم انفرط عقد الأسرة ودب فيها الانحلال، وساءت أحوالها، وأصبح كل طرف يعيش بعيدا عن الآخر، وانعدم الاحترام بين أفراد الأسرة، وتعاني المجتمعات الأوربية وبعض المجتمعات الإسلامية التي فرطت في توجيهات دينها، والتأسي برسولها -صلى الله عليه وسلم- الأمرين من ذلك، ولامنجاة إلابالرجوع الى هدى الإسلام وأحكامه وقيمه، ليعود الى المجتمعات استقرارها واطمئنانها وفضلها.
تعدد الزوجات
ثم تطرق أستاذ التعليم العالي بجامعة القرويين الى قضية أخرى تتصل بسابقتها وهي تعدد الزوجات ، حيث أكد في بداية حديثه في هذا الموضوع أن الإسلام لم يشرع تعدد الزوجات بل وجده نظاما قائما وعادة منتشرة، فعمد الى تنظيمه وتقنينه انطلاقا من مقاصده، وغاياته الحكيمة، واعتبارا لطبائع الناس وما يصلحهم ويزكيهم، ومراعاة ضرورات الفرد والجماعة والحفاظ عليها،وهي المعتبرة في الشريعة الإسلامية.
ثم أوضح أنه من الاسباب الداعية الى تعدد الزوجات في الإسلام، أنه تشريع يحل مشاكل العقم، وكفاية ازديادالرغبة عند بعض الناس وتعويض جنس الرجال بسبب ما يفقد منهم في الحروب، وتحقيق التوازن بين الجنسين عندما يطغى عنصر النساء على الرجال، وغيرها من الظروف الحياتية التي تدعو الى التعدد ولامناص منه في أحوالها، إضافة الى ضرورته للقضاء على حالات الزنا وانتشار الفاحشة، ولذلك أباحه الله وشرعه للناس كما جاء في القرآن الكريم وإن خفتم أن لاتقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاتعدلوا فواحدة أو ماملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاتعولوا (النساء آية3)
وقال: ومن هنا كان التعدد في الإسلام خيرا وصلاحا للمجتمع، وأن نظام التعدد كما شرعه الإسلام واقره وقننه هو في صالح المجتمع أكثر مما هو في صالح الرجل، لأنه يحمي النساء من البوار ويعصم الأمة من أولاد الزنا واختلاف الأنساب نتيجة العلاقات غير المشروعة، وقد أحاطت الشريعة التعدد بأحكام وضمانات وشروط تحفظ للمرأة كرامتها وتصون حقوقها، خصوصا انه جائز ومباح وليس فرضا أو إلزاما، كما أنه لابد من توفر شرط صعب هو (العدل) فمن خاف أن يظلم الزوجات أو لايعدل بينهن، فلا يتزوج الثانية أو الثالثة،، ولايعدد تجنبا للظلم وعدم العدل ، أي الاكتفاء بزوجة واحدة في حالة الخوف من الانحراف عن العدالة.
ثم قال د, الكتاني : ولقد كثر القول والحديث هذه الأيام في بعض المجتمعات العربية عن تعدد الزوجات، وكثرت المطالبة باتباع الغربيين في قصر الزواج على واحدة، وإن الذين يرددون هذا الكلام لايفقهون مقاصد الشريعة وأحكامها، وهم في نفس الوقت مفتونون بحياة الغرب وماديته حتى لو كانت - هذه الحياة - غير شرعية ولامتطابقة مع أحكام ديننا وأحوال بيئتنا، ولو تفكروا قليلا لعلموا ان الله - سبحانه وتعالى - لايشرع لعباده إلا السبيل الأقوم، وما ينفعهم في صلاح معاشهم ومعادهم.
لماذا الطلاق بيد الرجل ؟
بعد ذلك تناول الدكتور يوسف الكتاني قضية الطلاق ولماذا كان بيد الرجل أصلا؟ فقال: لقد جعل الإسلام الطلاق علاجا لمرض لاشفاء بدونه، وحلا لحياة عائلية أشرفت على الانهيار ووصلت الى الطريق المسدود، وجعله مخرجا من شقاء مستمر، وإنقاذا للأبناء من تعاسة الخلاف والشقاق المستمر بين الأبوين، حتى لايكونوا ضحاياه.
ولعل الحديث الشريف يصور حقيقة الطلاق ويبينها بقوله -صلى الله عليه وسلم :أبغض الحلال عند الله الطلاق باعتباره ضرورة لابد منها، غير أن هذه الضرورة تقدر بقدرها، أي هو كالدواء المر الذي يتحمل المريض مرارته من أجل شفائه ولكنه لايتناوله إلا عند الحاجة، وفي حالة المرض.
وأضاف قائلا: وبالرغم من ذلك فقد جعل الاسلام الطلاق على مراحل ثلاث : المرة تلو المرة، إنقاذا للحياة الزوجية ورعيا للمروءة، ورفقا بالأبناء حتى لايحرموا من رعاية الأبوين.
أما لماذا جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل أصلا وفي اغلب الأحوال؟ فذلك راجع الى طبيعة كل من الرجل والمرأة، فالرجل أكثر تحكما وضبطا لعواطفه وأحاسيسه، والمرأة رقيقة الشعور شديدة الإحساس، وهنا يفرض تساؤل آخر نفسه وهو: هل حقا جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل وحده دائما؟ والجواب كلا وألف كلا فقد جعل الإسلام الطلاق حق المرأة وفي يدها أيضا إذا أرادت عند عقد الزواج، وفي أحوال كثيرة مثل : اشتراط العصمة في يد المرأة عند العقد، أو عن طريق الخلع إن وجدت ظلما منه، وكذلك عند ثبوت عدم الإنفاق أو سوء المعاملة أو الضرب أو حرمانها من حقوقها فلها أن ترفع إلى القاضي ليطلقها، وهناك اليمين التي تسمى (لعانا).
تفاوت الميراث
-ثم تحدث الدكتور الكتاني في قضية (تفاوت الميراث في نصيب كل من الرجل والمرأة) والذي جاء في قوله تعالى } يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين{ (النساء آية 11) مبينا أن مضاعفة نصيب الرجل يرجع إلى أنه هو المسؤول عن نفقات الأسرة، زوجته وأولاده وكذلك الأقارب الذين لامال لهم، كما فرض الإسلام على الرجل المهر والكسب والعمل، ولم يكلفها بشيء بل إن نفقتها على غيرها قبل الزواج وبعده فأعباؤهاقليلة، وأعباء الرجل كثيرة.
ومن هنا جاء تشريع الإرث تطبيقا لقاعدة الغرم بالغنم ناهيك عن أن هناك حالات قد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل أو تتساوي معه حسب صلة القرابة للمورث، ولاعلاقة لاختلاف الجنس في ذلك، هذا زيادة على أن المرأة لاتأخذ نصف ميراث الرجل دائما، بل إنها في حالات كثيرة من أحوال الميراث تأخذ مثله تماما كما هوالحال في ميراث الابن حيث تأخذ الأم مثل نصيب الأب كما أكد ذلك القرآن :}ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد{ (النساء-آيه11)،والأخوات يأخذن مثل الأم }فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ماترك{(النساء-آية11).
مقترحات وحلول
واقترح الدكتور الكتاني في حديثه عدة اقتراحات لحل مشاكل الأسرة وقضاياها، منها عمل مدونة لحقوق المرأة وواجباتها، لبيان هذه الحقوق والواجبات التي نص عليها القرآن والسنة النبوية، ودعا إلى تكوين (مجلس الأسرة) من الأب والأم، أو الوصي أو المقدم، وأربعة أعضاء من بين الأقارب والأصهار، وتستند رئاسته إلى كبير العائلة المتمتع بالاحترام والتقدير، ويختص بالتحكيم لإصلاح ذات البين في قضايا الطلاق والنفقة، وغيرهامن شؤون العائلة، كما طالب بتعميم إقامة جمعيات الترغيب في الزواج وتيسير مؤنه ودعوة الاباء إلى عدم التغالي في المهور والشروط.
وفي ختام حديثه ناشد د, الكتاني الجميع بالعمل على القضاء على بدعة الحرمان من الميراث التي بدأت تنتشر نتيجة للغزو الفكري لبلاد الإسلام في بعض مجتمعاتنا بحرمان بعض الورثة من الورث، أو تفضيل بعض الأبناء على البعض الآخر في العطايا والهبات مثل تفضيل الذكور على الإناث أو حرمان بعضهم أحيانا، مما يؤدي الى الكراهية والبغض بين أفراد العائلة الواحدة، وقد يؤدي الى جرائم خصوصا أن الإسلام جعل في الوصية بالثلث مندوحة عن ذلك، لذا ينبغي القضاء على هذه البدعة ، بتبيين مقاصد الشرع في الإرث، وحكمته في توزيع الأنصبة، وهو حكم إلهي لاينبغي مخالفته، أو تجاوزه أو الاجتهاد فيه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved